العدوان المتولد من رحم العدوان
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
لم يكن هنالك خطر أشد وأكثر فتكا وضراوة على ثورة أيلول 2014 وعلى أداتها الحركية (حركة أنصار الله) أكثر من خطر العدوان الفاشي البربري الذي شنه أزلام الحركة الصهيوأمريكية في السادس والعشرين من مارس 2015 بقيادة عاهرتي الأمريكان (الرياض وأبوظبي) وأذنابهم في الداخل والخارج.
كان العدوان الأكثر قسوة وضراوة ووحشية وخلوا من كل أعراف ومضامين وأخلاقيات الحروب الحديثة، بحيث كان الدمار شاملا والظلام يخيم على البلد الذي بات يقف آنذاك وفي مراحل العدوان الأولى تحديدا على شفير الهاوية وعلى أعتاب التفكك والتشرذم الداخلي والإفلاس.
كل ما يجري حولنا كان يوحي آنذاك بأن النهاية باتت وشيكة، خصوصا مع اضطلاع كل من قطبي العدوان (السعودية والإمارات) وإلى جانب عدوانهم السافر على شعبنا وبلادنا، بدور محوري في تنظيم وتسليح وتدريب وتمويل العشرات من الجماعات المليشياوية المسلحة من جماعة الإخوان إلى العفاشيين (جماعة طارق) إلى التهاميبن والقوميين الجنوبيين بمختلف نخبهم ومسمياتهم، والتي تضم في تكويناتها مجتمعة مئات آلاف المقاتلين المرتزقة تحت مسميات «المقاومة الوطنية» و»الشرعية»، وزجها في معارك ومواجهات حربية دامية مع قوى وحماة أيلول 2014، على امتداد المشهد الديموغرافي الوطني.
وبالفعل فإن مخاطر داهمة ومحدقة كتلك، كانت كافية لبعث كل عوامل الشك والريبة في ذواتنا وفي إمكانياتنا وقدرتنا الثورية على الصمود، خصوصا إذا ما وضعنا بعين الاعتبار طبيعة وحساسية الظروف والمنعطفات الوطنية التي كنا نمر بها آنذاك، جراء التحولات الثورية الجوهرية التي عصفت بالبلاد، في الوقت الذي باتت فيه عرضة لأبشع وسائل الكبت والإلغاء والدمار العدواني الحربي.. المصحوب بأسوأ أشكال العزلة الدولية والحصار المعيشي والاقتصادي المطبق، إضافة إلى انعدام الموارد المالية والإغاثية والمعيشية.. إلخ، الأمر الذي لم يكن بالإمكان معه بأي حال تجاهل التفكير بعدم الزوال كليا لبلدنا ولقواها الوطنية ولثورتها الوليدة من رحم المعاناة الوطنية المتعاقبة.
اليوم، وبعد ما يقرب من تسع سنوات من العدوان الذي تحول خطره الحقيقي ليحيق بأطرافه الغازية والمبادرة أصلا بشن العدوان والتي فقدت مناعتها بصورة شبه كلية أمام آليات الردع الحربي الوطني الذي ابتدعه «الحوثيون» والذي تطور مع تطور مجريات الصراع العسكري الشاق ليصبح من أبرز عوامل توازن الدمار الحربي المتبادل، إلى حد أن أطراف العدوان الخارجي باتت إزاءه أضعف فعليا من أن تمتلك القدرة ليس فحسب على تحقيق إنجاز عسكري فعلي على الأرض، وإنما حتى على حماية عمقها الاستراتيجي أمام ضربات الردع الصاروخي والمسير الموجعة والموجهة من صنعاء التي طالتهم وتطالهم باستمرار.
والحال ذاته ينطبق أيضا على أزلامهم من قوى الرجعية المحلية في الداخل الوطني والتي فقدت إلى جانب شرعيتها الوطنية كذلك حضورها السياسي والجماهيري والشعبي المطلوب والمؤثر مع الانهيار المتوالي الذي خلفوه لسبل الحياة والمعيشة وللاقتصاد الوطني وتهاوي قيمة العملة الوطنية وتآكل النظام الاجتماعي والسياسي الذي قوض كل مزاعمهم المروجة حول الشرعية السياسية والدستورية.
فيما أصبحت جماعة أنصار الله المغضوب عليها هي القوة الوطنية الرئيسية المهيمنة على مساحة ديموغرافية وطنية أوسع.. مثلما نجحت الحركة أيضا، في تثبيت دعائم نظام سياسي واجتماعي وطني جديد وراسخ بشكل موثوق في غمار فوضى الحرب العدوانية ذاتها، لأن الأمر الذي لم يفقهه المعتدون داخليا وخارجيا حتى الآن، يكمن في أنه وتحت تأثير عوامل العدوان الخارجي، والمتزامن مع مد الردة الرجعية المتنامي في الداخل.. كانت بذور نهضة اجتماعية ثورية وطنية آخذة في التشكل باضطراد في كامل نطاق جغرافية السيادة الوطنية.
اليوم، لم يتغير شيء في شكل وأهداف مشروع العدوان ذاته سوى أنه أخذ أبعادا أخرى أكثر علانية ووضوحا في ما يخص تورط بعض أطرافه الرئيسية، فالمشاركة الأنجلوصهيوأمريكية التي كانت مبطنة في الواقع وغير معلن عنها صراحة خلال الأعوام التسعة الماضية، أصبحت اليوم عدوانا سافرا وصريحا ومعلنا عنه في إطار تبادل الأدوار ما بين أطرافه وأدواته الإقليمية والدولية.
مع أنه -أي العدوان- يفتقر كالعادة لاستراتيجية عقلانية واضحة ومقنعة تجيز له شن العدوان على بلادنا.. مثلما تنقصه في الوقت ذاته الواقعية الأخلاقية تماما ككل المشروعات والمغامرات العسكرية الأمريكية السابقة.. على غرار تدخلهم العسكري في فيتنام في ستينيات القرن الماضي بدعاوى الدفاع عن الديمقراطية والحد من التمدد الشيوعي الذي تعاظم بقوة في جنوب شرق آسيا على ضوء تدخلهم العسكري ذاك.. وفي أفغانستان أيضا حينما انبرى الأمريكان ذاتهم في سبعينيات القرن الماضي للدفاع عن الإسلام في وجه النفوذ والتمدد الشيوعي.. مفسحة بتدخلها الشاذ ذاك المجال لنشوء أبشع بعث للقوى والتنظيمات والحركات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة والتي كوت الإنسانية والعالم ولاتزال حتى اللحظة بنيرانها وشرورها بدرجة لم ينج منها حتى صناع الإرهاب ذاتهم -الأمريكان- حينما تجرعوا نتائج مغامراتهم العبثية تلك في أحداث 11 سبتمبر 2001، وبدرجة دفعتهم على إثرها وبدلا من التفكير المنطقي بنتائج غطرستهم، إلى الغوص مجددا في المستنقع الأفغاني أواخر العام 2001، بدعاوى مواجهة الإرهاب هذه المرة وترسيخ الحداثة المدنية والديمقراطية حسب زعمهم بما أسفرت عنه من نتائج عكسية أيضا أدت إلى عودة القوى الإرهابية ذاتها المستهدفة من عملية التدخل العسكري الأمريكي إلى صدارة المشهد الأفغاني والإقليمي أيضا بعد عقدين دمويين كاملين من الكذب والجريمة والدمار.
اليوم، يعول المدافعون عن العدوان من أذناب أمريكا وعملائها في المنطقة، وبالذات جلاوزة التحالف وقوى الرجعية المحلية في الداخل على القوة الأنجلوصهيوأمريكية في إنجاز ما عجزوا عن إنجازه هم خلال الأعوام التسعة السابقة ضد الحوثيين الذين أضيفت إليهم إلى جانب التهم التقليدية المسوقة ضدهم.. تهمة غسل جرائمهم المزعومة بغسيل القضية الفلسطينية.. بحسب آخر تصريحات لوزير إعلام حكومة الفنادق في هذا الشان.
غير مدركين البتة أن أبرز مكامن إخفاقهم في بلادنا يكمن في افتقارهم الرئيس للصوابية وللواقعية الأخلاقية أمام قوى ثورية مستهدفة (الحوثيين، ومجمل رواد ثورة أيلول 2014)، كانت ولاتزال الواقعية الوطنية والثورية والقومية هي الملهم الأساس بالنسبة لهم والزاد الذي مكنهم من امتلاك القدرة الفعلية على الثبات والصمود والمثابرة ضد كل الأعاصير والتحديات السابقة والراهنة.
كما أنهم في مجملهم -أي جلاوزة العدوان في الداخل والخارج- عاجزين بدرجة مؤكدة عن فهم شروط النشاط العملي الثوري الذي ينوء به ثوار على شاكلتنا، أو إدراك حقيقة أن صمود بلادنا أمام كل أعاصير العدوان ولقرابة عقد كامل هو في الواقع نتاج لاستجابة ثورية جماهيرية شعبية نامية وقوية لواقع ملموس نجح «الحوثيون» من خلاله بفضح وتعرية كل النافخين زيفا في مزامير النفاق الديني والقومي العروبي المبطن والذين ذابت وتلاشت كل شعاراتهم وجيوشهم الجهادية (الإرهابية) والمعدة من حيث المبدأ لإرهاب اليهود وتحرير القدس، مثل جيش محمد، والجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين، وتنظيمي «داعش» و»القاعدة»، والسلفية وبيت المقدس، وأرض المسرى و.. و.. و.. إلخ ذلك من مسميات لقوى باتت الآن وصناعها أيضا عارين ومفضوحين أمام شعوبهم ومجتعاتهم المخدوعة والمضللة.
لقد راكم هذا الصراع المباشر والمفتوح ضد بلادنا والمكرس في مجمله لمحاولة إخضاع بلادنا قدرا هائلا من الخبرة السياسية التي مكنت ثوار أيلول من التقدم حثيثا وبسرعة ملحوظة من مرحلة نضالية إلى أخرى في مواجهة الغطرسة والزيف، على الصعيدين الوطني والقومي، بدرجة حولت الحوثيين فعلا من مجرد مليشيات انقلابية متمردة بنظر الكثيرين في الداخل والخارج الى ملهمين فعليين لكل من يتطلع للخلاص من براثن القهر والديكتاتورية والتبعية المؤسسة على حساب أمن وكرامة واستقلال شعوبهم ومجتمعاتهم.

أترك تعليقاً

التعليقات