سقط عمدا!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
يحدث أن يسقط اسم ما من قائمة ما، من غير قصد، فيقال «سقط سهوا». يحدث أيضا أن تسقط أسماؤنا من قوائم فوز كبير وظفر أكبر بما نشتهيه، من غير قصد أيضا، إنما بفعل الالتهاء عنه بشاغل ما، حينها يسقط لهوا وعمدا، وتلك حال شهر رمضان وخيره العميم وفوزه العظيم.
قد ينشغل البعض عن الظفر بفضل هذا الشهر المفضل عند الله تعالى، بلهاث العيش والسعي لتأمين متطلبات الشهر الاستهلاكية من طعام وغيره، ثم بكسوة العيد. هؤلاء انشغالهم لن يسقط في الأغلب شهر رمضان كليا عن اهتماماتهم وإن حال دون إعطاء الشهر حقه...
لكن الخسارة الأكبر، عند مَن يسقط شهر رمضان وخيره العظيم من اهتماماته لهوا وعمدا، فيخسر فضله الكبير: تزكية للنفس وتهذيبا للروح وتشذيبا للسلوك وتنقية للصدر، وتصحيحا للفكر وإصحاحا للبدن، حسنات وأجرا كبيرا، مغفرة ورحمة واسعة، دعاء واستجابة مؤكدة.
تراجعت -مع الأسف- الكثير من مظاهر روحانية شهر رمضان، لتحل محلها مظاهر ترويحات أُصبغت به، فجعلت من رمضان شهراً لسباق محتدم ليس في ساحة العبادات والسبق للحسنات، وطلب المغفرة بإكثار الطاعات وبذل القربات لله بغية زيادة ميزان الحسنات.
صار السباق المحتدم في شهر رمضان، هناك في ساحة الطعام والحلويات، وطلب المُسليات من المسلسلات، ومتابعة المربحات من المسابقات، والمروحات من برامج المقالب المفترض أنها مضحكات، أو الانشغال في تحصيل ما يسد قائمة المأكولات والحلويات والملبوسات!
كل هذا لأن وسائل الإعلام بما فيها تلفازنا المحلي بقنواته وإذاعاتنا المحلية، أعدت العُدة مسبقاً لجني الربح وتحصيل المليارات. نعم لتحصيل أرباح شهر رمضان في سوق الإعلانات، بجذب أكبر قدر من المعلنين، من خلال إعداد برامج مسابقات وشراء مسلسلات تجذب المشاهدين!
صار رمضان بقدرة تكنولوجيا الاتصال والإعلام، شهر تسوق عالمي، كرنفالا تجاريا واقتصاديا عابرا للقارات، تظاهرة عالمية للتسوق والاستهلاك، مهرجانا للترفيه والاسترخاء والانتشاء، للمسابقات والربح، للمسلسلات والبرامج الإعلانية، وغير ذلك مما ابتلينا به من غير فائدة تذكر!
وبعد أن كان آباؤنا وأمهاتنا وكنا معهم نعرف أن شهر رمضان هو شهر الظفر بالرحمة والمغفرة والعتق من النَّار، تحوَّل اليوم رمضان عند ملايين من المسلمين في مختلف أرجاء العالم إلى شهر لمتعة الطعام والشراب والسهر، ومتعة التسوق والتنزه والربح و»الاتصالات» والمسلسلات!
إن ما يجري يحرم هذه الأمة من فرصة وحيدة أمامها، شهر واحد في أيامها، لترجع إلى ربها، وتستذكر قيم دينها وتستحضر أصوله وتستلهم روحه. شهر واحد كان حتى عهد قريب جداً، حتى نهاية الألفية الماضية، هو شهر رمضان، رغم ظواهر اليوم التي كانت استثناءات وصارت قاعدة عامة.
كل ذلك وغيره الكثير من فضائل شهر رمضان، سقط اليوم لهواً أو سهواً -لا فرق- من أذهان الغالبية، وأُسقط عمداً من مفهوم وسائل الإعلام التي صار إسقاطها من حياتنا سبيلاً وحيداً للصيام، والفوز بما ينفعنا بحق، ما يعيننا على استقامة حياتنا واستعادة أنفسنا من أمواج هذا الغثاء.

أترك تعليقاً

التعليقات