مقاولة وقحة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

يُقال في المثل «الناس خارجين من السوق وزعكمة واصلة». وهذا ما يحدث مع اليمن. مازال يواجه تحالف الحرب السعودي الإماراتي، وهناك من أدركوا حقيقته وأجندة أطماعه، وحين باتوا هدفا له، بدلا من التصدي له، راحوا يسوقون لمقاولة تدخل خارجي آخر، إنما من جنسية أخرى، لمجرد أنهم يوالونها!
تابعت باهتمام حملة واسعة على مواقع ووسائط التواصل الاجتماعي، شارك فيها الآلاف من الناشطين المحترفين في تنظيم الحملات الإلكترونية، من الموالين للخلافة في مختلف العواصم العربية والأوروبية والغربية أيضا، تحت هاشتاغ «طرد تحالف الشر مطلب يمني»، وهاشتاغ «اليمنيون يطالبون بتدخل تركيا»!
وإذا كنا نتفق مع الأولى في مطلبها وفي كثير من حججها ومنطلقاتها لهذا المطلب، فإن المتابع للحملة، يصاب بالدهشة والذهول، ليس لانطلاقها من الولاء لتركيا، فهو أمر طبيعي قياسا بتوجه وانتماء المنظمين للحملة؛ وإنما لإصرار الأخيرين على طلب التدخل العسكري الخارجي في اليمن، دونما اتعاظ أو اعتبار بتجربتهم مع طلب التدخل السعودي الإماراتي المطالبة بالتدخل الخارجي عموما، بصرف النظر عن تحديده في تركيا، هي بحد ذاتها شاهد على زيف منطلقات الحملة وشعاراتها «الوطنية» للمطالبة بطرد التدخل الخارجي السعودي الإماراتي، وأنها ليست استقلال اليمن وسيادته ووحدته، بقدر ما هي الاختلاف مع تقويض التحالف سلطة هذا الفصيل المسمى «الشرعية»، ومنحها لفصيل الإمارات (الانتقالي).
لو كان دافع الحملة وهذا السخط على التحالف السعودي الإماراتي، هو استقلال اليمن وسيادته ووحدته، بحق وحقيق، لما اقترنت المطالبة بإنهاء التدخل السعودي الإماراتي وطرد قواتهما من اليمن، بطلب تدخل عسكري خارجي أيضاً، إنما من جنسية أخرى، حليفة لهذا التيار المغبون من التدخل الخارجي الأول بعد كل تضحياته وخدماته له.
من كان انتماؤه لوطنه خالصا وولاؤه له صادقا، ودفاعه عن استقلاله وسيادته ووحدته حقيقيا، لا يمكن أن يستبدل تدخلا خارجيا في وطنه بتدخل خارجي آخر، مهما كانت «المبررات»، فجميعها تتعارض جذريا مع مبدأ السيادة الوطنية، وتتنافى كليا مع مبدأ الاستقلال الوطني بالقرار والإرادة والإدارة، ولا تلتقي فعليا معهما بأي حال من الأحوال.
هذا ليس تنظيرا، ولا كلاما نظريا، بل ترجمة حرفية لواقع تجارب التدخلات الخارجية في شؤون الأوطان، سياسيا أو أمنيا أو عسكريا، وآخر هذه التجارب وأحدثها، وأقربها لهؤلاء وأصدقها في تداعياتها، التدخل العسكري السعودي الإماراتي المستمر في اليمن. ماتزال آثاره ماثلة، وتبعاته قائمة، ونتائجه متواصلة، وكارثيته متفاقمة ملء الأبصار والأسماع.
مع ذلك تتشدق مثل هذه الحملة وتبرر هذا المطلب بأن «تركيا حليف نزيه شريف وصادق وفي لا يخون ولا يغدر»، وهو ليس كذلك بأي حال، ولن يكون كذلك في حال تدخله في اليمن، لأنه لو كان «نزيها شريفا» لما تدخل في شأن داخلي يخص دولة مستقلة ذات سيادة وشعبها، ولسعى إلى التوفيق بين قواها وإصلاح ذات البين بحسن نية وجد واجتهاد.
لكن التدخل الخارجي عموما بما فيه «التركي» الذي يُسوق له، وكما التدخل السعودي الإماراتي، سيكون طرفا في الصراع ومؤججا له، ومنحازا لفصيل محلي بعينه، سوغ تدخله بالمطالبة والمناشدة، ويلتقي معه في الأيديولوجيا، والأخيرة انتماء وولاء يتجاوز - مع الأسف - الانتماء للأوطان والولاء لها، كما أنه سيكون ساعيا لتحقيق أجندة مصالح وأطماع، تتجاوز سيادة الدول واستقلالها.
يُقال في المثل اليمني «ما مصلي إلا وطالب مغفرة»، وكذلك الحال مع التدخل الخارجي لدولة أو دول في دولة أخرى، سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا أو عسكريا، لا يكون مجانيا بأي حال، وليس واردا أن يكون كذلك، وإلا ما جدواه بالنسبة له، ما الذي سيدفعه لبذل مليارات الدولارات على نفقات الحرب والتسليح والدعاية وشراء الولاءات والذمم... الخ ما فعله تحالف الحرب السعودي الإماراتي.
الخلاصة، إذا كان هؤلاء لا يجدون حرجا في الارتهان للخارج وخدمة أجنداته سبيلا للسلطة على حساب استقلال اليمن وسيادته، ولا يجيدون صنع أي شيء لليمن عدا مقولة إخضاعه للتبعية والهيمنة والوصاية الخارجية؛ فإن عليهم أن يتنحوا جانبا، ويرفعوا يدهم عن اليمن، ويكفوا عن المزايدة باسمه والدفاع عنه، ويتركوا اليمن وشأنه، فشعبه قادر على انتزاع استقلال قراره الوطني وإرادته وإدارته واستعادة سيادته وصون وحدته.

أترك تعليقاً

التعليقات