محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في شبوة اليوم بات لإخوان الرذيلة (جماعة حزب الإصلاح) لقب آخر إلى جانب كونهم مرتزقة حتى النخاع، فقد تحولوا إلى متمردين في نظر وأدبيات زملائهم المرتزقة وأسيادهم في التحالف ومتعاونين أيضاً مع من يصفونهم بـ”مليشيا الحوثي”.. هكذا دفعة واحدة، وفي بادرة تعكس إلى جانب احتدام حدة الصراع هناك بين مليشيا الإخوان ومليشيا “الانتقالي” وما تسمى “قوات دفاع شبوة”، عمق المأزق السياسي والوطني والأخلاقي الذي فرضته معادلة الحرب والاحتلال والتدخل الصهيو-سعودي -أمريكي -إماراتي في بلادنا.
وفيما احتدمت المواجهات بين طرفي العمالة (الإصلاح والانتقالي) في الأيام الفائتة، ومع قيام المقاتلات والمسيرات الإماراتية فجر يوم الأربعاء الفائت بشن غارات جوية عدة على مواقع للقوات الموالية للإخوان في مدينة عتق بصورة أسهمت في ترجيح كفة المواجهة لصالح عملائها من مرتزقة “الانتقالي”، فإن حدة الصراع المنبثقة عن مواجهات شبوة بدت شاهدة أيضاً، ومن خلال تعقيداتها على مدى الفوضى والانقسام والتشرذم الذي يعتري سياسات ومواقف مجمل المؤسسات السياسية والتنفيذية والعسكرية التابعة والمحسوبة على نظام المرتزقة، وعلى رأسهم مجلس رشاد العليمي.. بالنظر إلى فحوى ونوعية القرارات المتخذة من قبله خلال الأسبوع الفائت بغية احتواء صراع شبوة، والتي وصفت في مجملها ليس فحسب بكونها تشكل تحيزا واضحا لصالح مليشيا “الانتقالي” على حساب الخونج.. وخصوصاً تلك الأخيرة الصادرة عن المجلس والمتعلقة بإقالة كل من قائد اللواء 30 العميد عزير ناصر العتيقي، ومدير عام شرطة محافظة شبوة العميد عوض مسعود الدحبول، وقائد فرع قوات الأمن الخاصة العميد عبد ربه محمد لعكب، وقائد اللواء الثاني دفاع شبوة العقيد وجدي باعوم الخليفي.. وجلهم محسوبون على الإصلاح، بقدر ما عكست في الوقت عينه حقيقة أن “المجلس الرئاسي” برمته لا يعدو كونه مجرد أداة بيد الإمارات لاستكمال تنفيذ ما تبقى من أجنداتها التفكيكية على حساب الوحدة والسيادة الوطنية.
ففي حين يصر انتقالي عيدروس الزبيدي وحليفه طارق عفاش على ضرورة طرد الإصلاح خارج محافظة شبوة وتمكين عمالقة الإمارات “ألوية العمالقة الجنوبية” وما تسمى “قوات دفاع شبوة” من السيطرة على كامل النطاق الديمغرافي للمحافظة، وبما يعكس بجلاء إصرار هؤلاء على المضي قدماً في تعزيز مشروعهم التفكيكي لأوصال البلاد تماشيا مع جملة من الخطوات والإجراءات المتخذة خلال الأيام الفائتة في هذا الصدد وفي نطاق الحزام الجنوبي تحديداً، لعل أبرزها تعيين الانفصالي المتطرف، المدعو رأفت الثقلي، محافظا لأرخبيل سقطرى خلفا للمحافظ السابق رمزي محروس الذي تربطني به علاقات شخصية والمعروف أصلاً بمناوأته للنفوذ الإماراتي الاستعماري في الأرخبيل، فإن حرص، أو لنقل تمسك النخبة المؤتمرية في مجلس رشاد العليمي باستثناء الفتى طارق بضرورة الإبقاء على الحضور والنفوذ الحركي والعسكري الإخوانجي في المحافظة، يعكس بوضوح تعدد الولاءات الإقليمية والدولية التي تحكم وظائف أعضاء “المجلس الرئاسي” المحنط.
الآن، وبما أن سير المعارك في اليومين الأخيرين قد أفضى على ما يبدو إلى تقليص هيمنة الإصلاح عسكريا في النطاق الديمغرافي للمحافظة لصالح مرتزقة الإمارات ودعاة المشروع التفكيكي (الانتقالي وحلفائه من قوات دفاع شبوة) عقب سيطرة هذه الأخيرة على “معسكر الشهداء” الذي كان يشكل عماد الوجود المليشياوي للإخوان في شبوة، بالإضافة إلى معسكر تلة الكدس ومواقع الإخوان في الكهرباء ومحيطها، إلا أن الإمعان في فحوى الخطاب السياسي الهستيري والمتشنج للإخوانج والذي أعقب نكستهم العسكرية في شبوة يشي بوضوح بأن المعركة قد لا تكون انتهت عمليا مع انتهاء الحسم العسكري، وأنها قابلة ومرشحة للتوسع، وإن بأشكال وأدوات أخرى يجيدها المطاوعة عادة، وذلك إما عبر تنشيط عمل جيوبهم الخلفية وخلاياهم النائمة لشن حرب استنزاف طويلة المدى في مختلف مناطق المحافظة أو من خلال الاستخدام الأمثل لأدوات الضغط السياسي التي يمتلكونها عبر السعي لتفكيك وشرذمة مؤسسات النظام السياسي العميل (حكومة ومجلس رئاسة المرتزقة) أو عبر المبادرة بنقل المواجهة (المعركة العسكرية) إلى مناطق ومحافظات أخرى مثل أبين وحضرموت، حيث نفوذهم الحركي والمليشياوي لايزال قائماً، وهذا ما توحي به ليس فحسب حملات القمع والاعتقالات والاختطافات والمداهمات الأمنية الواسعة المنفذة بحق مواطني المحافظة من قبل المنتصرين (مليشيا الانتقالي ودفاع شبوة)، وخصوصاً ضد أبناء المحافظات الشمالية في مدينة عتق ممن يشتبه بولائهم للإخوان وبتوجيهات مباشرة من محافظها المرتزق الإماراتي عوض بن الوزير، وإنما بالنظر أيضاً إلى تحركات مليشيا “الانتقالي” الوقائية الأخيرة التي أعقبت الحسم العسكري في شبوة، والتي دفعت بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظة أبين، تحسباً لأي مواجهة محتملة وقد تكون وشيكة بالتأكيد مع القوات الموالية للإصلاح، وخصوصاً في نطاق مديرية شقرة.
وهذا ما يعكس حقيقة أن التصعيد بالنسبة للخونج هو أمر غاية في الأهمية، كونه مدفوعا في المقام الأول برغبتهم العارمة بتعزيز حضورهم السياسي والحركي والمليشياوي في محافظات الحزام الجنوبي عموماً، وليس في نطاق شبوة فحسب، في محاولة يائسة من قبلهم لقطع الطريق أو للحيلولة دون تقطيع أوصالهم وإلغاء وجودهم بصفة كلية ونهائية في الجنوب، وهذا أمر حيوي ومهم من وجهة نظري، أي صمود المطاوعة، لأنه وعلى الرغم من دناءة الإخوان ووضاعتهم إلا أن استمرار وجوهم هناك يعوق، ولو بشكل آني ومؤقت، الخطوات الرامية والحثيثة لتسريع المشروع الانفصالي التفكيكي وجعله واقعا مع المدى القريب.
عموماً، وعلى الرغم من تعقيدات الوضع السياسي والعسكري والمعضلة اليمنية بصفة عامة إلا أن هذا لم يمنع المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ من إبداء تفاؤله في أن مواجهات شبوة الأخيرة وسخونة الأوضاع بين مرتزقتهم الفرقاء يعد مؤشرا واقعيا على قرب انفراج الحل الشامل في اليمن، وبأن الصراع على حد زعمه بات في منتصف الطريق نحو الحل الكامل، مؤكداً ترحيب بلاده بالتعاون مع روسيا والصين في هذا السياق.
فعلى من يضحك هؤلاء يا ترى؟! وهل الحل الشامل من منظور ليندركينغ يكمن بتفكيك وتشظي البلاد إلى دويلات ومشيخيات متعددة وإلى مراكز نفوذ سياسي وعسكري واستخباراتي لحلفاء بلاده المدللين على شاكلة “أورشليم” وأبوظبي والرياض؟!
إن ما بذروه في البلاد من فوضى وتشرذم يؤسس دون شك لموجة احتراب مستقبلية عاتية، حتى وإن رفع الأمريكان وزنادقتهم من جلاوزة التحالف يدهم عن بلادنا، فإن هذا لا يعني جلب السلام، كما لا يعني أن الطريق باتت معبدة للسلام، كون مسائل مهمة مثل تحصين البلاد وإعادة تعريف مفهومي الوحدة والهوية الوطنية، ستتطلب بالتأكيد معركة شاقة وحاسمة لقطع دابر التآمر والعمالة والارتزاق والطموحات التفكيكية إلى الأبد.

أترك تعليقاً

التعليقات