في رجاعية الشمايتين..القصة المتجددة للاستبداد الاجتماعي تطل بآخر فصولها المخجلة
- محمد القيرعي الأحد , 15 يـونـيـو , 2025 الساعة 1:36:03 AM
- 0 تعليقات
محمد القيرعي / لا ميديا -
سأسرد لكم خبايا قصة مروعة وغير مروية من أرض الظلال البعيدة المقصية والمحنطة في أحلك زاويا التاريخ الإنساني الآثم وأكثرها ظلاماً وسوداوية؛ قصة من الأرض الموسومة زوراً بالحكمة، رغم أنها تعد مركزاً لتعميم الدنس المعمم بـ»مشدة القبيلي» المكسوة دوماً بالعرق والأوساخ وغبار الفوضى والتخلف، كحال «عسيبه» أيضاً الحاد والمسنن والمتأهب دوماً للإجهاز على الإنسانية عند أول بادرة حياة تكتنفها.
إنها في الإجمال قصة محفورة في ذاكرة الإنسانية المطوية والمعذبة، في بلد يخلو تماماً من الأحلام، باستثناء تلك التي تراودنا معشر «الأخدام» خفية بين الحين والآخر حول أبجديات الانعتاق التي سرعان ما تتلاشى (كأمنيات عرقية) تاركة إيانا مثقلين بقيود الرق والدونية المتدلية من أعناقنا منذ لحظات الميلاد الأولى.
ففي بلاد تسكنها حصراً روح الشيطان، وتتقمصها كوابيس المطاوعة، وتتخللها العورات كفوانيس الزينة، وتبدو الرذيلة فيها محببة كطقوس العبادة ذاتها، وتموت فيها الألفة مثل اليرقات التي يجذبها وهج الضوء والنار معاً، فإن أحلامنا في الانعتاق وعيش حياة آمنة وعادلة، عادة ما تولد مقموعة ومصادرة ومذبوحة في المهد، حتى وإن راودتنا بغتة، على غرار أحلام «سبارتاكوس» وصحبه، المصلوبة على أشجار وأعمدة روما القديمة، والتي تخلدت كأحلام موءودة، من خلال تهويدته الوداعية الأخيرة المسرودة بقلم الشاعر اللبناني أمل دنقل.
وهنا تكمن مأساتنا التاريخية، التي تطل آخر فصولها المخجلة والمهينة حقاً لكل نخب الحكم المتعاقبة في بلادنا، ولمجمل دعاة ومنظري الحداثة المدنية من شاهدي الزور الكثر، مرسومة بوضوح على جباه أطفال قرية الصبرية بمنطقة الرجاعية في مديرية الشمايتين بتعز، وعلى أبدانهم العارية من الأسمال، مثلما ستجدون تفاصيلها المروعة منقوشة أيضاً على الأثر المخلف في حواف الأزقة والطرق الفرعية بالمنطقة، والمحفورة من بواطن أقدامهم الحافية التي تركت آثارها عميقاً في باطن الأرض التي استوطنها أجدادهم المهمشون لما يربو على مائتي عام مضت، قبل أن يطل مؤخراً من يتجاهل ذلك الأثر التاريخي، مسلحاً بشلله الاجتماعية المارقة، وببنادقهم المزينة بصور وأمجاد جلاوزة العدوان وأعلامهم المرفرفة، مدفوعاً بنوازعه العنصرية المتطرفة، وبنفوذه الناشئ من حواصل الفوضى الوطنية الراهنة، والمعزز كما هو معلوم بهيمنة المطاوعة.
إنه أحد جلاوزة الاستبداد الاجتماعي الجدد، المسنود إخوانجيا كما أشرنا، المدعو محمد عبد الباقي ثابت، الذي لا يحمل حتى لقباً عشائرياً واعتبارياً كباقي الأسر العريقة ذات الجذور الممتدة في المنطقة، والذي قدم مؤخراً مشمراً عن سواعده زاعماً أن الأرض التي تقطنها عشرات الأسر من «أخدام» و«مهمشي» الرجاعية مملوكة حصراً لأجداده، وليباشر من فوره وعلى ضوء مزاعمه الفارغة تلك وتجاهله المتعمد لجذور البقاء التاريخي لقاطني منطقته من «أخدام» و«مهمشي» قرية صبرية الرجاعية، في حشد قواه ونفوذه وبشمركته، لاقتلاعهم وطردهم بالقوة من جذورهم بذريعة ملكيته المزعومة للأرض التي وطئها واستوطنها أجدادهم «المهمشون» قبل ما يربو على قرنين زمنيين كاملين لخدمة أجداده هو، الذين قدموا بالطبع -كما تحكي وقائع التاريخ الآثم في بلادنا- كلصوص وكغزاة وقطّاع طرق من بلاد فارس وتركيا وأرمينيا وغيرها، لإخضاع هذه البلاد وأبنائها.
وبالنظر إلى طغيان البعد العنصري والإجرامي المروع لهذه المأساة بشقيها الاجتماعي والإنساني على الأقل، فقد تدافعت جموع القبائل بمنطقة الرجاعية، والممسوسين كما هو معلوم بالصرع الإخوانجي (كموضة سائدة)، لا لتدارك أسباب الواقعة واقتراح حلول منطقية لتلافي أي نتائج كارثية ومأساوية قد تنشأ عنها في حال إقدام هذا المتطرف العنصري على استغلال نفوذه الاجتماعي والسلطوي لتشريد «أخدام» المنطقة عبر الاستيلاء بالقوة على أرضهم ومساكنهم، وإنما لإدانة «أخدام» و«مهمشي» المنطقة برمتهم عبر الترويج لمقترح اجتماعي يقضي بضرورة المبادرة بإلزام الضحايا إجمالاً (قاطني قرية صبرية) بتحرير عقود إيجار لزاعم الملكية (الإخوانجي محمد عبد الباقي ثابت)، وذلك بغية تجريدهم من صكوك ملكياتهم التاريخية لقطع أراضيهم الصخرية الضئيلة ولمنازلهم أو أكواخهم المبنية في الأصل وفي جانبها الأعم من الطين والخرق البالية وألواح الصفيح الصدئة، لاتقاء خطر تملكهم المستقبلي للأرض والأكواخ كما يُشاع.
ومسائل أو إجراءات إخضاعية وإجرامية كتلك تعد شائعة وواردة ومحتملة جداً في الوقت الراهن، والموسوم كما هو معلوم بالظاهرة الإخوانجية، التي وإن كان جلاوزتها قد نجحوا فعلاً في هدم البنى المدنية الهشة التي كانت قد تشكلت هنا وهناك في سنوات ما قبل الحرب الراهنة، فقد فعلوا ذلك بغية إعادة إنتاج وتدوير التسلسل الهرمي الاجتماعي بتراتبيته العنصرية والفوقية المقيتة للإبقاء على منطق تقسيم المجتمع ككل بين السادة والعبيد، بحسب الوصفات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية الجاهزة لتحالف قوى اليمين الديني والعشائري، ما يعني أن واقع وحاضر ومستقبل الإنسانية معتم كلياً وأكثر سواداً وظلامية مما كان عليه قبل أن تطل علينا تلك العصابات الإخوانجية بلحاهم المسربلة وبروائحهم العفنة والمسمومة المطبقة على حياتنا كاللعنة دون فكاك.
المصدر محمد القيرعي
زيارة جميع مقالات: محمد القيرعي