نفاق وطني عنصري خونجي محمـوم
- محمد القيرعي الأثنين , 20 مـارس , 2023 الساعة 7:59:02 PM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
على امتداد تاريخهم الحركي والسياسي الأكثر شؤما في بلادنا، لم يبادر أيٌّ من جلاوزة حزب الإصلاح وساسته ومنظريه وأمراء حربه، ولو لمرة واحدة، إلى الاحتكام أو حتى مجرد التفكير بالاحتكام للعقل والمنطق والحقيقة المجردة، حتى في أسوأ ظروفهم وعثراتهم.
فإنهم جماعة نشأت في الأصل وتربَّت على الكذب والتضليل والتدليس وانتهاج الرذائل التي يمكن تبيانها بوضوح من خلال الإمعان بموضوعية فاحصة في طبيعة سلوكهم الانتهازي الوضيع ووسائلهم الالتوائية القذرة، سواء فيما يخص تعاملهم مع خصومهم الكثر في الداخل والخارج أو فيما يتعلق بتنفيذ أجندتهم السياسية والأيديولوجية، وذلك عبر الاختباء الاحترافي الذي أجادوه خلال العقود الفائتة خلف قوى وتكتلات سياسية وحزبية قوية كما كان عليه الحال إبان حقبة حكم الرئيس صالح بشقيها الشطري والوحدوي، قبل أن ينتهي بهم المطاف بعد ذلك وعقب طلاقهم المبطن مع نظام صالح في العام 2007 تحديدا، إلى الاختباء خلف تكتل أحزاب اللقاء المشترك، الذي نجحوا (أي المطاوعة) في استغلال سذاجة أطرافه ومكوناته الحركية والحزبية بدرجة مكنتهم من الحفاظ على وجودهم السياسي والحركي وحتى البرلماني بصورة ملحوظة ومؤثرة، وعلى حساب باقي حلفائهم المفترضين أصلاً داخل هذا التكتل الأضحوكة، رغم أنهم لم يعودوا آنذاك محل ترحيب أحد، لا في الداخل ولا في الخارج أيضا، بمن فيهم رعاتهم وأسيادهم الإقليميون والدوليون الذين نبذوهم على ضوء الانعطافة الحادة التي شابت آنذاك المزاج السياسي العالمي عموما، والأمريكي بصفة خاصة، حيال مسألة التعامل الردعي مع قوى الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي، بوصفها البذرة المنتجة لقوى وأدوات الإرهاب الديني المستفحل في العالم بكافة أشكاله ومكوناته، وصولا في نهاية المطاف إلى انضوائهم المخزي والانبطاحي وبزعم الدفاع عن الشرعية السياسية والصوابية الدينية تحت يافطة تحالف عدوان الرذيلة الدولي الذي تقوده كلٌّ من أمريكا و"إسرائيل" ضد بلادنا عبر أدواتهما الإقليمية في المنطقة؛ الرياض وأبوظبي تحديدا.
اليوم، وعلى ضوء معادلة العمالة العلنية والمفتوحة تلك، بات مطاوعة الإصلاح يعيشون حالة من العداء المطبق والمواجهة المفتوحة مع غالبية أطياف الشعب اليمني، المقاوم في صميمه لشتى أشكال العسف والعدوان، التي كان للخونج الدور الأبرز والرئيسي في شرعنتها والتبشير بدوافعها الجهادية واللاهوتية.
هذا الأمر كانت له آثاره وارتداداته العكسية والكارثية التي بدأت تعصف بالخونج ذاتهم، وداخل طابور العمالة والارتزاق الطويل، على ضوء انتهاء صلاحياتهم التي باتت في حكم المنتهية فعلا بنظر أسيادهم، كما تشير إلى ذلك أحدث المعطيات الجيوسياسية الأخيرة في هذا الشأن.
ولعل الطامة الكبرى بالنسبة للإخوان هنا تبرز في أنهم، وفيما كانوا قبلا يحكمون ويقهرون ويتسلطون وينهبون ويتفيدون ويقتلون ويتبلطجون ويظللون ويظلمون أمة بأسرها باسم وبأدوات غيرهم وليس بصورة مباشرة، الأمر الذي مكنهم وخلال حقب زمنية طويلة من الحفاظ على نوع من الصورة الملطفة في نظر الكثير من العامة، إلا أنهم هذه المرة وفي خضم الحرب العدوانية الأخيرة تصرفوا على النقيض تماماً من ماضيهم الانتهازي الرث، بعد أن مكنتهم ظروف ونتائج الحرب خلال الأعوام الثمانية الفائتة من الحكم والتبندق والهيمنة السلطوية المباشرة، أي دون وسطاء، وخصوصا في المناطق والمحافظات التي بسطوا نفوذهم وحضورهم المليشياوي فيها، مثل مأرب وتعز وبعض محافظات الحزام الجنوبي، وبالأخص تلك التي طُردوا منها مؤخرا، على غرار ما حدث في شبوة وأبين، مقدمين (أي الخونج) من خلال تجربتهم السلطوية تلك والمنبثقة من رحم آلام ومعاناة شعب بأسره، كثوار وكمقاومين وحملة مشروع مدني وحضاري حسب زعمهم الانتهازي، أسوأ نماذج الحكم اللصوصي والإجرامي والمافيوي، بدرجة لم تسهم فحسب في تجريدهم من أي حضور أو شرعية وطنية جماهيرية مفترضة، بقدر ما أدت وبشكل لا لبس فيه إلى وضعهم في مواجهة مفتوحة مع أغلب القوى الاجتماعية في المجتمعات المحلية التي اكتوت بشرورهم.
فطرق الحكم الخونجي المتبعة، والتي لا تزال حتى اللحظة في الكثير من المناطق التي يؤمّون الناس فيها قسرا للصلاة في مساجدهم التي تحولت إلى ثكنات إرهاب ورذيلة، هي في الواقع عبارة عن أشكال مختلفة ومتنوعة من أعمال القتل والسلب والنهب والاختطافات والتصفيات الجسدية لخصومهم ومناوئيهم واقتحام منازل المواطنين ومحلاتهم التجارية وسرقة بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم، بالصورة التي جعلت مصير الإخوان ووجودهم وتطلعاتهم السلطوية رهناً، ليس فحسب بنتائج الحرب الكارثية بالنسبة لهم ولأسيادهم في التحالف، وإنما بالمزاج الشعبي والجماهيري، الذي بات شديد المقت والنفور والعدائية لكل ما يمت لإخوان الرذيلة بصلة.
بيد أن هذا الواقع بات يشكل اليوم أبرز الهواجس الرئيسية لجلاوزة الإخوان، الذين تنبهوا فجأة إلى حجم الضرر السياسي والبنيوي والأخلاقي الذي أحدثوه في أنفسهم وفي ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم السياسي والحركي الآخذ في التذبذب والانحسار، وخصوصا في باقي المناطق والمديريات التي لا يزالون يتشبثون بها كرهان أخير لوقف انهيارهم الأخلاقي، الأمر الذي حدا بهم إلى ابتداع العديد من وسائل الكذب والغش والتدليس والمراوغة في محاولة لاستعطاف الناس من حولهم، ليبدأ دور "بتوع ربنا" في زيارة عائلات قتلى حروبهم العبثية تحديدا، ممن قاتلوا في صفوفهم (والذين ودَّفوا بالتأكيد في الدنيا والآخرة؛ فلا هم اكتسبوا صفة البسالة الثورية في دنيانا ولا أصبحوا شهداء بالطريقة التي أوهموا بها عند بتوع ربنا)، فيما تداعى أمراء حروبهم العبثية ممن أثروا ثراء فاحشا من خلال الارتزاق والمتاجرة بدمائهم، على شاكلة الشيخ حمود سعيد والأفندم أبو بكر الجبولي، بالإضافة إلى درة الخونج المصونة توكل كرمان، وآخرين، إلى التكرم من جهتهم بالتخفيف من عناء تلك العائلات الثكلى بما تيسر ابتغاء مرضاة الرب.
وعموما فإن هبة الإحسان الخونجية تلك تزامنت بطبيعة الحال مع مكرمة مالية ممنوحة من مملكة قرن الشيطان (بواقع خمسة آلاف ريال سعودي لكل أسرة قتيل حرب خونجي). إلا أن ما لفت نظري في هذا الشأن كان في مظاهر الوداعة الخيرية التي اتسمت بها عطاءات كلٍّ من حمود سعيد وتوكل كرمان والجبولي... والتي انحصرت ربما وبشكل احتكاري مدروس في تبرعاتهم العينية لترميم أسقف وجدران ونوافذ المنازل الطينية المتهالكة في أغلبها والمملوكة لعوائل شهدائهم، وخصوصا في أرياف الحُجَرية وما جاورها، كالزريقتين مثلا، وبصورة لم تخلُ أيضا من بعض مظاهر الدعاية الخونجية الصرفة.
ففيما يخص مكرمة عاهل الرذيلة، المقدرة بخمسة آلاف ريال سعودي، لوحظ أن أغلب مَن قاتلوا وقتلوا في صف المطاوعة من فئة "الأخدام" والمهمشين الذين تحولوا فجأة وبقدرة قادر وبفعل عجائب وغرائب الطبيعة من شهداء مقيدين رسميا في كشوفات المرتزقة إلى متوفين قضاء وقدرا، بعضهم بالذبحة الصدرية، وآخرون سقطوا في بالوعة مفتوحة (ليست بالضرورة بالوعة خونجية)، فيما سقوف ونوافذ شهدائهم من فئة "الأخدام" كانت هي الأخرى الوحيدة المستثناة من خيرات حمود سعيد وتوكل كرمان، في ظل مظاهر النعمة والترف المعيشي الذي يتمتع به المهمشون في بلادنا دون سواهم. ومع هذا لا يزال هؤلاء المرضى المعتوهون من أصحاب اللحى والسكسوكات المسربلة يأملون في صميمهم اكتساب رضا الرب والظفر في الدنيا والآخرة.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي