محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -

عقب قيام بعض مؤيدي الراحل غير المأسوف عليه من عرش إمبراطورية اليانكي دونالد ترامب باقتحام مبنى الكابيتول هيل (الكونغرس) أثناء إجماع مشرعي البلاد بغرفتيه (الشيوخ والنواب) في محاولة ترامبية استعراضية للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المحسومة أصلا وبشكل مسبق لمصلحة منافسه الديمقراطي الرئيس جو بايدن، إذا بالأصوات المنددة والمستنكرة وتحديدا في أوساط المجتمع السياسي والتشريعي الأمريكي وحتى من داخل حزب ترامب ذاته (الحزب الجمهوري) بدأت بالتعالي والدعوة لتجريم ترامب ومحاكمته وعزله إذا لزم الأمر خلال ما تبقى من عمر رئاسته التي تقل عن أسبوع واحد فقط.
في الوقت ذاته كانت جحافل الأمن المركزي والشرطة العسكرية بمديرية الشمايتين والخاضعة كليا لهيمنة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وبقيادة مدير عام الشمايتين الملتحي الإخوانجي الوليد من رحم الأزمة، عبدالعزيز ردمان، تشن من جهتها هجوما ضاريا ومنسقا ودون هوادة وبواسطة التركترات (الشيولات) أسفر في نهاية يومه الأول عن هدم وتدمير واجهات أغلب المحال التجارية والمطاعم والبوفيات في أسواق مناطق المركز والسمسرة والصافية، مثلما سحقت دون رحمة أيضا وبطريقة استعراضية تنم عن بسالة وبطولة إخوانجية منقطعة النظير، بسطات وعربات الباعة الجائلين في المناطق الثلاث بكل ما تحويه من مقومات عيش شحيحة لا تكاد تسد في الواقع أدنى الحاجات المعيشية الأساسية لأسرهم الجائعة والنازحة في أغلبها والمشردة عن مناطق سكنها الأصلية بفعل عوامل الحرب التي شرعنها مطاوعة الإخوان ذاتهم منذ انطلاق شرارتها الأولى قبل 6 أعوام مضت، مانحين إياها كل السنن والذرائع والفتاوى اللاهوتية بما فيها أوامر وتوجيهات الرب الموجهة عبر قنواتهم فقط والقاضية بجعل هذه الحرب أمرا حتميا وضروريا لتطهير هذا الشعب الذي كثر فيه الفساد وتنوعت فيه خطايا العباد... الخ.
وبالطبع فقد كان للأصوات المتعالية أيضا حضورها اللافت وسط تلك الفوضى التي خلفتها «فعلة مندوبي الرب» بحق رعاياهم المستضعفين، رغم أنه وفي وسط حالة الهرج والمرج التي سادت عملية التخريب الجماعي تلك جعلت من الأصوات المهللة بالإعجاب والاستحسان لما فعله عبدالعزيز ردمان وجنوده والممزوجة بتكبيرات المطاوعة المتوالية بالحمد والشكر لجلالة الرب تطغى بدرجة كبيرة على عويل وصرخات المنكوبين ممن صودرت أرزاقهم وتدمرت أعمالهم ومصادر عيشهم وعيش أسرهم وهدمت محالهم وصنادقهم.. وبصورة اعتبرها العديد من جلاوزة الإخوان بأنها تشكل إيحاءً سماويا ببشائر النصر المؤزر الذي استحقه الإخوان بسخاء إلهي منقطع النظير ضد مجتمع الرعاع من معدمي هذا البلد ومواطنيه ذوي التصنيف التراتبي الأدنى كمواطنين درجة رابعة وخامسة وعاشرة والذين طالتهم معاول «التفتيش الكنسي، أقصد الديني»، بعدما استفحل غيهم وخطرهم ليطال ليس فحسب شعائر وتعاليم الرب المؤتمن عليها مطاوعة الإصلاح فقط، وإنما أيضا وبشكل غير مسبوق استقرار جمهوريتهم الوليدة في أغلب مناطق النطاق الجغرافي لمحافظة تعز من رحم المعاناة اليومية لمواطني هذه المحافظة المكلومة، ومن دماء أبنائها النازفة على إيقاع «يا فرح يا سلا»، والذين على ما يبدو سيتعين عليهم الاستمرار بدفع ثمن وقوعهم الطوعي تحت تأثير «الإغواء الإخوانجي» وبقوالب متعددة لن تكون آخرها تلك الفعلة التي حولت أغلبهم إلى معدمين ومتسولين بعد أن دمرت كل سبل ومقومات عيشهم.
الأدهى من ذلك هو أن صرخات التكبير تلك والاستحسان لفضائل عبدالعزيز ردمان وبسالته ضد من لا حول لهم ولا قوة كان لها بالطبع أثرها المعنوي الفوري والعميق على الرجل، وبدرجة دفعته ليس فقط إلى الإيمان الذاتي العميق بألوهيته وصنميته الاستبدادية الزائدة، بقدر ما حفزته أيضا لامتلاك الجراءة على النظر والتطلع أبعد بكثير من أنفه وحجمه الحقيقي، حيث باشر من ناحية أولى ومن منطلق سلطته كرئيس للسلطة المحلية في المديرية بإطلاق اسمه على أهم وأقدم شوارع مدينة التربة (شارع الذهب) الذي باتت تزين واجهته العتيقة لوحة عريضة تحمل اسم شارع عبدالعزيز ردمان لتخليد مآثره المعمدة بدماء وآلام ومعاناة أبناء المديرية والمحافظة على السواء، فيما باشر من ناحية أخرى بتجنيد طابور عريض من المطبلين والمتملقين وجلهم طبعا من أصحاب السكسوكات الطويلة واللحي المسربلة لترويج فكرة إحلاله كضرورة محل رئيسه التنفيذي المباشر المحافظ نبيل شمسان كونه الأكفأ والمؤهل من الناحيتين الموضوعية والتقنية لقيادة المحافظة التي لم يتبق منها سوى اسمها بصورة مظفرة إلى ...؟
في الحقيقة لا أدري إلى أين يمكن لعبدالعزيز ردمان قيادتها.. فإذا افترضنا أنه يقصد المستقبل فهذا سيكون ضربا من العبث بالتأكيد، كون تعز لم يتبق منها سوى اسمها المحفور بالذاكرة فقط، بعد أن انتفى وجودها الفعلي من الخارطة بعد أن أخذت الحرب منها ما أخذت، فيما تفيد الإخوان بقيتها.
أما إذا كان يقصد قيادتها في منحى كارثي آخر فهي لم تعد بحاجة لمن يفعل ذلك، كونها قابعة أصلا -ومنذ أعوام مضت- مع قاطنيها في قعر جهنم الذي قدم منه إخواننا في الله تباعا.
عموما وفي خضم كل هذا يتساءل البعض بحيرة وذهول حول السرعة والكيفية التي تبدد بها ذاك الكلام المعسول الذي بشر به إعلام ومنظرو الإصلاح طويلًا حول الكفاح لاستعادة قيم العدالة والديمقراطية والمواطنة المتساوية والرفاهية الاجتماعية والطهارة الدينية، الخ.. ليتحول إلى كابوس يومي يجثم فوق أنفاس أغلب قطاعات المجتمع حيث القمع والسلب والنهب المشاعي للأموال والممتلكات وأعمال القتل والتنكيل والتجويع والتشريد باتت من الوسائل الرئيسية التي يطبقها أمراء حزب الإصلاح وقادته وبطرق عديدة ومبتكرة لتطويع الروح المجتمعية وجعلها لينة ومنصاعة وبما يسهم في تمكين المجتمعات المحلية المنكوبة من التسليم الأعمى لسلطة الأمر الواقع الإخوانجية.
لكن السؤال الأكثر إلحاحا في هذا الصدد ربما يتمحور وبشكل أساسي حول مدى وفداحة الثمن الذي سيتعين على مجتمع المحافظة الاستمرار بدفعه جراء وقوعهم الطوعي تحت تأثير «الإغواء الإخوانجي» وبقوالب متعددة لن تكون آخرها تلك الفعلة التي حولت أغلبهم إلى معدمين ومتسولين بعد أن دمرت كل سبل ومقومات عيشهم.. وللحديث بقية.


* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات