محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
صباح يوم الاثنين الفائت، 6 سبتمبر الجاري، نفذت السلطات القضائية والأمنية في العاصمة صنعاء حكم الإعدام رميا بالرصاص في حق المدانين الأربعة بمقتل الشاب عبدالله الأغبري، وذلك بعد أقل من عام واحد فقط على قيام الجناة بارتكاب جريمتهم المروعة تلك، فيما حظي ولا يزال قتلة ومختطفو أسرة الحرق في مدينة تعز المحتلة بكل مظاهر الحفاوة والتكريم والحماية العلنية والمطلقة من قبل سلطات حزب الخونج ونافذيه المتحكمين بكل مفاصل الحياة اليومية للمجتمع.
وبالطبع، فقد كان ولا يزال للتعامل المسؤول للسلطات المعنية في صنعاء وفصلها الإجرائي السريع، وخصوصا في تلك المسائل المتعلقة بالأمن الاجتماعي ومتطلبات العدالة، كما حدث في قضية الأغبري وغيرها من جرائم الحرابة السابقة على غرار قضيتي اغتصاب وقتل كلٍّ من الطفلة لانا المطري والطفل الحدي... إلخ، أثره الفاعل الذي لم يسهم فحسب في تعزيز قناعة الكثيرين، وخصوصا في المناطق المحتلة، بحقيقة وجود دولة قانون حقيقية في صنعاء قادرة ومقتدرة على قيادة البلاد وتسيير شؤون المجتمع وضمان أمنه، رغم ظروف الحرب والعدوان والفوضى والحصار... إلخ، بقدر ما أدى في الوقت ذاته إلى تعميق توق أولئك المقهورين أيضاً من القوى والطبقات الاجتماعية القاطنة في المناطق المحتلة لوجود آلية حكم وطني مماثلة لتلك السائدة والمطبقة من قبل من يوصفون بـ"الروافض" و"الخوارج" و"أعداء الملة" (ملة إخوان الرذيلة بالطبع، وليس ملة محمد كما قد يتصور البعض).
وهنا يكمن الفرق -بطبيعة الحال- ما بين المثالية الثورية الحقيقية المفعمة بآمال الانتصار لقضايا الناس والبسطاء، وما بين البربرية الخونجية المبنية أساسا على أنقاض الإنسانية. وهو الفارق ذاته الكامن أيضاً ما بين قيام عصابة من الجنود والضباط الذين يحملون الصفة العسكرية الرسمية لنظام هادي المختل ويتزينون بأوسمة ونياشين العمالة والارتزاق بإزهاق أرواح ستة مدنيين أبرياء من أسرة واحدة واختطاف آخرين وترويع النساء والأطفال والاستيلاء على حقوقهم وممتلكاتهم بقوة سلاح الدولة المتباكى عليها من قبل المجتمع الدولي ككل، وما بين نجاح جنود وضباط أمن أكفاء وجوعى ومغمورين ومحاصرين ويعملون بدون امتيازات وبدون حتى رواتب شهرية ثابتة -على ما أظن- بتقليص مستويات الجريمة إلى أدنى حدودها في صنعاء وبقية المدن والمحافظات المحررة من خلال عملهم الشاق والدؤوب المستلهم من قيم العملية الثورية لثورة 21 أيلول/ سبتمبر الصامدة.
ففي صنعاء يعد القتل كفعل جرمي انتحارا، وانتحارا فعليا بالنسبة لمرتكبيه. أما في تعز "المحررة"، بحسب مزاعم أصحاب اللحى والسكسوكات المسربلة، تعد الجريمة إحدى الوسائل الأساسية المتبعة للترقي في سلم السلطة السياسية والعسكرية والتمتع بامتيازاتها.
في صنعاء، سيف العدالة مصلت بشكل مؤرق على رقاب القتلة والمجرمين والعملاء وأعداء السلم والسكينة الاجتماعية... إلخ. أما في تعز المحتلة وغيرها من المناطق المنكوبة بعملاء العدوان وإخوانجييه، فإن سيف الجريمة والاستبداد النخبوي هو المصلت بشكل فعلي على رقاب قاطنيها ومواطنيها دون استثناء. وهذا مرده بالدرجة الأساس إلى كون صنعاء خاضعة في الواقع لحكومة منبثقة عن ثورة شعبية تم إنجازها في أيلول/ سبتمبر 2014 دون دماء تقريباً، وتحظى بسلطة ثورية أنتجتها ظروف وتجارب الكفاح الوطني التحرري المرير ضد الظلم والعبودية والاستغلال، وذلك خلافا لما هو سائد ومكرس في تعز المحتلة، حيث شروط العدالة والوطنية هناك محكومة بجملة من التعاليم والعشائر الخونجية الشبيهة إلى حد ما بـ"قوانين الاومرتا" المعروفة تاريخيا بدستور المافيا المنظمة، الذي صاحب نشأتها الأولى في منتصف القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية الإيطالية، والذي تنص مضامينه -كشرط أساسي لقبول طلب الانخراط في عضوية المافيا- على إجادة المتقدم التامة لكافة أعمال القتل والسلب والنهب والتقطع وكل أشكال الرذيلة، بالصورة التي تؤهله اليوم للحصول على صك السلطة والوطنية والمواطنة المفصلة على مقاس فقهاء تعز وملتحييها وأمراء حروبها.
ولهذا، فلا عجب في أن أغلب أعمال القتل والحرابة والجريمة الرسمية المنظمة المتواترة في تعز بصورة شبه يومية تحدث بإيعاز ومباركة مشفوعة من أولئك الذين يحتكرون منذ زمن الحديث باسم الله، مع أن الرب لم يسكن قلوبهم قط. وأمور كتلك تعد بديهية للغاية، وخصوصا في تلك الحالات التي يصبح فيها اللصوص والقتلة قادة لبلادهم.

* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات