صديد الحرب!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يبرز لهذه الحرب العدوانية، إرث مثقل بالدمار والفقد، والمعاناة والقهر. لكن الأخطر من ذلك هو إرث الكراهية. هذا الإرث الخطير والجاري تغذيته من دول تحالف العدوان، يُنذر بشرور أكبر حتى في حال وضعت الحرب أوزارها. إنه وقود سريع الاشتعال وكفيل بإدامة تداعيات الحرب لعقود من الزمن.
العنصرية، المذهبية، المناطقية. ثلاث آفات راهن عليها تحالف العدوان منذ ما قبل بدء عاصفة جرمه، بأشهر طويلة. وظل يلعب عليها عبر منابره السياسية والإعلامية والإفتائية أيضاً. منذ البداية تصدر مشايخ بني سعود وعيال زايد، لتكثيف ما بدأوه عبر قنواتهم من فتاوى «قتال الروافض والمجوس».
حدث هذا مع بداية عاصفة الجُرم علناً وعلى القنوات التلفزيونية الرسمية لدول تحالف العدوان، رغم أن هذين الادعاءين «الروافض والمجوس» لا يجتمعان في إنسان واحد أو حركة بعينها. «المجوس» عبدة النار لا يؤمنون بالله، و«الروافض» مسلمون يؤمنون بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر مع هذا، ظل مشايخ «الدفع المسبق» في بلاط سلمان ومحمد بن زايد، يلوكون هذه الافتراءات في فتاواهم التحريضية على الجهاد ضد (المجوس والروافض) في اليمن، يقصدون من يتصدون للعدوان السعودي الإماراتي ومن ورائهما الحلف الأنجلوصهيوني (الولايات المتحدة، بريطانيا، والكيان الإسرائيلي). 
بجانب هذا العبث بوعي ووجدان العوام من البسطاء والدهماء، راهنت دول تحالف العدوان على إثارة النزعات العنصرية بين أوساط اليمنيين، عبر إطلاق اتهامات لحركة أنصار الله بأنها «عنصرية وتمارس التمييز على أساس السلالة»، وشن حملات عنصرية فجة، ضد من سمتهم «المتوردين واليمنيين»!
لم تدخر دول تحالف العدوان جهداً في إثارة نعرات مناطقية، عبر مختلف الوسائل والمنابر والوسائط، وضخ كم هائل من الكتابات والمقابلات والأحاديث الطافحة بخطاب مناطقي عنصري فج، بين جنوبي وشمالي، وجنوبي ضالعي وعدني وحضرمي، ولم تكتف بهذا، بل تجاوزته إلى تمويل جرائم موجهة.
شاهد معظمنا، طوال سنين الحرب، مقاطع فيديو، لجرائم ارتكبت مع سبق الترصد والإصرار، وجرى تصويرها وبثها على منصات ووسائط وتطبيقات التواصل الاجتماعي، لإشعال الأحقاد والكراهية بين أوساط اليمنيين. مثال ذلك مشاهد تعذيب شماليين مدنيين وترحيلهم، ومشاهد تعذيب وإعدام أسرى!
هذه الحرب، حرب تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني الواحد في البلاد، لم تؤت ثمارها كما كانت تطمح إليه دول تحالف العدوان. ليس لأن وعي السواد الأعظم من اليمنيين كان أكبر، بل أيضاً لأن ما يجمع اليمنيين يتجاوز المذاهب والأحزاب والمناطق. تجمعهم روابط قربى ووشائج رحم وأواصر دم.
لكننا مع ذلك، وبعد أن تضع هذه الحرب العدوانية أوزارها، وتكف دول الهيمنة والوصاية يدها عن اليمن، سنحتاج لنحيا بسلام، ونتكامل في إعادة بناء اليمن والنهوض به، إلى قانون صارم، يحظر ويجرم خطاب الكراهية والتحريض والنعرات والممارسات العنصرية والمذهبية والمناطقية، بمختلف أشكالها.
ولتكن القدوة في ذلك تجربة معاصرة. رواندا، الدولة الأفريقية، صغيرة المساحة وكبيرة الثروات. خرجت من مجازر دموية رافقت الحرب الأهلية، كان وقودها سموم عنصرية وما بذره الاحتلال الفرنسي من صراع هويات. لكنها وفقت بقائد وطني، استطاع طي ما فات بعد أخذ العبرة والعظة، والعناية بجعل ما هو آت أفضل.
كان هذا يا سادة، عبر سن قانون صارم يُجرم جميع أشكال العنصرية، والانكباب على بناء الإنسان وتعزيز قيم الانتماء للوطن والولاء الفعلي له والهوية الوطنية الواحدة. رافقت ذلك بالطبع، إجراءات ناجعة تبلسم الجروح وتجبر الضرر، وبالطبع مساواة نافذة في حقوق وواجبات المواطنة، لا تعرف الاستثناءات ولا المحاصصة.

أترك تعليقاً

التعليقات