محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
صبيحة يوم الخميس الفائت شيع أهالي منطقة بني محمد/ الشمايتين، وبحضور رمزهم الاجتماعي الأول، رجل الخير الشيخ عبدالله المحمدي، شيعوا شهيدهم المغدور عبدالصمد المحمدي، الذي قضى أوائل الأسبوع الفائت تحت التعذيب الوحشي في أقبية الأمن والمخابرات السعودية بزعم الاشتباه بتعاطفه مع «الحوثيين».
الشهيد عبدالصمد المحمدي، الذي يعمل في السعودية منذ زمن طويل ويملك مطعما بمدينة جيزان التي يقيم فيها مع عائلته، كان قد فوجئ بعناصر مدججة من الشرطة والمخابرات السعودية يداهمون منزله ويعتدون عليه بالضرب المبرح وبأعقاب البنادق أمام أطفاله، قبل أن يقتادوه مكبلا بالأغلال، بعد أن صادروا أمواله وأغلقوا مطعمه أيضاً. وعقب ساعات فقط من اعتقاله أُعلنوا وفاته أثناء استجوابه من قبل معتقليه الذين قاموا بعد ذلك بنقل جثمانه إلى المستشفى مغطى بالندوب والكدمات والحروق الناجمة عن ضراوة التعذيب. ثم وعقب الجريمة مباشرة سارعت السلطات السعودية للتكتم على المسألة برمتها من خلال محاولة التوصل لتسوية ما وغير منصفة بالتأكيد مع أسرة الضحية، تحاشيا ربما لمحاولة توظيفها على الصعيد الحقوقي والدعائي الدولي على غرار قضية جمال خاشقجي، وهو ما لا يرغب النظام السعودي في حدوثه خلال المرحلة الراهنة على الأقل.
جريمة قتل المحمدي، وإن كانت تشكل من جهة أولى بالنظر إلى صبغتها الرسمية، ترجمة حرفية ربما لشعار «يمن سيد وسعيد وحر ومستقل» الذي أفرط ويفرط الملتحون والمرتزقة من تجار الرذيلة السياسية في التبشير به لشرعنة العدوان السعودي على بلادنا، بغض النظر طبعا عن مدى البربرية التي تحكم السلوك السعودي تجاهنا كيمنيين، ومدى امتهان أجهزته الاستخباراتية والأمنية الفاضح لآدميتنا وإنسانيتنا المستلبة على وجه العموم، إلا أنها ومن الناحية الأخرى تبرز مدى الهوس الذي بلغه نظام ابن سلمان في سعيه لمكافحة «الظاهرة الحوثية» التي باتت تشكل بالنسبة إليه أشبه ما تكون بحالة نفسية ضاغطة ومزمنة ومستعصية، إن جاز التعبير.
هذا الأمر يتضح بجلاء في الوقت الراهن من خلال الإمعان في حدة الأزمة السياسية والدبلوماسية المفتعلة مع لبنان من قبل مهرجي الخليج، وعلى رأسهم السعودية، على خلفية التصريح المنسوب لوزير الإعلام اللبناني والإعلامي البارز جورج قرداحي حول الحرب العدوانية على بلادنا والتي وصفها بـ»الحرب العبثية» وبأن «الحوثيين» مدافعون عن بلدهم، وذلك في لقاء صحفي أجري معه قبل تبوئه رسميا منصبه الوزاري مع برنامج «برلمان شعب» في موقع «الجزيرة» الرقمي.
بضع كلمات لا تأثير فعلي لها على مجرى الأحداث السياسية، نطق بها قرداحي، واعتبرتها المملكة ومحظياتها من مشيخيات الخليج مسيئة وتستهدف الإضرار بالمملكة وبأمنها، مما حدا بأطراف هذه المنظومة المشيخية إلى افتعال أزمة دبلوماسية حادة وواسعة النطاق مع الشقيق لبنان، بلغت حد طرد سفرائه من أربع دول خليجية على الأقل حتى الآن. 
وفي خطوة الهدف من ورائها، ليس فحسب تجريد جورج قرداحي من حقيبته الوزارية وإقصاءه كليا من المشهد السياسي والحكومي اللبناني، بقدر ما تهدف في الوقت ذاته إلى ضرب الاستقرار الأمني والسياسي اللبناني، وإدخال هذا البلد المنهك اقتصاديا ومعيشيا في دوامة جديدة من الفوضى والتعثر وعدم الاستقرار... إلخ.
وهنا يكمن السؤال الملح والمتمحور بالدرجة الأساس حول الأسباب التي دائما تدفع بالنظام السعودي إلى الإيغال في التنمر على الحلقات الأضعف فقط من دائرة منتقديه الكثر، وخصوصا في محيطه القومي والعربي، وإلى حد قيامه بإيذاء وإذلال واستهداف الشعب اللبناني بأسره بجريرة عبارة باهتة صدرت عن أحد مواطنيهم، فيما لا يجرؤ في حالات وأماكن أخرى عديدة حتى على مجرد ذكر أسماء منتقديه الكثر، خصوصاً إذا ما قورنت تصريحات الوزير قرداحي أو تعريفه اللفظي لمضمون العدوان القائم ضد بلادنا، والتي لا تملك في الواقع أي تأثير فعلي على المسار السياسي، بحجم التأثير الفعلي الذي تنتجه عادة العديد من المواقف والانتقادات الدولية في هذا السياق والصادرة عن كتاب وساسة ومشرعين من العيار الثقيل سبق وأدانوا وانتقدوا، بل وحتى سخروا في حالات عدة من نظام بني سعود الهزلي، أمثال الكاتبة الأمريكية والباحثة في معهد كوينسي للسياسات «أنيل شيلاين» التي أدانت في مقال لها قبل شهرين بمجلة «فورين بوليسي» واسعة الانتشار، العنجهية السعودية في حربها الفاشية على اليمن، متهمة نظام ابن سلمان بالإيغال في ترويع شعب فقير وبائس، واصفة العدوان السعودي في الوقت ذاته بالكارثي، مشيرة في السياق ذاته إلى الإخفاق السعودي، خلال 7 سنوات من عدوانه البربري، في تحقيق أي إنجاز عسكري فعلي على الأرض، وبأنها (أي الرياض) باتت بحكم المنهزمة فعليا على وقع الانتصارات «الحوثية» المتوالية.
هذا الموقف النقدي ذاته هو الذي ميز ويميز العديد من رؤى الساسة والمحللين، أمثال الكاتب فريمان، والكاتب الأمريكي دوغ باندو الذي أشار في مقال له الشهر الفائت بمجلة «ناشيونال إنترست» إلى أن السعودية أصبحت مدفعا جيوسياسيا غير موجه، واصفا في مقالته ولي العهد السعودي بأنه مشغول بإثارة الفوضى على المستوى الدولي والإقليمي وبمعاقبة أعدائه السياسيين في الداخل السعودي وبصقل صورته المهترئة في الخارج.
ونضيف إلى ذلك مواقف العديد من المشرعين الأمريكان والغربيين على وجه العموم المناهضة ومن مواقعهم الرسمية في بنيان مؤسسات الحكم السياسي على غرار محاولات تقدميي الحزب الديمقراطي المتواترة لاستصدار قرارات نافذة بوقف تصدير الأسلحة للسعودية بالتوازي مع توجهات العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين بادروا بدعم حملات الحشد الإنسانية الداعية لوقف العدوان السعودي وفك الحصار المفروض على شعبنا اليمني، وصولاً إلى الدعوة لحظر تصدير الأسلحة إلى السعودية والإمارات بصفة خاصة، جراء الجرائم الحربية المرتكبة من قبلهما ضد الإنسانية، لعل آخرها الدعوة التي أطلقها مؤخرا عضو البرلمان الألماني (البوندستاغ) والمتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب الخضر «أوميد نوريبور»، الذي دعا مؤخرا إلى ضرورة العمل على فرض عقوبات على محمد بن سلمان في إطار آلية أوروبية مشتركة.
وهي مواقف تعكس في مجملها كيف أن العدوان، الذي تم شنه قبل 7 سنوات بجملة من الذرائع والمبررات الواهية، تحول مع المدى إلى فضيحة سياسية وأخلاقية كبرى على المستوى الدولي بالنسبة لأطراف العدوان الذين لم يتورعوا في تحويل حربهم القذرة تلك إلى حقل تجارب لارتكاب أبشع أشكال جرائم القتل والتجويع والتدمير الممنهج الذي طال شعبنا وبلادنا.
وهي الحقائق التي لن يغيرها إنكار الرياض ومشيختها لصحة التشخيص القرداحي حول عبثية حربهم ومجونها. وإذا لم تكن حربهم ضد بلادنا تتصف بالقدر ذاته من البربرية والعبثية فعلا كما شخصها السيد قرداحي، فما هو الصائب فيها يا ترى؟!

أترك تعليقاً

التعليقات