إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
الهزيمة استثناء فينا معشر اليمانيين، ظلت دائماً من داخلنا وبجناية بعضنا غير السوي، لكنها ليست أصلاً كامناً في روحية اليمنيين وإرادتهم التي جبلهم الله عليها ووصفها على لسان قوم سبأ بالبأس الشديد. الأمثلة كثيرة وكبيرة، ليس أبرزها هذا الصمود في وجه أعتى حرب عدوانية، تقودها أغنى الدول وأبغاها على الإطلاق، والانتصارات المتحققة عسكرياً ومجتمعياً ورياضياً أيضاً.
الساحة الرياضية، باعتبارها هذه الأيام محل متابعة ومبعث بهجة للشعب بددت عتمة الكرب التي فرضتها هذه الحرب العدوانية؛ تشهد انتصارات يمانية كبيرة ومحل فخر واعتزاز، لا في نجاحاتها الرياضية وأهدافها الكروية فحسب، بل في دلالاتها العامة، الأهم لكل ذي بصيرة سوية، وأبرزها أن اتحاد اليمنيين، على وجهة معينة، وأهداف محددة، يصنع الانتصارات اليمانية.
منتخب الناشئين لكرة القدم، جسد هذا للعيان في بطولة كأس غرب آسيا. أبهر الجميع في الخارج والداخل، بتجليات الاتحاد اليمني وماذا يمكن أن يصنع من نجاحات تبدو للوهلة الأولى بنظر البعض صعبة أو مستحيلة، لكنها في الحقيقة، يسيرة على اليمنيين، باتحاد أيديهم ووجهتهم، بسيطة بتكامل أدائهم وجهودهم، وهينة أمام إرادتهم المتحدة على ما فيه صالحهم.
أكد المنتخب اليمني للناشئين مجدداً، هذه الحقيقة الماثلة على مر التاريخ، وصدح بأن إرادات اليمنيين متفرقة وبال، ومتى ما اتحدت لا يثنيها صعب ولا يمنعها مستحيل. تقهر كل الصعاب وتتجاوز كل التحديات، وتنجز المستحيل عينه، وما أمجاد حضارات اليمن عبر التاريخ بكل المجالات إلا أبرز الشواهد على حقيقة أن الاتحاد قوة وعزة، والتفرق ضعف وهوان.
علمنا ناشئونا بما صنعوا من تفان في رفع اسم اليمن عالياً وتمثيله خالصاً، أن انتصاراتنا على بعض البعض لا معنى لها، وليست بأي حال انتصارات، بل انتكاسات بأثرها العام القريب والبعيد، تسعد المبغض وتبهج الحاقد وتفسح مجالاً للمتربص بنا جميعنا شراً. على النقيض تماماً، انتصاراتنا الجمعية على كل صعبة وعقبة، وتجاوز كل كبوة لنا وعثرة، وكل خُلة بنا.
جسد هذا المنتخب اسمه بحق، وأنه مُنتخب من خيارات عدة، للاعبين في مختلف أندية محافظات الجمهورية. أكد أنه هذه المرة، منتخب بصدقٍ لا تشوبه محاباة لنادٍ أو محاصصة كما جرت العادة، بقدر ما بدا منتخباً بعناية للأكثر كفاءة، لياقة ومهارة، روحاً وبدناً، تواضعاً وتعاوناً، ونقاءً، على نحو يضمن التكامل في المهام لتحقيق الهدف المنشود لليمن وبلوغ المرام.
لم يأت هذا المنتخب نتاج تبنٍ رسمي وإنفاق حكومي في اختيار لاعبيه منذ الصغر عبر جولات تصفيات واختبارات، ولا نتاج معسكرات تدريب داخلية وخارجية، بالمئات، وطواقم فنية وتدريبية عالمية ذات باع طويل ومراس خبير في كرة القدم. على العكس تماماً مما هو كائن لدى مختلف دول العالم، لم يحظ منتخبنا بشيء مما هو مبذول على منتخباتها بمختلف فئاتها.
مع ذلك، أثبت المنتخب، بما يمتلكه لاعبوه من ملكات فطرية وقدرات ذاتية ومهارات مكتسبة وطاقات متقدة وتطلعات رحبة، أن بالإمكان أفضل مما كان ومما هو كائن، فقط باتحاد الأيدي والإرادة والتقاء الولاءات واتفاق الوجهات وتوافق الغايات، نحو ما يحقق التطلعات المشتركة، في النجاح والإنجاز وتحقيق المصلحة العامة، لليمن كل اليمن، واليمنيين كل اليمنيين.
ذلك، بحق ما نحتاجه في نواحي حياتنا كافة. الاتحاد اليمني في نفع اليمن واليمنيين. التوافق اليمني في الانتماء لليمن وحده والولاء لمصالحه أولاً. الاتفاق على نفع اليمن وشعبه، وعلى رفعة اليمن واليمنيين. التنافس في خدمة اليمن واليمنيين، والتباري في إحداث نهضة اليمن وعزة اليمن وقوته باستقلال قراره الوطني وسيادته الوطنية كاملة على أراضيه وأجوائه وبحاره، كافة.
نحتاج يا سادة، أن نتحد ونرتق كل ثغرة من شأنها أن تفرق. أن نتجاوز كل عثرة ونطوي كل كبوة ونقهر كل نكسة ونتخطى كل نكبة، باتحاد إرادتنا على هذا، بصدق وإخلاص في طلب الخلاص من قيود التبعية للخارج وأغلال الهيمنة الخارجية وإذلال الوصاية الخارجية. لأن هذا هو الأصل، أننا أحرار، وجبلنا على العزة والإباء، وتوارثنا العزة والريادة والسيادة والعطاء للبشرية جمعاء.
لا ينبغي أن نكتفي بنشوة إنجاز ناشئينا الأبطال. جميعنا مدعوون للنظر أبعد من أنوفنا. التأمل في ما أصابنا من تمزق وهوان، وما قاد إليه من ارتهان تامٍ للخارج الحاقد على طيب بلادنا والطامع في خيراتها والخائف من فعل قوتنا وبأسنا الشديد. إن إعادة النظر ببصر وبصيرة لعواقب هذا الارتهان التام للخارج، مِن هوان دامٍ للداخل؛ كفيل باستعادة رشدنا ومعه قوتنا وعزتنا ومجدنا.
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم