زمركيـة!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تشبه الانتخابات الأمريكية أفلام هوليوود، بل أكثرها إتقانا وإثارة وتشويقا و»زمبلطية»، في التمثيل على البشر وبهم، لا تمثيلهم. وهو فيلم مستمر منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، ونظامها السياسي الذي يمثل حزباه الجمهوري والديمقراطي وجهين لعملة واحدة: النفوذ والهيمنة، مع فارق الأسلوب: ساخن وبارد، ناعم وخشن.
لا أتفق مع من يرى أن ثمة خاسراً في الانتخابات الأمريكية، فما من خاسر فيها مطلقا منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية ونظامها السياسي «لعبة الديمقراطية» بنسختها الأمريكية المتقنة في الضحك على الذقون وإيهام الداخل والخارج بأنها ديمقراطية حقيقية، فيما هي ملهاة، يتناوب بطولتها حزبا الفيل والحمار.
العملية السياسية في أمريكا عاقر ومتصحرة فعليا، لا تخرج عن إطار رأسين (جمهوري وديمقراطي)، يؤديان أدوارا تمثيلية مرسومة، يشبهان فيها الممثلين «شارلي شابلن» البريطاني و«باستر كيتون» الأمريكي، يلعبان لعبة شد الحبل وإرخائه، ويجسدان بأدوارهما في المجمل ثنائية إما سارق جيوب بندوب أو سارق قلوب وجيوب أيضاً لا فرق بين مرشحي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، إلا في الأسلوب. الجمهوري فج همجي يجسد غطرسة راعي البقر بغباره ودون مساحيق تجميل، والثاني يجسد الغطرسة نفسها، ولكن بأسلوب ناعم وقناع دبلوماسي أنيق يتقمص التحضر، ويلتقي كلاهما في الهيمنة والنفوذ، وبالطبع الحلب: حلب ثروات الشعوب.
بالعودة لتاريخ رؤساء أمريكا، نجد أن الرئيس الجمهوري يشد ويعنف ويشعل حروبا ويجسد الغطرسة الأمريكية في أقبح صورها، ثم يأتي الرئيس الديمقراطي ليرخي قليلا ويلطف ويطفئ حروبا أو يبقيها ما بين البين؛ لا خامدة ولا مشتعلة، قدر ما يتفرغ لجني المكاسب بصورة وسيط السلام وراعي السلام، إلى آخر الدور السمج نفسه.
ويحضرني هنا، توصيف دقيق للحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية وتمثيلهما الاختلاف رغم الائتلاف حد الإسفاف، يُنسب للرئيس فيديل كاسترو، حين سئل عام 1960 أثناء احتدام السباق إلى البيت الأبيض: أيهما تُفضّل، نيكسون أم كينيدي؟ فقال: «لا يمكن المفاضلة بين فردتي حذاء يلبسهما نفس الشخص!».
فعليا كلا الحزبين في الولايات المتحدة، الجمهوري والديمقراطي، شريكان أو طرفا منظومة سياسية واحدة، وإن بدت ذات رأسين يصورهما الإعلام على أنهما مختلفان ومتنافسان، فكلاهما يؤديان أدوارا مرسومة بدقة من الإدارة العميقة أو اللوبي المتحكم، ممثلا في رؤساء الأموال الكبرى، ممولي الحملات الانتخابية.
هذا اللوبي معروف بأسماء ملاك شركاته وأركانه، المتحكمين فعليا بعصب الحياة والصناعة والسلاح والدعارة والإعلام والميديا، وهم بالطبع من اليهود الصهاينة، ومؤلفو ومنفذو «بروتوكولات حكماء بني صهيون» كما سماه ماثيو غولوفنسكي، في كتابه الصادر عام 1903، والجاري تنفيذه حرفيا، كما تؤكد معطيات الأحداث.
لهذا، لم يكن غريبا ارتكاز حملة المرشح الديمقراطي جوزيف روبينيت بايدن، المعروف باسم جو بايدن، على «إنقاذ قيم أمريكا»، واتهام منافسه دونالد ترامب بتدمير هذه القيم التي تروج لها الدعاية الأمريكية بأنها «الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان». ولن يكون غريبا سعي بايدن لتجميل واجهة أمريكا «الحضارية».
سيكون «بايدن» حال فوزه أشبه بلاعب السيرك ذي المساحيق العديدة، على النقيض من ترامب الذي خلع القناع وكشف عن الوجه القبيح للنظام الأمريكي، الجشع والمتغطرس والمتجبر والانتهازي والمبتز،.. الخ. وسيؤدي «بايدن» دور «المزين الناعم» للواجهة «الأمريكية الحضارية» دون التخلي بالطبع عن الأطماع الأمريكية.
يبقى المؤكد أن الرؤساء الأمريكيين جمهوريين أو ديمقراطيين، عنصر متغير، بينما الثابت في السياسة الأمريكية هو البراغماتية (المصلحية) والدعم الدائم للكيان الإسرائيلي، وعلى ذلك يمكن قياس حجم التغير في السياسة الخارجية الأمريكية، ستظل ساعية لدعم «إسرائيل»، مع فارق الأسلوب فقط، بين دبلوماسية القوة الناعمة، وفوضوية البلطجة الخشنة.

أترك تعليقاً

التعليقات