محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
كمهمش، لست مهتماً بالرياضة على الإطلاق، بقدر اهتمامي بالحصول على كسرة خبز جافة، وبعض التعليم المجاني الذي يمكنني على الأقل أنا وأقراني “أخدام اليمن” من تدوين أسمائنا بطريقة صحيحة عند التقدم بطلبات العمل لدى صناديق النظافة والتحسين. لكن ما شدني للرياضة هذه المرة هو الأيقونية الغرامية المفعمة حباً وكبرياء، التي صدحت بها حنجرة المعلق الرياضي العراقي “لاوين هابيل” الكردي حيال بلادنا المكلومة بجحود أبنائها.
هيام هذا الرجل ببلادنا وتغنيه بغرامها، والذي بلغ حد المجون الفعلي، جعلني أشعر حقاً بالضآلة (ضآلة الوطنية)، وبالاغتراب النفسي العميق؛ لعجزي ربما عن صياغة واستلهام مثل مفرداته الوهاجة تلك، والتي يستحيل على أمثال رشاد العليمي وشلته من الناهشين في بدن الأمة والوطن استيعاب فحواها وإدراك مضامينها ومعانيها، والتي لا تصدح بها إلا حنجرة ثائر عملاق تتضاءل أمام عظمته كل هامات ومقامات طوابير العمالة والارتزاق، الذين ومهما تعملقوا لا يمكن لهم الارتقاء إلى مستوى رقبة حذائه، إن جاز التعبير.
ولست أبالغ هنا إذا قلت إن كلماته ومفرداته الملهمة تلك جعلتني أتساءل، حقاً وبحيرة: ماذا لو تناهت يوماً إلى مسامع المأجور الإماراتي - الأمريكي الصنع، رشاد العليمي، وزمرته في مجلس رئاسة الرذيلة، ماذا سيكون ردهم يا ترى؟! وكيف ستتماهى مشاعرهم، إن وُجدت؟! وهل سيطرأ نوع من الحياء أقله في محياهم وملامحهم المزينة برتوش العمالة، حين يدركون أن لليمن عشاقها ومريديها الكثر، من الهائمين بها على امتداد المشهدين العربي والإسلامي؟!
وأقتطف هنا بعضا مما صدحت بها حنجرة هذا الثائر العراقي حيال بلادنا، حيث قال:
“ينتظـــرون سقـــوطــك ويحبون هزيمتك ويكرهون هيبتك ويشعرون بالنقص أمامك... عظيم أنت يا يمن.
لم أشجع اليمن من أجل انتصاراتها، ولن أتركها من أجل خسارتها، عشقت اليمن من قبل أن أعشق بطولاتها، وأن أتركها يوماً فأنا ميت لا محالة. نحن لا نعرف البكاء فقد علمتنا اليمن الفخر والوفاء.
عذراً فيثاغورس، اليمن هي المعادلة الأصعب. عذراً نيوتن، اليمن هي التي تجذبنا. عذراً ديكارت، أنا أحب اليمن إذن أنا موجود. عذراً أديسون، اليمن هي مصباح العالم. عذراً يا روما، كل الطرق تؤدي إلى اليمن. عذراً يا روميو، اليمن هي حبنا الأول، وستبقى إلى الأبد. اليمن سيد العالم.
إن كان حب اليمن داء فلا نريد دواء. إن كان حب اليمن زرعاً فنحن له أرضٌ وماء. وإن كان حب اليمن برداً فلتحيا أيام الشتاء. وإن كان حب اليمن دمعاً فلا تقفي يا عيون عن البكاء. وإن كان حب اليمن شهادة فسجل يا تاريخ كلنا شهداء. فنحن عشقناها، وحدها هي الصدارة. عندما يرتبط العشق بالجنون فيكون المقصود هو اليمن... إلخ”.
في المقابل، وفي التوقيت تقريباً نفسه، تناهى إلى مسامعي مقطع مصور من قصيدة شعرية لشاذ سعودي يُدعى المحنبي، يعبر فيها عن أخوية مملكته سيئة الصيت تجاه شعبنا وبلادنا، وكان مما قاله في أمسية شعرية مصورة سجلت لهذا الغرض تقريبا، ما يلي:
“قاتلهم
خذ أرضهم
واهدم منازل بعضهم وشردهم
واطمس معالم أرضهم
غيِّرْ ملامحهم وفرقهم
تصبح سيدهم
وأمسك بتلمودك ودينك
وبعثر مبادئهم
وبعدما تزرع بذور الحقد فيما بينهم
وتحصد مشاعرهم، قدر ما تقدر،
حيد أكبرهم
ورد له كامل حقوقه
واعزف على أوتار فرقتهم
واضرب أغناهم بأفقرهم
حاربهم بهم وأشعل معاركهم
وبعدما يستنزفون قوة بعض
خذ ما بقي منهم وفاوضهم
فاوضهم على الفتات
وإذا أعطوك حق الفتات أرجع لهم بعضه وساومهم... إلخ”.
في النهاية، ما من شك أبداً في أن مقطوعة هذا الشاذ الشارد السعودي/ المحنبي، ما هي إلا انعكاس واضح ودقيق لنهج مملكة الرذيلة التاريخي وعبر نظامها الملكي المارق حيال شعبنا وبلادنا، وهو الأمر الذي ندركه جميعاً دون استثناء، بمن فينا نخب العملاء والمرتزقة الدائرون بنخبهم السياسية والسلطوية الدائرة في الفلك السعودي العدواني، والتي فضلت الارتزاق الشخصي والشللي على مصالح بلادها وأمنها وكرامتها واستقلالها، وإن كانت المفارقة الملفتة هنا تكمن في أن هذا التضاد والتنافر الحاد في الموقفين (موقف المعلق العراقي الملتهب بالولاء العروبي القومي، وموقف الشاعر السعودي المشحون بمشاعر التصهين والانبطاحية المنبعثة في الخليج) ما هو إلا انعكاس فعلي لحقيقة مؤكدة، وهي أن الحرب العدوانية الناشبة ليست محصورة فحسب ضد بلادنا، وليست محصورة أيضاً ما بين تحالف الرذيلة وبلادنا، بقدر ما هي حرب قائمة أصلاً ومستمرة إلى ما شاء الرب ما بين تحالف عربي رجعي - صهيو - أمريكي - غربي - استعماري واسع النطاق؛ وما بين محور عربي وإسلامي حر ومقاوم على الكفاف.
حرب مضنية ومكلفة وطويلة الأمد ما بين تيار عروبي - إسلامي يكافح بضراوة لاستعادة إرث وأمجاد دينه وعروبته وحضارته الغابرة وضمان أمن واستقرار وكرامة واستقلال شعوبه، وبين طابور انهزامي عميل استمرأ العيش والحكم وقيادة شعوبه ومجتمعاته على إيقاع التبعية والتجرد اللامتناهي من كل مقومات العزة والشرف والكرامة، ما يجعلها حقاً معركة مصيرية وفاصلة تتحدد على ضوء نتائجها مصير وحاضر ووجود ومستقبل الأمتين العربية والإسلامية بأسرهما.

أترك تعليقاً

التعليقات