محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قبل أسابيع قليلة فقط من نجاح ثورة 21 أيلول 2014 اتصلت بي محررة صحفية من مجلة (بي بي سي) من بلجيكا حسب ما أتذكر، وسألتني حول تصاعد أعمال الانتهاكات المتواترة ضدنا معشر «الأخدام» من قبل «السادة» كما أشارت حينها.
وبما أنني متحمس على الدوام للإجابة دون تردد على أي سؤال من هذا القبيل، من منطلق فهمي التاريخي بأن مصطلح «السادة» يشمل جميع فئات وطوائف القبائل (الذين لا أحبهم بالتأكيد)، إلا أنني تريثت هذه المرة طالباً منها في البدء تعريف مفهوم «السادة» من منظورها هي، فأجابتني على الفور أنها تقصد طبقة «الهاشميين» بصفة عامة و»الحوثيين» بشكل خاص.
وهنا أجبتها بلكنة شبه ساخرة قائلا: ومن الذي أخبرك يا سيدتي أننا معشر «الأخدام» عرضة لانتهاكات السادة و«الحوثيين»؟! ألم تدركي بعد أن معايير التهميش المتنامية خلال العقود الستة الفائتة قد طالت حتى طبقة «الهاشميين» أنفسهم وبمختلف تكويناتهم ممن باتوا يقاسموننا اليوم فعليا همومنا ومعاناتنا كمهمشين، بوصفهم، أي «الهاشميين» و«الحوثيين»، «الأخدام الجدد» في المعادلة الاجتماعية المختلة؟! وإن كانت المشكلة الرئيسية هنا تكمن في إصرارهم يا سيدتي، وبمختلف تكويناتهم، بمن فيهم «الحوثيون»، على عدم الاعتراف الطبقي الذاتي بوضعهم المتنامي كـ«أخدام جدد»، ومرحباً بهم على الدوام من قبلنا نحن معشر «الأخدام» التقليديين للانضمام إلينا في مستنقع التهميش الدوني التاريخي!
موقف مراسلة مجلة الـ(بي بي سي) ذاك الذي مضى عليه ما يقرب الثمانية أعوام كاملة، ذكرني بطبيعة الحال بالدقيقة والنصف التي منحت للزميل نعمان الحذيفي في مجلس حقوق الإنسان أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، وعبر قنوات نظام المعتل هادي للقول فقط إن «الحوثيين» ينتهكون بشكل ممنهج أمننا وحقوقنا وسلامتنا كـ«مهمشين»، لينتهي الوقت المخصص له قبل حتى أن يتسنى له إكمال عبارته تلك.
وحينما سألته في اتصالي به تلك الليلة عن دوافع موقفه المخزي واللاعقلاني ذاك، أجابني باقتضاب أنها رغبة المخرج ليس إلا.
الموقف ذاته ينطبق أيضاً وعلى سبيل المثال على ما قاله ويروج له باستمرار علي الصراري (البوق القابل للإيجار من قبل أي كان) في مداخلة له مساء الأربعاء الفائت 10 تشرين الثاني/ نوفمبر مع سيئة الصيت قناة «العربية الحدث»، التي تحدث من خلالها وبإسهاب شديد عن المدى المروع الذي بلغه «الحوثيون» في انتهاكاتهم اليومية والمزعومة بطبيعة الحال للمدنيين والنازحين والمهمشين دون استثناء... إلخ.
جاء ذلك ضمن ملف إخباري كان لقناة «العربية الحدث» هي الأخرى وكعادتها أيضا دورها الإبداعي الملفت في بث واختلاق الأخبار والأكاذيب التحريضية المضللة، رغم أنها غالباً ما تحمل مضامين هزلية أشبه بالنكت السمجة، على غرار تقريرها الإخباري ليل الأربعاء الفائت الذي بثت في سياقه خبرا مفاده أن معدل الدخل السنوي لـ«الحوثيين» من تجارة المخدرات يبلغ نحو سبعة مليارات دولار! هكذا دفعة واحدة ودون تروٍّ أو حتى إدراك لقياس ما إذا كانت مثل تلك الكذبة ستنطلي حتى على معديها!
خلاصة القول أن ما أود إيضاحه في هذا الصدد يكمن في حقيقة أن «الحوثيين» تعرضوا ولا يزالون منذ عقود زمنية مضت، إلى جانب حروب الاجتثاث العسكري، كذلك لشتى وأسوأ حملات الإساءة والتحريض الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي وحتى الأخلاقي أيضاً، عبر منظومة واسعة وموجهة من وسائل الإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني والمقروء في الداخل والخارج، فيما هم (أي «الحوثيين») مفتقرين لاستراتيجية دعائية حقيقية تمكنهم ليس فحسب من امتلاك القدرة التكتيكية على دحض ومواجهة مثل تلك الحملات الممنهجة والمسعورة، وإنما أيضاً على تقديم أنفسهم للناس العاديين والبسطاء من عامة الشعب بصورة موضوعية، أي دون رتوش، عبر قولهم للناس: «هذا ما نحن عليه فعلا، وليس كما يقال أو يروج لكم زورا وبهتانا».
ففي مخابرة هاتفية أجريتها الأسبوع الفائت مع إحدى بناتي مقيمة في مدينة مأرب، تحدثت إليَّ عن مدى الخوف والتوجس والهلع الذي بات ينتاب صديقاتها (المأربيات بطبيعة الحال) في الحي الذي تقطن فيه مع تقدم مقاتلي الجيش واللجان الشعبية صوب المدينة، وذلك استنادا إلى الصورة السلبية المنطبعة في أذهانهن جراء الدعاية التحريضية المضللة والمشوهة التي تصور «الحوثيين» بوصفهم وحوشاً آدمية ضارية وليسوا محررين لهن ولأسرهن من الجور والظلم والفساد والعمالة والتبعية.
هذا ما أعنيه بالضبط، فليس المطلوب من حركة أنصار الله ومن الإعلام الحربي والوطني في هذه الحالة انتهاج أسلوب خصومهم نفسه الدنيء والمبتذل، عبر الكذب والتضليل والمغالطة، بل على العكس من ذلك تماما، أي أن عليهم العمل على تقديم أنفسهم للداخل والخارج على ما هم عليه فعلا دون زيادة أو نقصان.
فحين يقال عنا كـ«حوثيين» بأننا قتلة أطفال، علينا أن نكون في هذه الحالة قادرين ومستعدين من خلال استراتيجية معدة لفضح وإيضاح من هم قتلة الأطفال الحقيقيين. وحينما نوصم بمغتصبي النساء، علينا أن نمتلك القدرة نفسها أيضاً على إيضاح هذه الحقائق، مثل: من؟ وأين؟ ومتى؟ وفي أي منطقة كانت أعمال الاغتصابات المتواترة تشكل جزءا رئيسيا من كفاح المرتزقة الساعين لاستعادة «الشرعية» المسلوبة، حسب زعمهم؟
وحينما نوصم بأننا سبابة الرسول وصحابته، علينا أن نفرد أو نخصص في هذه الحالة حيزا من برامجنا وحلقاتنا الدينية والتثقيفية وعبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية لسرد واستعراض عظمة ومناقب الرسول وصحبه، جميعهم ودون استثناء... إلخ، لأننا في الأول والأخير نخاطب مجتمعا تبلغ نسبة الأمية العلمية والسياسية والمعرفية في أوساطه أعلى معدلاتها على مستوى العالم أجمع.
هل رأيتم كيف تباكى ولا يزال إعلام التحالف ومرتزقته زورا على الإنسانية المسحوقة تحت أحذية «الحوثيين» في المناطق والمديريات المحررة بمحافظتي شبوة ومأرب؟!
لماذا إذا لا يخصص الإعلام الحربي حيزا من نشاطه الميداني لفضح وتعرية الفوضى والفساد والجرائم المتنوعة المرتكبة ضد إنسانية أبناء المناطق والمديريات المحررة خلال اليومين الفائتين في الشريط الساحلي لمحافظة الحديدة التي اضطر المرتزقة وأسيادهم في التحالف للانسحاب منها وتركها خاوية على عروشها؟!


الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات