إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تشبه «حكومات هادي» المتعاقبة حال ما سمته سلطات الاحتلال البريطاني لعدن وجنوب اليمن، «المجلس التشريعي» في سياق محاولاتها تجميل احتلالها وإضفاء صبغة «استقلال شكلي» بمواجهة المد الثوري التحرري العربي، منذ 1949م، رغم أن المندوب البريطاني ظل يرأس المجلس وله بالطبع السلطة الكاملة لتشكيل وحل ما سميت «حكومة عدن»، اعتبارا من 1959م!
كذلك حال الفصائل العسكرية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، تتطابق تماما وحال ما عُرف باسم «جيش الليوي»، والأخيرة تسمية مشتقة من الكلمة الإنجليزية (leviers) وتعني «مجندون» أو «قوة مجندة»، وأنشأته إمبراطورية بريطانيا في الدول التي تحتلها لقمع التمردات المحلية عليها وعلى الحكام المحليين التابعين لها والمسوغين لاحتلالها بلدانهم، بما فيها عدن وجنوب اليمن.
أسندت تبعية هذا الجيش لسلاح الجو الملكي البريطاني، وضم مجندين محليين يتوزعون على طوابير، يسمى كل طابور باسم منطقة منتسبيه مثل «طابور العوالق، طابور العوذلي،.. الخ»، 23 سلطة وإمارة ومشيخة فرختها سلطات الاحتلال البريطاني بموجب معاهدات «حماية» ثم «استشارة» تلزمها بالتبعية الكاملة مقابل تبادل الاعتراف بالشرعية، ورواتب شهرية (مشاهرات) لولد الولد.
كما أسست سلطات الاحتلال البريطاني في مواجهة هجمات جيش الإمام في شمال اليمن والانتفاضات المحلية في جنوب اليمن، خلال الأعوام (1928-1959)، بجانب جيش محمية عدن (جيش الليوي)، البوليس المسلح في عدن (Aram police)، والحرس القبلي (T.g). الحرس الحكومي (G.G)، والجيش النظامي اللحجي، وجيش البادية الحضرمي،.. الخ.
وفق المصادر فقد بدأ تكوين «جيش الليوي» في عدن، من قبائل بعينها، ثم تقرر أن يكون التجنيد بنسب معينة لكل إمارة وسلطنة بحسب الكثافة السكانية، و»كان يتم استبدال الجنود الذين تنتهي خدمتهم لسبب أو لآخر من نفس المنطقة، وذلك حفاظا على التوازن القبلي، لأن الانتماء إلى الجيش كان يترتب عليه تحرك في بنية المجتمع، أو حراك اجتماعي ناتج عمّا يتحقق لمنتسبيه».
ظل المنتسبون لهذا الجيش يجنون «عائدا ماليا ثابتا كل شهر، ما يعني أول ما يعنيه حياة معيشية أسرية مستقرة إلى حد ما، من ناحية، ووضعاً اجتماعياً أفضل، بفعل المكانة الاجتماعية التي تكون لمنتسبي الجيش، بالإضافة إلى المستوى المعيشي الأفضل في الثكنات والرعاية الصحية التي تنعدم في الأرياف، بغض النظر عن كون ذلك الجيش كان تحت سيطرة الاحتلال».
وعلى خطى الاحتلال البريطاني، يسير التحالف السعودي الإماراتي اليوم في جنوب اليمن، بتأسيسه تشكيلات عسكرية ومليشيات مسلحة مماثلة، ما يعرف باسم: ألوية «الحزام الأمني»، ألوية حزم (نسبة لعاصفة الحزم)، ألوية «الدعم والإسناد»، قوات «النخبة الشبوانية»، «النخبة الحضرمية»، «النخبة السقطرية»... الخ. مع فارق تبعية هذه التشكيلات لقطبي احتلال: سعودي وإماراتي.
كل هذه التشكيلات قد تتنافر في ما بينها بداعي التنافس والاستحواذ والتفرد، لكنها جميعها تلتقي في الولاء للتحالف والتبعية المطلقة له. وهذا التحالف لا يسعى فعليا لبسط الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة كما يزعم. الواقع أنه ينكب على التأجيج بغية التفكيك والتمزيق لعرى اليمن ونسيجه الوطني الواحد. تلك حاجة وجودية للتحالف، سبب بقائه ودوامه: صراع الفرقاء.
وحده التحالف من يملك أمر بسط الأمن والاستقرار في جنوب اليمن، فهو الممول لجميع الفصائل المسلحة هناك على اختلاف انتماءاتها ومسمياتها، وولاؤها يظل للتحالف، ولولا اختلاف أجندات قطبيه السعودي والإماراتي لما كان هناك صراع في جنوب البلاد. لهذا لا يبدو أن التفجيرات ستنتهي بقدر ما يظهر جليا أنها ستتتابع ومعها حمى الاغتيالات البينية، في صراع الولاء لقطبي التحالف.
فعليا، يحتاج اليمنيون لاستعادة أمنهم واستقرار أحوالهم، وهذا يتطلب استعادة استقلال قرارهم الوطني وسيادة دولتهم بدءاً من سيادة دستورها ومرورا بسيادة قوانينها وبالطبع سيادة أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، ما يعني إنهاء التدخل الخارجي ووصاية دوله على اليمن. وهذا يستدعي إنهاء أدوات الخارج المحلية. ذلك بيت الداء وهو الدواء، مهما أنكر العملاء!
المصدر ابراهيم الحكيم
زيارة جميع مقالات: ابراهيم الحكيم