محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
رحلات مكوكية لا تتوقف للمبعوثين الأممي هانس غراندبيرج والأمريكي تيموثي ليندركينج لبلادنا في محاولة يائسة ربما ومتأخرة أيضا من قبل المجتمع الدولى لوقف انهيار عملائهم فيما يسمى "حكومة الشرعية"، ولمنع "سقوط" مأرب أولاً، وللحفاظ، ثانياً، على ما تبقى من تعز للحيلولة دون وقوعها بأيدي الجيش واللجان الشعبية وعودتها للحاضنة الوطنية.
ففي حين كثف الموفد الأمريكي تيموثي ليندركينج حمية لقاءاته يوم الاثنين الفائت (8 نوفمبر) مع مختلف عملاء العدوان ومرتزقته بدءا بمعين عبدالملك وانتهاء بمحافظ عدن المحتلة، كان الموفد الأممي (هانس غراندبيرج) يعقد من جهته هو الآخر المستوى نفسه من اللقاءات والاجتماعات مع عملاء العدوان بمحافظة تعز، حيث التقى بالجميع هناك صبيحة يوم الاثنين الفائت، بدءا بالمسؤول الأول لنظام هادي العميل، المحافظ نبيل شمسان، ومرورا بأعضاء السلطة المحلية وبرلمانيي المحافظة الدائرين في فلك العدوان... إلخ، وذلك قبل أن يتوجه إلى الساحل الغربي للالتقاء -كما قيل- بعميل الإمارات الأفندم طارق عفاش.
اللافت في تلك الزيارات المتزامنة للمبعوثين الأممي والأمريكي لكل من عدن تعز، وتلويحهما في الوقت ذاته بعقوبات أممية وشيكة ضد حركة أنصار الله في حال عدم إذعانها للسلام المفصل على مقاساتهم، أنها تأتي في ظل جملة من الظروف والمتغيرات الجارية في المشهد الوطني، ليس أقلها تسارع انهيار حكومة هادي "المعترف بها دوليا" على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، وخصوصا مع قرب "السقوط" الوشيك لمعقلها الرئيس في النطاق الديمغرافي لشمال البلاد (محافظة مأرب).
هذا يعكس بطبيعة الحال، ومن خلال تلك الحمية الدبلوماسية، حدة مخاوف تحالف العدوان ومرتزقته في الداخل، بل ويقينهم أيضا بحتمية "سقوط" مأرب في القريب العاجل، وربما قبل أعياد الميلاد، في أيدي مقاتلي الجيش واللجان الشعبية، الأمر الذي يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مغزى هذه الزيارات وتزامنها مع طبيعة تلك المتغيرات.
وبرأيي فإن زيارة المبعوث الأممي السيد هانس غراندبيرج لتعز يوم الاثنين الفائت، والتي وإن كانت تحمل في ظاهرها مزاعم تفعيل اتفاق 2018 بين الحكومة الثورية (أنصار الله) وبين سلطة المرتزقة، والمتمثل بضرورة فتح معابر المدينة وتسهيل حركة عبور وتنقل المواطنين، إلا أن دوافعها المبطنة قد لا تكون خافية بدرجة يصعب التنبؤ بها، وذلك بالنظر لتزامن هذه الزيارة بالدرجة الأساس، والتي تعد الأولى من نوعها منذ بدء العدوان على بلادنا، مع بعض المتغيرات الجارية في تعز المحتلة، وبالأحرى حدثين أساسيين، إذا ما تجاهلنا الحدث الأهم والمتمثل بقرب "سقوط" مأرب بيد حكومة صنعاء، حيث تمثل الحدث الأول في حالة التقارب الحاصلة بين فصائل ومكونات المرتزقة، الخونج من جهة وجماعة طارق عفاش التي تضم في جنباتها أيضاً جماعة أبي العباس من جهة أخرى، فيما تمثل الحدث الثاني والأهم من وجهة نظري في حجم التعزيزات العسكرية الهائلة التي دفع بها المرتزقة خلال اليومين السابقين على وصول مبعوث غوتيريش ومن مناطق شتى صوب مدينة تعز، التي تشهد بعض خطوط المواجهة في جبهاتها المتعددة احتداما ملحوظا في سير المعارك الجارية، على غرار جبهة الصلو مثلا.
الأمر لا يعكس فقط مخاوف التحالف ومرتزقته من أن تصبح محافظة تعز المرشحة المثالية لـ"السقوط" هي الأخرى بعد مأرب بيد الجيش واللجان، ما يسلتزم الاستماتة من قبلهم في الدفاع عنها وتجنيبها مغبة "السقوط" والعودة للحاضنة الوطنية، بقدر ما يعطينا تصورا واضحا. ومن خلال قراءتنا المتأنية لمسار الحدثين آنفي الذكر والمتمثلين في الوفاق الحاصل حاليا بين فصائل ومليشيا المرتزقة، وعسكرة تعز الهائلة من خلال التجييش والتعبئة الحاصلة، فإن السيناريو الأقرب للمنطق يكمن ولا شك في سعي التحالف ومرتزقته في الداخل لإعداد تعز وتحويلها إلى معقل رئيسي لنظام هادي في الشمال، عوضا عن محافظة مأرب في حال "سقوطها" بأيدي الجيش واللجان، وهو المسعى الذي يتوافق أيضاً، وبصورة ما، مع رغبة المنظمة الدولية وإمبراطورية اليانكي (أمريكا) الراغبة من جهتها في الإبقاء على ورقتي عدن والجنوب وتعز عموما كأحد سبل الضغط والمساومة المستقبلية ضد "الحوثيين"، لفرض رؤيتها غير المنصفة كالمعتاد لأية تسوية سلمية محتملة في المستقبل.
وهذه هي الاستراتيجية التي بدأ تطبيقها بصورة عملية، وعلى مسارين متوازيين: الأول تمثل في المسارعة بتحصين تعز عسكريا من خلال التجييش الحاصل لتقليل احتمالية "سقوطها" بأيدي الجيش واللجان، والثاني عبر المبادرة بردم هوة الشقاق والانقسام بين فرقاء المرتزقة، القابعين منهم في المدينة، أي الخونج، والمتمركزين في الساحل الغربي، أو جماعتي طارق وأبي العباس، بالصورة التي شهدناها خلال الأسبوعين الفائتين.
يبقى الأمر الأكثر أهمية والذي تعمد واضعو هذه الاستراتيجية إغفاله، وربما تجاهله تماماً، يكمن في أن أسباب وعوامل فشل استراتيجيتهم تلك أكثر بكثير من مقومات نجاحها.
فإلى جانب افتقار أطرافها كلياً وبدرجة أساسية الخونج لكل أشكال الدعم والإسناد الاجتماعي المفترض توافره بقوة في مثل هذه الحالات، بالنظر إلى الطرق اللصوصية والمافيوية والإجرامية التي ميزت حكم هذه الجموع الدموية والملتحية لمختلف القوى الاجتماعية في المناطق والمديريات الخاضعة منذ بداية الحرب لهيمنتهم المشاعية، وهو الوضع ذاته الذي ينطبق أيضاً وبصورة مؤكدة على مليشيا الأفندم طارق عفاش الذي وصفه صديقي ورفيق كفاحي القاضي أحمد المساوى تعليقا على زيارة المبعوث الأممي له، بالقول: "من لم يفلح بمنفعة أمه وأبوه وجدته، فكيف يا ترى سيكون نافعا لخالته؟!".
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك حجم ونوعية الحوافز الهائلة التي قدمها مرتزقة العدوان على اختلاف تسمياتهم وتكويناتهم للمبعوث الأممي خلال رحلته البرية عبر الخط الرابط بين عدن وتعز مرورا بطور الباحة، لعل أبرزها اعتراض موكبه واحتجازه بالقوة ولساعات عدة من قبل مجاميع مسلحة تابعة لما يسمى "اللواء الرابع مشاة جبلي" والمسنودين بجموع "مبندقة" أيضاً تنتمي لما يطلق عليه "الحشد الشعبي" في منطقة طور الباحة بمحافظة لحج، والمعروفة أيضاً بكثرة أعمال القتل وقطع طرق المسافرين ونهبهم باسم المقاومة الوطنية... قاتلهم الرب!
فيما تمثلت بقية الحوافز المقدمة للسيد هانس غراندبيرج من قبل شلة الخونج المهيمنة في مناطق ومديريات تعز مرأى عشرات الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية والأغذية وهي تقبع محتجزة على جانبي الطرقات كدليل عملي على فساد وعبثية أصحاب اللحى، الأمر الذي ترك انطباعا واضحا لدى المبعوث الأممي بعدم فاعلية وأهلية تلك القوى للقيام بأي مهام مؤسسية على الصعيد الوطني، عدا القتل والفوضى والفساد التي أبدعوها، وهو ما ظهر جليا من خلال تصريحاته المقتضبة التي أدلى بها عقب زيارته للمدينة، التي استغرقت ساعتين فقط، ربما للأسباب ذاتها، والتي على أساسها تبقى الصورة واضحة في ذهنه كمبعوث أممي حول مدى ثقة المجتمع الدولي وتفاؤله بأهلية قوى كتلك لقيادة مشروع الدولة التي أفرطوا في التبشير بمدنيتها المقترحة والمحتملة أيضاً.


* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.


أترك تعليقاً

التعليقات