تهليل أشباه الرجال لرحيل نصر الله
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
رحل رمز القضية القومية، حسن نصر الله، شهيداً بنيران أعداء الأمة والسلام، فهلل أشباه الرجال من مهرجي العرب «العاربة» على امتداد ممالك ومشيخات الخليج الفارسي ومحيطها الإقليمي أيضاً، من اليمن في نطاقه الديموغرافي المحتل إلى التخوم الأفريقية كمصر والمغرب، ممن باتوا مرشحين -كبلدان منكوبة برائحة الدم والنفط الخليجي- للانسلاخ كلياً عن الجسد العروبي والقومي، تماشياً مع موضة العمالة والانبطاح والتطبيع والتآخي غير المشروط مع كيان الرذيلة.
هللوا لنصر اعتقدوا أنهم حازوه بالمجان كهِبَة ممنوحة لهم من قبل أسيادهم في «أورشليم»، غير مدركين البتة حجم الوقار الذي رحل به نصر الله عن عالمنا، مثلما لم يدركوا قبلاً، حجم الوقار الذي اكتنف حياته أيضاً، حينما اختار الثبات في ثكنات الجنوب اللبناني المقاوم، عوضاً عن العيش في ترف الانبطاح المدنس بشعارات الفضيلة المزيفة ودولارات معتمري الدشداشات.
هللوا، وإن بشكل مبطن وغير معلن، وليس فحسب على مستوى أنظمة الحكم الرسمية، وإنما حتى في محيط بعض قطاعاتها المجتمعية الغارقة في مستنقعات الفوضى والتخلف والأمية السياسية والمعرفية وأوهام الإثنية المذهبية المستفحلة بفعل تفاني الأبواق المأجورة الصادحة من أفواه صنائع الأنظمة وأقلام مثقفيها من مبشري الإفك والكراهية الثملين على الدوام في عتمات المواخير الليلية التي اعتادوا ارتيادها بطريقة تشبه الحجيج.
فجاء تهليلهم الانبطاحي ذاك كمحاولة لطمس أو التقليل -على الأقل- من حجم الأثر النفسي والمعنوي الهائل الذي خلفه الشهيد نصر الله في محيط الأمتين العربية والإسلامية، والذي تحول مع المدى إلى زادٍ نظري وأيديولوجي ملهم لإسناد معاول الصمود المقاوم والمتوسع باطراد مقلق لكل المهللين برحيله (أي نصر الله)، غير مدركين البتة في هذا الصدد أن الرجل لم يغادر جوانحنا قط، فكل قطرة أريقت من دمائه الطاهرة هي طوفان قادم ومقاوم لكل أشكال الردة والغطرسة والاحتلال.
هللوا لرحيل رجل وقائد ورمز أثملته الكرامة وسكنه المرح والحزن معاً، فأجاد فهم معاناة أمته الثكلى والملتاعة، ولهذا السبب هللوا، من منطلق إدراكهم الواعي -ربما- أن مشروعه الثوري والتحرري لا يقف فحسب عند حدود تخليص الأمة من براثن الاحتلال والغطرسة الصهيوأمريكية، بقدر ما يتعداه إلى آفاق وطنية وقومية أوسع وأرحب تشمل ضمان تحقيق آمال الأمة في مستقبل آمن وكريم ومستقل بصورة مثلى ومظفرة، وذلك من خلال النضال الضاري والدؤوب لدك أوكار الردة والعمالة والرجعية والانبطاح في نطاق أمتنا الثكلى والمكلومة بجحود أبنائها وعقوقهم الذي يفوق خطر اليهود والأمريكان معاً.
كانوا يدركون أن حروب نصر الله الموجهة ضد أعداء الأمة الخارجيين ستختم صيرورتها بثورة أو ثورات لن تنتهي إلا بتصفية القوى والطبقات الخلفية المضادة من جيوب العمالة وأعوان الاستعمار، من منطلق أن لكل مرحلة ثورية جذورها وامتداداتها.
ولهذا السبب هللوا لرحيل رجل ظنوا أنه لم يعد موجوداً في دائرة الأحياء، متجاهلين حقيقة أنه لا يزال حاضراً فينا بقوة، وأننا نشعر بروحه الجبارة المتقدة بالثورة واليقين التي تعيش في ذواتنا، وتغمرنا بعظمتها وألقها، وتحثنا على القتال الصلب والمقاوم تحت رايته العصية على الأفول والانتكاس.
هللوا لرحيل أكثر القادة تميزاً! يا لها من ضربة قاسية ومنحطة! لكننا ندرك أن هذا هو حال الرجعية وأذناب الرجعية، لخشيتهم من الرجال الذين ينبغي لهم الرحيل لإفساح المجال لفتوة المسوخ؛ لأننا نعيش في عصر الانحطاط الذي يؤمه أشباه الرجال، والذي سيزول لا محالة بفضل المُثُل الثورية الطاغية والعظيمة التي خلفها لنا -وفي محيطنا- من رحلوا مبجلين ومشيعين بكل مظاهر الفخر والعزة والوقار اللامتناهي.
* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود - رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات