محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي يوم 8 أيلول/ سبتمبر الفائت، أشار المبعوث الأممي لبلادنا هانس غروندنبرغ إلى إخفاقه في تحقيق أي تقدم ملموس بشأن تمديد الهدنة المتعثرة أصلاً في بلادنا، والمنتهية عمليا يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، محملا الجزء الأكبر من إخفاقه ذاك لمن وصفهم بـ"مليشيا الحوثي" جراء تعنتها ورفضها الرضوخ لضغوطاته وتنصلها -كما أشار- من تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق الهدنة فيما يتعلق بفتح الطرق والمعابر إلى مدينة تعز المحاصرة وبقية المحافظات، بالإضافة إلى عدم مرونتها في التعاطي بإيجابية مع صيغة مقترحاته الداعية لتمديد الهدنة إلى ستة أشهر إضافية بدءاً من 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وتوسيع بنودها لتشمل مسائل أخرى طارئة تتعلق بصرف رواتب الموظفين المدنيين، واعتماد وجهات جديدة للرحلات الجوية من مطار صنعاء، مع السماح طبعا بتدفق كميات أكثر من الوقود إلى ميناء الحديدة المحاصرة وفق مقترحات.
هذا الموقف يتسق بطبيعة الحال مع رؤية المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينج وموقف وزارة خارجية بلاده (أمريكا) أيضاً، واللذين أبديا اهتماما طارئا وملحوظا في آخر تصريحاتهما وتغريداتهما الأسبوع الفائت 27 أيلول/ سبتمبر الماضي تحديداً، بأوضاع الموظفين والمعلمين والممرضين والممرضات في بلادنا، من خلال تأكيدات ليندركينج على ضرورة ربط مسار تمديد الهدنة المقترح باستئناف صرف رواتب موظفي الدولة البؤساء جداً من المنظورين الأممي والأمريكي لتخفيف معاناتهم، في بادرة تعكس اهتماما طارئا ووليدا بهذه المسألة، مع أنه كان الأحرى بهم، أي مبعوثي الرذيلة والنفاق السياسي، أن يلتفتوا خلال الأعوام السبعة والنصف الفائتة لحجم الخراب والدمار الذي خلفته طائرات وبوارج العدوان ليطال كل مناحي ومقومات حياة الشعب اليمني، مثلما كان ينبغي عليهم أيضاً الالتفات في هذا المنحى، ولو بشكل عابر، لرؤية الآلاف المؤلفة من رواتب موظفي مختلف هيئات الدولة بمحافظة تعز تحديداً وفي نطاقها المحتل، إن جاز التعبير، والمصادرة والموقوفة والمتفيدة بدون قيد أو شرط وبأشكال تعسفية ووسائل لصوصية ومافيوية بحتة من قبل سلطات المطاوعة (حزب الإصلاح الخونجي) المدعوم أساسا من قبل مجتمعهم الدولي والأممي، وبما يرقى إلى مستوى جرائم الحرب الماسة بالإنسانية.
وعموماً، يمكن القول إن مساعي التهدئة المحمومة للمجتمعين الأمريكي والأممي، سواء عبر مبعوثيهم المعتمدين، أو عبر قنواتهم الدبلوماسية المختلفة، والمصحوبة مؤخرا بتحذيراتهم الجادة من احتمالية عودة نشوب الحرب وبشكلها الأسوأ، له ما يبرره بالطبع، بالنظر إلى النتائج الكارثية التي مني بها خدمهم في التحالف العدواني ومرتزقتهم الكثر في الداخل الوطني خلال أغلب مراحل الحرب المستمرة لما يقرب من ثمانية أعوام، وبالشكل الذي باتت معه دعوات التهدئة، ومساعي تجديدها، تشكل جزءاً من الملاذ الاستراتيجي بالنسبة لعتاولة العدوان الذين باتوا يأملون من خلال تمديد جولات التهدئة المتلاحقة التقاط أنفاسهم من جهة، ومن جهة أخرى البحث من خلالها عن أي مخرج سياسي يجنبهم المزيد من الانزلاق والتورط الذي لم يعد محببا بالنسبة لهم في المستنقع الذي ولجوه دون تروٍّ في بلادنا.
وذلك رغم أن أغلب شروط الهدنة، أو الهدن السابقة، لم تتحقق على أرض الواقع العملي، انطلاقا ليس فحسب من حجم وكم الخروقات العسكرية اليومية المرتكبة من قبل مرتزقة العدوان وأسيادهم في التحالف في مختلف الجبهات وخطوط المواجهة المسلحة، وإنما حتى في سياقها المدني والإنساني كتلك المتصلة بتبادل الأسرى والمعتقلين الذين حرص جانب المرتزقة على حصرها فقط بأسرى أسيادهم السعوديين، بالإضافة إلى المسائل المتعلقة بصرف رواتب موظفي القطاع العام للدولة، وضمان سلامة تسيير الرحلات الجوية والبرية وإعادة فتح مطار صنعاء الحيوي أمام الملاحة الدولية، وكذا الفتح الشامل لميناء الحديدة أمام سفن المشتقات النفطية والمستلزمات الطبية والدوائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية لحياة شعبنا المظلوم والمحاصر، وإنهاء الحصار وتثبيت وقف إطلاق النار في عموم مناطق البلاد، كمقدمة موضوعية لتمهيد الطريق صوب إيجاد تسوية سياسية سلمية حقيقية وواعدة، إن وجدت، بالإضافة إلى فتح المعابر المغلقة بصورة متوازنة ومأمونة، والتي تعثر فتحها جراء رفض وتعنت حكومة المرتزقة التي أصرت قطعيا على عدم فتح الطرقات في عموم المحافظات اليمنية وحصر مطالبها في هذا السياق فقط بمدينة تعز، وهو ما يجعل من الحديث عن أي تمديد للهدنة الحالية أمرا عبثيا يفتقر للمنطق العقلاني، وأن مجرد القبول بها وبصيغها الحالية الباهتة من قبل النظام الثوري بصنعاء يعد قبولاً، كما أشار الرئيس مهدي المشاط أثناء لقائه بالمبعوث الأممي في صنعاء يوم 28 أيلول/ سبتمبر الفائت باستمرار الحرب والحصار على شعبنا اليمني العزيز وبوسائل أكثر شراسة وإلغائية، وخضوعا لمنطق القوة والإذلال القومي المرفوض.
خلاصة القول أن العائق الرئيسي أمام كل مساعي المبعوثين وجهودهم الدبلوماسية الرامية لتمديد الهدنة وإحلال السلام في بلادنا يكمن من وجهة نظري في افتقارها للبعد الأخلاقي وللمصداقية عموماً، إن جاز التعبير، فتباكي كلٍّ من المبعوثين الأممي والأمريكي، وحديثهما الدائم وغير المنطقي أصلاً في مداولاتهما الأخيرة في محافلهما عن مدينة تعز البائسة والمحاصرة من منظورهما من قبل "الحوثيين"، في مقابل صمتهما المعيب هما وكل من سبقوهما في هذا المجال عن حصار شامل وجائر ومهين بحق الإنسانية جمعاء يستهدف شعبنا وبلادنا منذ قرابة الثمانية أعوام براً وبحراً وجواً، وبصورة منافية لكل قوانين وأخلاقيات الحروب المتعارف عليها في العالم أجمع، وأن مدينة أو محافظة تعز إجمالاً هي في الأساس جزء لا يتجزأ من هذا النطاق الديموغرافي الوطني الكلي الذي يستهدفه حصار جلاوزة العدوان منذ بدء حربهم الهمجية ضد بلادنا، والذي يعد (أي الحصار) إحدى الأدوات الإخضاعية للعدوان والوسيلة الأسهل لتركيع شعبنا اليمني المقاوم؛ بما أسفر عنه من نتائج كارثية ومأساوية، ليس أقلها استفحال المجاعة وتفشي الأوبئة الفتاكة التي حصدت ولا تزال تحصد أرواح الآلاف وربما مئات الآلاف من الجوعى والمرضى والمكدودين والمتعبين والمعذبين وأمام أنظار المجتمع الدولي والإنساني ككل.
في النهاية، وسواء تمددت الهدنة أو تقوضت، فإن شعبنا وبلادنا بجيشها ومقاوميها ولجانها الشعبية على أتم الجهوزية والاستعداد لخوض المعركة الفاصلة في مجابهة العدوان دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة والشرف والوطن الأم، بالبسالة والشدة ذاتها التي ميزت مقاومتهم الجسورة للعدوان منذ بداياته الأولى، فدعونا، إذن، نحظَ بهذا المجد.

أترك تعليقاً

التعليقات