عنقاء!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -
تمارس الرياض مع صنعاء، بين وسائلها في الترويض، لعبة شد الحبل. مجلس وزراء الرياض يشد فيتوعد ويرعد ويزبد، وسفراء الرياض يرخون، فيتوددون ويمهدون لسلام يحفظ ماء وجه الرياض. لكن صنعاء تدرك اللعبة، وتمارسها هي الأخرى مع الرياض، شريطة التزام قواعدها، وأولاها «عقدة الحبل» ينبغي أن تكون «شوكة ميزان» الندية لا التبعية، في حسم النتيجة دون مغالطات.
يتشدق مجلس وزراء السعودية، برئاسة سلمان، في تردده الماثل حيال وقف الحرب بعد تصاعد الوجع الحاصل للمملكة، بهجمات صنعاء الجوية، الصاروخية والمُسيرة، على قواعدها العسكرية ومطاراتها ومنشآتها الاقتصادية الممولة للحرب، وفي مقدمها منشآت شركة «أرامكو» النفطية، المحطة التي تديرها الرياض لصالح قوى الهيمنة الغربية الكبرى، التي تظهر للعلن مالكا لا مشتريا للنفط!
تقول الرياض في تشدقها إن صنعاء نفذت «ما يزيد عن 800 ضربة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة مفخخة» على ما تسميه «أعيانا مدنية» فيما هي منشآت عسكرية معروفة بأسمائها ومواقعها، بما فيها مدارج الطائرات الحربية في المطارات المدنية القريبة من اليمن، وفي مقدمها مطارات أبها وجيزان ونجران وجدة، ورغم مزاعمها بأن الهجمات على مرافق مدنية، لا ضحايا مدنيين مطلقا!
لكن الرياض، تتناسى هجمات طيران تحالف الحرب العدوانية على اليمن، وتجاوزها 200 ألف غارة عدوانية إجرامية بامتياز، جل نتائجها قصف التجمعات المدنية والأحياء السكنية، وبالطبع المنشآت والمرافق (الأعيان) المدنية. عشرات الآلاف من المنازل والمرافق الخدمية، وعشرات المدارس والمستشفيات، ومنشآت رأس عيسى النفطية، وموانئ ومطارات وشبكات كهرباء ومياه واتصالات.
تتجاهل السعودية بكل صفاقة وجرأة الجرم دون أن يرف لها جفن من وجل أو خجل، سقوط عشرات الآلاف من المدنيين بين قتيل وجريح، بغارات جوية على أحياء سكنية، وسيارات نقل ركاب في الطرقات، وحافلات نقل طلاب، وتجمعات زفاف وعزاء، وأسواق شعبية، ومستشفيات تديرها بعثات منظمات دولية، ومصانع مياه معدنية، ومراكز احتجاز أسرى، معلومة سلفا بمواقعها وإحداثياتها للأمم المتحدة!
مع ذلك، تعلن صنعاء منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2019م، استعدادها الكامل لوقف الهجمات التي تؤكد أنها «تأتي في إطار حق الرد المشروع وحق الدفاع الطبيعي» في مقابل وقف الرياض هجمات طيرانها على المدن اليمنية كافة. والدخول في حوار ندي (يمني ـ سعودي) لوقف الحرب وإحلال سلام عادل وشامل ودائم، قائم على حسن الجوار والاحترام وتبادل المنافع والمصالح، وعدم التدخل في شؤون الآخر.
تُبدي الرياض، ترحيبا إعلامياً بهذا العرض، على لسان سفرائها. لكنها تبقى بمكانها دون أي خطوة عملية تؤكد جنوحها للسلم. تظل مشدودة لاستكبارها، مقيدة بتجبرها وغرورها، ومرتهنة للعبة قمار خاسرة، تراهن على المال، وتقامر بأمن المملكة والمنطقة بأكملها، سعيا وراء فرض نفوذها عليها، بدءا من اليمن الذي ترى أنه يجب أن يظل ضعيفا خاضعا لإدارة «لجنة خاصة» في مجلس وزرائها!
الأدهى أن هذا التصلب من جانب الرياض، حتى بعد أن طالها الوجع وبدأت تشعر بخسائر فعلية لاستمرار حربها؛ لم يعد فقط سعيا وراء استمرار هيمنتها على اليمن وقراره وتعزيز نفوذ أدواتها؛ بل أيضا لضمان تنفيذ أجندة قوى الاستكبار العالمي، ومخططها المعلن للمنطقة منذ 2007م، والمعروف باسم «الشرق الأوسط الجديد». المخطط الجاري تنفيذه بتقسيم دول المنطقة تحت يافطة الفيدرالية.
إصرار السعودية، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية وفرنسا وبالطبع الكيان الصهيوني، على ما تسمى «المرجعيات الثلاث»، هو إصرار على تمرير مخطط تقسيم اليمن إلى «أقاليم اتحادية» ذات مقومات سيادية (دساتير وحكومات ومجالس نواب وشيوخ ورئاسة وولايات، ومحاكم دستورية، وموارد مستقلة، وحق تقرير مصير سياسي: انفصالا، واستقلالا أو اندماجا مع دول... إلخ)!
الحاصل إذن، أن دوافع تحالف الحرب وأهدافه، ليست بأي حال مصلحة اليمن من قريب أو بعيد، ولا تعنيها سلامة اليمنيين وكرامتهم وحريتهم بقدر ما تستهدفها علنا. وهذا يوجب أن تكون قاعدة «لعبة الحبل» الرئيسة، الندية. وأن تكون «عقدة الحبل» شوكة ميزان اللعبة، وقائمة على اعتبار صنعاء في حكم العنقاء، واليمن المقسم، الضعيف الخاضع والخانع، ضربا من ضروب المستحيل، ما بقي اليمنيون أحياء.

أترك تعليقاً

التعليقات