محمد القيرعي

محمد القيرعـي / لا ميديا -
في الثاني من آب/ أغسطس الجاري تم تمديد الهدنة بالشروط ذاتها لمدة شهرين قادمين، وبواسطة عُمانية بالطبع، وهذا ما أثلج صدر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي عبر في بيانه الأخير عن سعادته الغامرة بهذا المنجز الذي وصفه بـ"الأممي والمهم"، كونه يتضمن التزام أطراف الصراع بتكثيف المفاوضات للوصول إلى اتفاق هدنة موسَّع في أسرع وقت ممكن.
وفي الوقت ذاته، أعرب، أي غروندنبرغ، عن امتنانه للدعم المتضافر الذي يقدمه المجتمع الدولي؛ مخصصا بالذكر في هذا المنحى دعم المملكة السعودية السخي وسلطنة عُمَان، وأعضاء مجلس الأمن الدولي، للسلام في اليمن، في محاولة أممية مبتذلة بالتأكيد لإظهار السعودية وكأنها راعية حقيقية وموثوقة للسلام، وليست الدولة المعتدية الرئيسية والقائدة للعدوان الفاشي على بلادنا.
وبما أنه لا جدال هنا في أن الهدنة الممددة هي ما يريده ويأمله أصلاً المرتزقة وأسيادهم في التحالف، بغية الاستفادة قدر الإمكان من الهدوء الهش الذي يسود الجبهات لإعادة ترتيب أوضاعهم ومواقعهم ونقاط تموضعهم استعدادا لما هو آتٍ، بما فيها الاستفادة القصوى التي يحرص المرتزقة على استغلالها للعب، في الوقت المتاح خلال فترتي الهدنة المتلاحقة، على حبل التناقضات بغية إيقاع الفتنة وإثارة الفرقة والشقاق الذي باتوا يراهنون على إحداثه بين رفاق الصف الثوري الواحد، بهدف صَرف الانتباه أولاً وأخيراً عن حدة المتناقضات الداخلية الجمة التي تشهدها الجبهة الداخلية المختلة للمرتزقة بشكل مريع ونازف، وبالصورة التي يمكن استشرافها من خلال توالي الأخبار المفبركة والشائعات والتحليلات المطبوخة على عجل في دهاليز المرتزقة وأقبية استخبارات التحالف حول قيام "الحوثيين" خلال فترتي الهدنة بتصفية فلان، وقتل علان، واستهداف زعطان، واستبعاد معطان...
لعل آخرها تلك الأخبار المتداولة والمتعلقة بالتصفية المزعومة لكلٍّ من الأخ حسن المؤيد، والدكتور عبدالله يحيى زيد الحوثي، وزير العدل السابق، بالإضافة إلى ما وصفوه بالغموض الذي يكتنف وفاة الشيخ المناضل/ عبد الرحمن محمد علي عثمان، رئيس مجلس الشورى السابق (رحمة الرب تغشاه)، وصولاً في نهاية المطاف إلى الزعم بفرار الشيخ المناضل/ سلطان أحمد عبد الرب السامعي من عاصمة الثورة والصمود (صنعاء) إلى عدن الأسيرة في محراب العمالة والتآمر والارتزاق.
والأمر لا يقف هنا عند حدود الإعلام الرسمي للتحالف ومرتزقته، بل يتعداه إلى حد استنساخ حسابات تواصل اجتماعي وهمية (محسوبة زوراً على أنصار الله) فيما هي تابعة في الواقع لجهاز استخبارات بني سعود، على غرار حساب الفيس المدسوس لمدعي الثورة، سلطان جحاف، الذي توسع مؤخرا في العزف على حبل التوظيف الطائفي للأحداث، والذي استعرض فيه بتعمق الخلافات المزعومة للشيخ سلطان السامعي مع رفاقه في قيادة الصف الأول للثورة بصنعاء، والذي تمخض عنه "فرار الشيخ سلطان إلى عدن" بعد أن أعيته الحيلة حسب تشخيص هذا الجحاف الذي يدل اسمه على هويته المنحدرة من محافظة الضالع التي تنوء اليوم تحت وطأة طوابير العمالة والارتزاق من دعاة الانفصال ومبشريه.
ومسائل كتلك، وبقدر ما هي مثيرة حقا للازدراء والسخرية، فإنها تعطينا تصورا واضحا حول مدى الفكرة المشوشة التي تعتري ذهنية هؤلاء الغوغاء (مرتزقة وجلاوزة التحالف) من حيث عجزهم المنهجي عن فهم واستيعاب الفكرة والأهداف الجامعة لمعشر هؤلاء الثوار الصامدين في صنعاء وفي مناطق السيادة عموماً - صغارهم وكبارهم، شيوخهم ومثقفيهم، والذين لا يجمعهم البعد الطائفي ولا المذهبي ولا المصالح الشخصية الزائلة كما هو حال المرتزقة ومن والاهم، بقدر ما يجمعهم حمى وقداسة القضية الوطنية التي يقاتلون على الكفاف في سبيلها، والذين لا يقدمون لنا من خلالها وعبر صمودهم وتلاحمهم وإرثهم الوطني صورة ملحمية عن أبجدية النضال المقدس الذي يخوضونه باستبسال الفاتحين الحقيقيين في مقارعة الظلم والتبعية والعدوان فحسب، بل ويخلدون في الوقت ذاته سيرهم الذاتية والشخصية، التي تصبح مع المدى جزءاً مهماً من سيرتنا الوطنية الشاملة، حتى بالنسبة لأولئك الذين غادرونا أمثال الرئيس الشهيد صالح علي الصماد والشهيد طه حسن إسماعيل المداني وقبلهما الشهيد القائد المؤسس حسين بدر الدين الحوثي، والذين باتوا جميعهم جزءا من ذاكرتنا الوطنية الجامعة.
والشيخ سلطان السامعي ليس بمعزل عن هذا الواقعية الملحمية الوطنية المجيدة، وليس بمعزل عن القوى والطبقات الشعبية المختلفة التي ساندت وانتصرت -ولا تزال- لثورة أيلول 2014 على امتداد المشهد الوطني؛ إذ إن الإمعان بتاريخه الوطني المشرف يعطينا تصورا واضحا حول مدى التأثير والإلهام الذي منحه هذا الرجل على الدوام للمعتقدات الثورية الوطنية منذ بدأ نجمه الثوري والسياسي في السطوع قبل ثلاثة عقود بالتمام والكمال، وفي واحدة من أحلك وأعقد مراحل الكفاح الوطني: مرحلة الصراع السياسي والأيديولوجي الذي احتدم بين شريكي الوحدة إبان الفترة الانتقالية التي أعقبت الوحدة اليمنية خلال الفترة السابقة على الحرب الأهلية (1990 ـ 1994)، وذلك حينما بادر مع ثلة من رفاقه بعقد المؤتمر الجماهيري بتعز، والموجه أساساً آنذاك للتصدي للنزعات الدكتاتورية للرئيس الراحل صالح، بصورة كانت مبررة لتصفيته جسديا من وجهة نظر صالح ونظامه آنذاك في محاولة كانت مشهودة، مروراً بعد ذلك، وإلى جانب كفاحه البرلماني المستعر، إلى محاولاته الدؤوبة والرامية لإصلاح مسار الثورة الشبابية، عبر إسهامه الفاعل آنذاك في تأسيس جبهة إنقاذ الثورة، على ضوء إدراكه المبكر لأسباب فشلها وإخفاقها الناجم عن تفيدها من قبل الإخوان وجنرالات الرذيلة أمثال علي محسن الأحمر، وصولاً في نهاية المطاف إلى ارتباطه الوثيق بثورة الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014، وصموده الملحمي في سياقها دفاعا عن الثوابت والمقدسات الوطنية المعرضة لمخاطر التفيد والإلغاء والمصادرة، الأمر الذي يجعله منيعا على الدوام أمام كل إغراءات العمالة، ومجسدا في الوقت عينه المعنى البليغ الذي صاغته الرفيقة الثورية، القائدة روزا لوكسمبورغ، في ردها على انتقادات بعض مناوئيها بأن "المرء لا يصبح ثورياً ووطنياً وإنسانياً بالمعنى الحرفي إلا بعد أن يغدو موضوعاً لحديث الناس، ومصدرا لإلهامهم وتطلعاتهم".

أترك تعليقاً

التعليقات