محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
أشار متحدث سعودي متصهين يدعي أحمد الركبان، في مداخلة حوارية له قبل أيام مع قناة «الحرة» الإخبارية (الأمريكية المنشأ)، إلى أن «إسرائيل» قتلت حتى اللحظة خلال عدوانها الحالي على غزة ما يربو على الخمسة وعشرين ألف طفل فلسطيني، وأن على أمريكا أن تقتل العدد ذاته من أطفال صنعاء واليمن خلال عدوانها المحتمل والمعد له حثيثاً هذه المرة بدعاوى تأمين طرق الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لتقليم أظافر «الحوثيين» والحد من غطرستهم المتنامية، حد وصفه..
 وكأن شقيقتهم «إسرائيل» ومن خلال إيغالها بقتل أطفال فلسطين إنما تسعى للحد من غطرسة مقاوميها في الأراضي المحتلة (حماس والجهاد الإسلامي تحديدا) بالصورة التي يأملون حدوثها هنا في بلادنا، وكأن كل مقاوم للعنجهية والجبروت الصهيوأمريكي من منظور معتمري الدشداشات المدنسة بالعمالة هو باغٍ ومتغطرس ينبغي لجمه وإزالته من الوجود.
وبالطبع، فإن من حق هذا البعبع السعودي المتصهين، أحمد الركبان، الاحتفاء بما أنجزته «إسرائيل» حتى اللحظة وبما يأملون منها إنجازه أيضا في قادم الأيام من قتل مجاني لجيل كامل إضافي من أبناء غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مثلما ينبغي له تحفيز أسياده في إمبراطورية اليانكي (أمريكا) لتحقيق نفس المنجز الدموي والإجرامي فيما يخص أطفال اليمن؛ لأن اختفاء جيلين صاعدين من مشهد الحياة القومية العربية في المنطقة سيشكل ولا شك متنفساً مهماً لمهرجي الخليج من طوابير العمالة والتطبيع، للمضي قدما في صفقة القرن وبما سيتيح لهم وفق تصوراتهم المريضة إنجاز مشاريع التآخي المستقبلي المحمومة والمرتقبة مع الكيان الصهيوني دون منغصات محتملة وعلى حساب الأمة وتطلعاتها وأمنها واستقرارها وكرامتها المستلبة ودماء أبنائها النازفة بسخاء الفاتحين الحقيقيين وسط حمى المعركة المصيرية الراهنة والملتهبة.
لكن الأمر الأهم الذي تجاهله هذا المتصهين القاطن في عاصمة الخلافة الإسلامية (الرياض) يكمن في حقيقة أن بلاده وأعوانها في تحالف العدوان قد قتلوا من أطفالنا في يمن العروبة خلال السنوات الثماني والنصف الفائتة من عدوانهم الفاشي على بلادنا ما يقرب من عشرة أضعاف عدد ضحايا الصهاينة في غزة، دون أن يفلحوا في لجم عنفواننا الثوري أو الحد من تصاعده المنبثق من حواصل أيلول 2014، والمتنامي أصلا على حمم وجحيم عدوانهم ذاته لينطلق كالمارد الخارج من قمقمه، من منطلق أن كل هذا القتل الوحشي والبربري المتنامي هنا وهناك كان له تأثيره الحاسم، أولاً وأخيراً، في تصليب عود المقاومة وشد أزرها إلى الحد الذي بات معه في إمكانها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه أعتى الجيوش النظامية العربية الحديثة خلال العقود السبعة الفائتة في لجم العنجهية الصهيوأمريكية.
ألم يفهموا بعد أن كل جيل يمحقوه من أبنائنا ينشأ من بين أشلائه وركامه جيل آخر أشد بأسا وضراوة لمقاومتهم، وأن كل هذا القتل والتهجير الذي مارسوه في كل حروبهم الإجرامية والوحشية هنا وهناك وعلى مدى عقود زمنية ماضية بهدف إحداث التغييرات الجيوسياسية المطلوبة لإنجاح «صفقة القرن» قد فشلت فشلاً مدوياً وذريعاً، مولدة من رحم النزعات التآمرية والإجرامية للمطبعين والمطبع معهم ورعاتهم على حد سواء، قوى ورؤى تحررية ناشئة وجديدة يهان أمامها الموت ويتهاوى تحت نعالها الجبروت وتلين أمام إصرارها وبسالتها كل صعاب ومشقات الكفاح التحرري المحموم على إيقاع الردة؟!
ألم يدركوا بعد أن الصواريخ البالستية والمجنحة والمسيّرات المصنوعة من إلهام ودماء رئيسنا وشهيدنا صالح الصماد التي تدك اليوم ضواحي الكيان الصهيوني وتستهدف بوارج أسياده في مياهنا الإقليمية في نطاق البحر الأحمر بالقدر والقدرة ذاتها التي دكت بها حتى الأمس القريب العمقين السعودي والإماراتي إنما هي رسالة واضحة الدلالة مفادها أن طابور المقاومة والمقاومين البواسل لم يعد ينحصر فحسب في نطاق غزة وجنوب لبنان، بقدر ما بات يشمل حيزا ديمغرافيا واسعا يمتد من لبنان وفلسطين إلى العراق وسورية واليمن وإيران الشامخة، وبدرجة تجعل من كل المخططات القديمة والحديثة أيضا والرامية إلى تحقيق مشروع الولادة الشرق أوسطية المأمولة على إيقاع «صفقة القرن» آمالاً واهية ومتهاوية على وقع حمى للمقاومة الملتهب من غزة إلى جنوب لبنان المحمي بسواعد أسود حزب الله، إلى اليمن المنبعثة هي الأخرى من بين ركام الفوضى والتبعية المتوارثة على إيقاع زغرودة ثورة أيلول 2014 الظافرة؟!
ألم يدركوا بعد ومن خلال الدروس والحقائق المستقاة من وراء ذلك التخبط الأمريكي الهائل المنعكس وبجلاء في الأيام الفائتة من خلال قيام البنتاغون بشن ضربات هجومية جوية وصاروخية استباقية على أهداف ومنشآت عسكرية متعددة شرقي سورية، بالتوازي مع جهوده الرامية في الوقت ذاته لحشد وتشكيل المزيد من التحالفات العسكرية الهادفة إلى مواجهة «الحوثيين» في اليمن؟!
إن كل ذلك يعكس مدى الخوف والهلع الذي خلفته وحدة المحور المقاوم واشتداد عوده على مستقبل الاحتلال والهيمنة الوجودية للمحور - الصهيو - أمريكي - إمبريالي - رجعي في المنطقة. والشيء الأهم والذي يتعين على مهرجي السعودية والخليج وعلى طوابير التطبيع إجمالا في المنطقة إدراكه يكمن في أن معادلة المقاومة المتغيرة في المنطقة، والمتغيرات إلى الأفضل، بالطبع بغض النظر طبعاً عن حجم القرابين والتضحيات الجسيمة المقدمة تباعا في سبيل قضية الكرامة والحرية لا تجعلهم البتة بمنأى عن مخاطرها المتنامية بالنظر إلى تأثيراتها الحالية والمستقبلية والمحتملة جدا على صعيد أمن ومستقبل عروشهم المتهالكة والمنصوبة أصلا ضد إرادة وتطلعات شعوبهم وشعوب المنطقة العربية والإسلامية بعد أن باتوا كأنظمة حكم عميلة وخانعة مفضوحين ومتعرين أمامها ومجردين من كل بوادر الشرعية التي يزعمونها بدرجة غير قابلة للدحض والإنكار.

أترك تعليقاً

التعليقات