العربية .. طباخة الحقيقة بأيد قذرة
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قالت جماعة الباسك قديما بما معناه “إنه متى ما بدأ الثعلب في الوعظ.. فقدت دجاجتك”، وهذا صحيح قطعا.. وإن كان ينطبق من وجهة نظري وبشكل مؤكد على قناة “العربية” السعودية الإخبارية.. وعلى هيئتها التحريرية.. بوصفها الوسيلة الإعلامية الأكثر بعدا وقطيعة مع الحقيقة.. إلى حد تفردها بالامتياز من بين جميع مثيلاتها من القنوات الإخبارية العربية باكتساب الصفة الفضفاضة والفاقدة في الوقت ذاته لأبسط شروط الدقة والمصداقية والموضوعية المهنية والأخلاقية.. كما يتبين دون مواربة من خلال أغلب موادها وبرامجها المسمومة والموجهة أساساً لخدمة الأجندة الانبطاحية والإجرامية لبني سعود ونظامهم الملكي الموبوء بكل أشكال الرذيلة، بما فيها برنامجهم الوثائقي الأخير والمعنون بـ”المعركة الأخيرة” للرئيس صالح.. والذي وإن كان قد اتسم -أي وثائقي العربية- من وجهة نظري بنوع من الموضوعية غير المعتادة أصلا في خطاب العربية الترويجي، نظرا لتوافقه من ناحية أولى مع رواية “الحوثيين” المسرودة في حينه لمسار الأحداث المؤسفة ذاتها، وخصوصا في الشق المتعلق بظروف مقتل الرئيس صالح أثناء محاولته الفرار إلى قريته في سنحان.. والتي أعلنها الحوثيون في حينه وبشكل موثق بالصور الحية المنقولة آنذاك والمتعارضة بشكل حاد مع مضمون الرواية المعممة من قبل أتباع وموالي صالح المشحونة بمزاعمهم حول “استشهاد الزعيم في منزله وهو يقاتل الحوثيين حتى اللحظة الأخيرة”.
وعموما، وبما أننا لسنا هنا بصدد تقييم مدى مصداقية وموضوعية قناة “العربية” بغض النظر عن مدى الجدل السياسي والنظري المفتوح الذي أثاره برنامجها الوثائقي آنف الذكر على الساحة الوطنية.. الأمر الذي يطرح أمامنا جملة من الأسئلة الحائرة والملحة حول المغزى والهدف الرئيس من وراء بثه وفي هذا التوقيت بالذات الذي يشهد حالة من الانهيار والتعثر غير المسبوق في بنيان نظام العمالة الارتزاقي (رئاسي رشاد العليمي) بكامل منظومتة السياسية والمليشياوية والمؤسسية والأخلاقية إجمالا.. إلى حد بات فيه من المؤكد أن العديد من أقطاب نظام الفنادق الانبطاحي، باتوا في حكم انتهاء الصلاحية الفعلية في نظر أسيادهم من جلاوزة العدوان في كل من الرياض وأبوظبي، بدءاً بالعليمي ذاته ومرورا بطارق عفاش والزبيدي وبعض أركان المطاوعة الذين أفلسوا أخلاقيا وسياسيا في الداخل والخارج، الأمر الذي يوحي بوضوح وبما لا يدع مجالا للشك في أن إقدام قناة “العربية” وساسة الرياض في بث الوثائقي “بتاعها” عن “معركة صالح الأخيرة”، وفي هذا الظرف والتوقيت بالذات، إنما هو انعكاس في الواقع لمدى حالة الانقسام الحاد والعميق المستفحل في رؤى وسياسات طرفي العدوان الإقليميين الرئيسيين ضد بلادنا (ابن سلمان وعيال زايد) حول إعادة تشكيل خارطة عملائهم الكثر في الداخل الوطني في سياق مساعيهم الإخضاعية لإعادة بعث ولو أدنى قدر من الروح والحياة الذابلة في بدن ما تسمى بـ”الشرعية”.
ما يعني بالبلدي الفصيح أن مسعى قناة “العربية” وابن سلمان يكمن بالدرجة الأساس في سعيهم المنهجي لتقزيم بعبع حليفتها الإمارات (طارق عفاش) تحديدا، وإحراق أوراقه السياسية أمام القواعد المؤتمرية، من خلال إظهاره بصورة الخائن لتطلعات عمه وولي نعمته صالح عفاش، عبر الإيحاء من خلال الوثائقي بأنه تركه وحيدا لمواجهة مصيره، فيما يسعى حاليا وعبر بيع شرفه وعمالته لعيال زايد إلى وراثة اسم و”شعبية صالح الجماهيرية” أو ما تبقى منها كجزء من محاولاته الرامية أيضا في هذا المسعى إلى الاستفادة قدر الإمكان من الثقل التنظيمي للراحل صالح في قوام حزبه المؤتمر الشعبي العام، وبالاستناد إلى دولارات عيال زايد لتعويم بقايا هذا التنظيم وخصوصا في المناطق المحتلة تحت جناح مكتبه السياسي العميل.
الأمر الذي سيسهم من وجهة نظر الرياض ليس فحسب في خلق دوامة عميقة ومؤثرة من الشكوك والانقسامات المأمولة، ليس على الصعيد الجماهيري والوطني فحسب، بقدر ما سيؤدي أيضا إلى توسيع نطاق الانقسام الحركي والتنظيمي العميق داخل مكونات حزب المؤتمر في ظل اشتداد حمى الاستقطابات المتضادة في نطاق القيادات والقواعد المؤتمرية ذاتها وبصورة ستطال، وهذا مؤكد، هياكله العشائرية والأسرية والسلالية والقيادية العليا.
الأمر الذي من شأنه الإسهام في وضع المزيد من العراقيل اللوجستية المعدة بعناية أمام أي مشروع أو مبادرة إماراتية محتملة لتنصيب بعبعهم طارق عفاش خلفا للعليمي المتهاوي هو الآخر وعلى غرار سلفه هادي في مزبلة التاريخ.
ومع تنوع خيارات الخلافة للعليمي ومجلسه الرئاسي سيئ الصيت، ومع احتدام الرؤى والتصورات المعروضة من قبل طرفي العدوان في أبوظبي والرياض لحسم مسألة التمثيل النخبوي والسلطوي لعملائهم في الداخل الوطني تحت مسمى مسار الشرعية المغتصبة، فما علينا سوى الترقب والاستعداد بمزيد من أكياس الجثث المتخمة والممتلئة هذه المرة بهياكل وجثامين ضحايا الجوع والتجويع الممنهج والمفروض على أغلبية الشعب المنهك باسم “الشرعية” ذاتها وعبر أدواتها الفاقدة بكل تأكيد لأدنى مقومات الشرف و”الشرعية” التي يزعمونها.

أترك تعليقاً

التعليقات