دولة الحلابين!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

لم يخطئ من سمى الأمريكيين "الكاوبويز" أو "رعاة بقر". الحق أنهم كذلك، وما يزالون، حتى بعدما صاروا أقوى دولة في العالم، تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً، وبعدما تجاوزت غزواتهم الأرض إلى الفضاء... مازال ساستهم يمارسون حرفتهم الأولى: ترويض الأثوار و"حلب الأبقار". 
ذلك أحد أبرز مقومات تطور الولايات المتحدة الأمريكية، وأبرز تجليات التطور فيها؛ تحديث حرفتها القديمة، وبعدما كان رعي البقر وحلبها وإنتاج وتصدير الأجبان والألبان والزبدة والأسمان، صار أيضاً رعي البقر وحلبها، إنما رعي "بقر بشرية" سمينة، بلهاء، عظيمة الضروع، غزيرة الحليب النفطي.
ظل هذا الانطباع لديّ منذ وعيت الشأن العام المحلي والإقليمي والدولي، ومازال يتأكد يوما تلو آخر. وبمجرد أن تناصب الولايات المتحدة العداء لأي دولة أو نظام، تحت أي شعارات كانت وبأي دعاوى وذرائع، فإنك ستكون أمام مهرجان أمريكي علني للحلب المقدس، يتناوب على إدارته حزبا "الفيل" و"الحمار"، فكلاهما يرضع!
أبقار ساسة الولايات المتحدة الأمريكية هي نفسها منذ بدأت متابعة هذا المهرجان في عهد الرئيس ريغان. كان عدو أمريكا حينها الاتحاد السوفييتي وجعلته بطبيعة الحال عدواً لأوروبا ودول العالم العربي، وبخاصة السعودية ودول الخليج، إيذاناً لحلب الأخيرة نفقات الحرب.
شنت الولايات المتحدة الحلابة ضد الاتحاد السوفييتي حروباً مباشرة، إنما سياسية ومخابراتية واقتصادية وإعلامية وثقافية، وحرباً غير مباشرة عبر وكلائها في المنطقة، تكفلت السعودية ودول الخليج والمنطقة بتحشيد المقاتلين المسلمين إلى أفغانستان وتمويل حربها ضد السوفييت..السعودية ودول الخليج وتنظيم الإخوان وكل فروعه في المنطقة، تركوا العدو الصهيوني، القريب جداً، وافتروا زخم العداء له والحروب معه، وحشدوا المقاتلين وأصدروا الفتاوى الجاهزة، بالجهاد المقدس في أفغانستان، "نصرة للإسلام وإعلاء لرايته و...الخ"! الموال المكرور نفسه مع كل مصلحة أمريكية.
وبعدما كان الرئيس ريغان يسمي المقاتلين ضد السوفييت في أفغانستان "المجاهدين العرب"، عاد بعد إنجاز مهمتهم يسميهم "الإرهابيين"، إيذاناً بتشكيل العدو الجديد لأمريكا والسعودية ودول الخليج والعالم أجمع، ممثلاً في ما عُرف لاحقاً بـ"تنظيم القاعدة" كهدف لما سمي "الحرب على الإرهاب".
بالتوازي مع تفجير الحرب في الصومال الشيوعي وإقرار خطة السيطرة على آبار نفط العراق، أوعزت الولايات المتحدة للسعودية ودول الخليج للعراق شن حرب على إيران الثائرة على الوصاية الأمريكية، والمنادية بهتاف "الموت لأمريكا وإسرائيل"، فكانت حرب الخليج الأولى. وما إن وضعت أوزارها بدأ التحضير للعدو الجديد.
كان العدو الجديد هذه المرة هو العراق نفسه ونظام الرئيس صدام حسين وبنيته الاقتصادية والعسكرية ومناهضته للهيمنة الأمريكية والصهيونية، فعمدت لخنقه اقتصاديا ووقف سداد نفقات حربه مع إيران، وزيادة صادرات النفط السعودي والخليجي لخفض سعر النفط بما فيه العراقي، وصولاً لإشعال فتيل حرب الخليج الثانية.
شنت أمريكا الحرب بطلب وتمويل سعودي وخليجي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. مع ذلك بقيت تُضخم العداء للعراق ونظام الرئيس صدام حسين، فوصمته بأنه "ديكتاتوري ودموي"، وظلت تروج لفزاعة "أسلحة الدمار الشامل العراقية"، حتى كانت حرب الخليج الثالثة، بطلب وتمويل السعودية ودول الخليج أيضا.
انتهت الحرب بغزو أمريكا العراق والاستيلاء على آبار نفطه التي لا يعلم أحد اليوم كم تصدر يومياً على وجه الدقة! وتتابعت المهرجانات الأمريكية لحلب الأبقار النفطية، بتفجيرات نيويورك وواشنطن، وإعلان الحرب الدولية على الإرهاب في أفغانستان والشرق الأوسط، ثم إطلاق جائحة "الربيع".
تم إسقاط النظم الجمهورية ذات الخطاب القومي المناهض لـ"إسرائيل"، وتدمير اليمن وسوريا وليبيا وجيوشها ومقدراتها بتمويل سعودي خليجي أيضا. ويتواصل التحضير لحرب ضد إيران، العدو الجديد لأمريكا و"إسرائيل"، وتبعاً للسعودية ودول الخليج، وبتمويل وفتاوى السعودية ودول الخليج أيضا.
تستمر الولايات المتحدة في إخضاع الأحرار المناهضين لهيمنتها بحلب أبقار النفط، ومن دون ستار حتى، بل تحت شعار "ادفعوا مقابل الحماية". وقريبا قد تمول السعودية ودول الخليج حروبا ضد كوريا الشمالية وباكستان والصين والهند ودول أمريكا اللاتينية، وبدعاوى "الدفاع عن دين الإسلام والحرمين والصحابة من سباب الأعداء الروافض والمجوس والملحدين والمشركين والكفار... الخ"! الخوار نفسه!

أترك تعليقاً

التعليقات