محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
ما إن تمكن دونالد ترامب من استعادة حكمه لـ«إمبراطورية اليانكي» حتى غمرت الغبطة مرتزقة العالم، العربي تحديداً، وخصوصاً في بلادنا وفي محيطها الإقليمي (ممالك ومشيخات الخليج الفارسي)، الذين يعولون بدرجة أساسية على إخلاص وبربرية هذا الترامب لتمكينهم من استعادة «أمجادهم» السياسية والسلطوية الغابرة والموءودة من قبل شعوبهم، على غرار ما هو حاصل في بلادنا، واستعادة غرف نومهم المؤممة أيضاً من قبل الشعب؛ كونها مبنية ومشيدة في الأصل بالأموال المسروقة من كدح الشعب وثرواته المنهوبة.
إنها بالفعل لحظة فارقة وغير مسبوقة، من حيث وضاعتها وانحطاطها في تاريخنا العربي القديم والحديث والمعاصر، تلك التي تتجلى فيها اليوم أبشع مظاهر التبعية والتخلف والاستبداد والاستغلال الطبقي والصراع الطائفي الدموي، جنباً إلى جنب مع تزايد شهوة الإمبريالية الصهيو - أمريكية - غربية للاستحواذ على مقدرات وثروات شعوبنا العربية والإسلامية، وعلى وأد وإجهاض تطلعات شعوبها ومجتمعاتها المكلومة صوب الانعتاق من الاستبداد والتخلف والتبعية.
فالتعويل على التزام ترامب بقضايا قوى الارتزاق والرجعية العربية، وتطرفه في إسنادها، لن يغير في الواقع طبيعة الأمور السائرة قدماً بثبات على عكس ما يبتغيه دعاة ومنظرو الارتزاق الانبطاحي، بالنظر إلى حجم المتغيرات والتحولات الثورية العاصفة والجارية في المشهد العربي والإسلامي إجمالاً، جراء الوعي التحرري المتنامي بقوة وبمستوياته الجماهيرية والوطنية والقومية، والناشئ هذه المرة بصورة أسفر عنها، ضمن نتائجها الرئيسية والمباشرة، إضعاف الدور والوجود والنفوذ الصهيو - أمريكي - غربي في المنطقة، كما بينت بذلك العديد من الأحداث الجوهرية، منها أحداث حرب غزة الأخيرة مع كيان “أورشليم” الغاصب، بما أفرزته من نتائج وإنجازات جوهرية (وإن كانت مكلفة ومشبعة بالدم وبالتضحيات الغزيرة)، بالإضافة إلى العدوان الصهيو - أمريكي المتصاعد على لبنان ومقاومته الباسلة خلال أشهر العدوان على غزة، بما شملته من جرائم حرب مرتكبة في حق شعبه وأطفاله ومدنييه وقادة مقاومته الظافرة، وصولاً إلى العدوان الانجلو - صهيو - أمريكي المستمر والمتصاعد بوتيرة إجرامية غير مسبوقة ضد شعبنا وبلادنا، وهي أحداث عززت في مجملها، ومن خلال نتائجها الجوهرية والملموسة، دور المقاومة ومحورها الداعم والمقاوم الممتد والمتنامي على امتداد المشهد الديمغرافي العربي والإسلامي.
هذا الأمر يجعل موضوع عودة أي مرتزق كان، والمأمولة فقط من منظورهم الانهزامي، مسألة وإن كانت مشحونة بالكثير من الأمنيات الفارغة، إلا أنها غير واردة أو محتملة البتة، سواء إلى عروشهم أو حتى إلى غرف نومهم، وبالذات مرتزقة بلادنا الكثر، بالنظر إلى ما حصدوه من نتائج مخزية ومخيبة خلال المرحلة الأولى من العدوان الفاشي الصهيو - سعودي - إماراتي، والذي شن أصلاً على أساس دعواتهم ومجونهم التآمري والانبطاحي والإجرامي المريع ضد شعبهم وبلادهم.
وهنا يكمن السؤال المتمحور حول مبعث الحوافز المعنوية التي عززت هذه المرة ثقة وتفاؤل جموع المرتزقة على استعادة “أمجادهم” ونفوذهم التآمري والسلطوي البائد في بلادنا على خلفية عودة ترامب لحكم “إمبراطورية اليانكي”.
فترامب، المعول على بربريته من قبل طوابير المرتزقة لإسناد تطلعاتهم الموءودة، لا يزال رهينة عجزه الواضح، منذ توليه سلطة “اليانكي” في يناير الفائت، عن لجم التصدعات المتنامية في الموقف السياسي الأمريكي الداخلي العام المناهض لإمبريالية أمريكا عموماً، على غرار خلافه الأخير والمستفحل مع بعض الهيئات النخبوية والأكاديمية (كجامعة هارفارد تحديداً) جراء فشلها الواضح في الحد من موجات الاحتجاج المتنامية المؤيدة للفلسطينيين ضد الحرب في غزة بصورة قد تعرّض -من منظور هذا الترامب- الطلاب اليهود للخطر، فكيف سيكون في مقدوره -إذن- لجم التطلعات الثورية العربية وتطويع شعوبها نزولاً عند رغبة ابن سلمان وأمثاله.
أوليس هذا الترامب هو ذاته الذي سبق وبرهن خلال فترة ولايته الأولى على مجونه العدواني المفتوح ضد شعبنا وبلادنا (اليمن)، من خلال دعمه وإسناده اللامتناهي آنذاك لمشروع العدوان الصهيو - سعودي - إماراتي ضد بلادنا، وهو الذي دشن أيضاً ولايته الثانية في يناير الفائت، بإعادة تأكيده الالتزام بالمبدأ العدواني ذاته ضد بلادنا، عبر إعلانه السافر استعداد بلاده لدعم الرياض وفتاها المدلل محمد بن سلمان مجدداً إذا قررت وحلفاءها وأعوانها استئناف عدوانها العسكري في اليمن، وبصورة قد تشمل استناداً إلى تنوع وتعدد تصريحاته في هذا الشأن، إلى جانب المبادرة الترامبية بتعزيز الدعم اللوجستي والتسليحي والتحديثي للجيش السعودي وفصائل المرتزقة المليشياوية اليمنية الموالية للرياض وأبوظبي، إلى المساهمة الأمريكية المباشرة بشن وتوسيع نطاق عملياتها العسكرية والعدوانية ضد بلادنا بصورة مفتوحة.
فما الذي تغير يا ترى ليرتفع معه سقف آمال المرتزقة بتحقيق نصر ظلوا ولا يشزالون يحلمون بتحقيقه طوال فترة فجورهم التآمري ضد شعبهم وبلادهم؟!
ألم يتقزم العدوان وجلاوزته ومجمل أطرافه المحلية والإقليمية والدولية إلى أدنى حدود التقوقع والانهزام والعدمية التي علقوا بها جراء الهزائم الماحقة والمتوالية التي طالتهم على يد شعب أعزل قاتلهم ولا يزال حتى اللحظة يتصدى لغطرستهم على الكفاف، ما يعني مجازاً أن أي تصعيد عسكري حالي أو مستقبلي ضد اليمن لن يكون كما كان في السابق، على ضوء نجاح قواته الثورية المسلحة خلال سني العدوان في تطوير قدراتها العسكرية والردعية بصورة أسفر عنها قلب موازين القوى على الأرض والبحر والجو، وبالشكل الذي أخفقت فيه كل قدراتهم وإمكانياتهم التكنولوجية اللامتناهية وتفوقهم العسكري الملحوظ بمختلف قطعاته الجوية والبرية والبحرية في الحد من قدرات صنعاء على توجيه الضربات الموجعة والمزلزلة تباعاً للمملكة وحلفائها ومرتزقتها في السابق، ولأمريكا وبحريتها حالياً، وبصورة تنذر بالكثير من الصليات المتوقعة والتي ستكون ولا شك أكثر دقة وإيلاماً وتقويضاً للتطلعات الإخضاعية والاستعمارية في المستقبل القريب.
هذا يعني أن معارك ترامب ضد شعوبنا ومجتمعاتنا التواقة للانعتاق لن تكون سهلة وهينة على غرار معاركه الداخلية المشبعة بماضيه وحاضره، والمثقل بقضايا الفجور والانحطاط الأخلاقي والجنسي والفساد والسرقة والتآمر والاختلاس وغيره مما كانت تؤديه بفترة حكمه الأولى.

أترك تعليقاً

التعليقات