محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
في أوائل الأسبوع الفائت، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة السيد هانس غراندبيرج إلى مدينتي تعز والمخا المحتلتين، وفي خطوة مفاجئة أيضاً وغير معلنة أو حتى مدروسة بطبيعة الحال، أقدمت بعض الوحدات القتالية التابعة لـ"بعبع عيال زايد" في تهامة طارق عفاش، على الانسحاب من أربع مديريات محتلة في الساحل الغربي والداخلة في مجملها ضمن النطاق الديمغرافي لمحافظة الحديدة؛ منها مديريتا التحيتا وبيت الفقيه اللتان عادتا بدورهما للحاضنة الوطنية عقب سيطرة محرري الجيش واللجان الشعبية عليهما.
وبالطبع فقد كان لتلك الخطوة المفاجئة، والتي أعقبت كما أسلفنا زيارة السيد هانس غراندبيرج للمنطقة، آثارها وتداعياتها الكارثية بالنسبة لتحالف العدوان ولمرتزقتهم في الداخل على السواء والذين تضاربت مواقفهم وتصريحاتهم إزاء تلك الخطوة لتبلغ في بعض جوانبها حد التخوين العلني وتبادل الاتهامات بين مختلف أقطاب ومكونات المرتزقة. 
فمن بلاط الأفندم هادي الذي سارع إلى إعلان عدم معرفته أو حتى استشارته في موضوع انسحاب مرتزقته، إلى المدلل الإماراتي في عدن عيدروس الزبيدي الذي نفى بدوره هو الآخر (عقب وصوله للرياض يوم الاثنين الفائت وللغرض ذاته بالطبع) علمه أو استشارته المسبقة بتلك الخطوة، إلى قطعان الإمارات المتناثرة في الساحل الغربي (الحراك التهامي) التي سارعت من جهتها إلى نفي علمها بالخطوة وإلى اتهام شريكها الرئيسي والتقليدي في مربع العمالة طارق عفاش بخيانة تهامة والتهاميين، وصولا إلى مراكز القرار في بوتقة تحالف العدوان الذين أعلنوا من جهتهم وبشكل متأخر نوعا ما، أي بعد أيام تحديدا من عودة هذه المديريات للحاضنة الوطنية، أن تلك الخطوة تمت في إطار تكتيكي وضمن استراتيجية عسكرية معدة لضمان إعادة انتشار وتموضع قوات عملائهم ومرتزقتهم في المنطقة بغية تحريرها، كما أفادوا.
المفارقة هنا تكمن ليس فحسب في كون ما حدث يبرهن بما لا يدع مجالا للشك على عدم وجود كيان مؤسسي فعلي لما يطلق عليه المجتمع الدولي زورا "الحكومة الشرعية"، بالنظر إلى حجم وعمق الفوضى الضاربة جذورها في بنيانها المفترض، بقدر ما يشير من ناحية أخرى ورئيسية، ومن خلال الوقائع اللاحقة لموضوع هذا الانسحاب الذي وصف التكتيكي، إلى صحة ما سبق وتناولناه في مقالتنا المعنونة بـ"ما المغزى من زيارة المبعوثين الاممي والأمريكي" والمنشورة في العدد (794) من صحيفة "لا" بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أي قبل يوم واحد من انسحاب مرتزقة طارق عفاش، والذي أوضحنا من خلاله الدوافع المحتملة من وراء عملية التقارب الحاصلة بين مكوني المرتزقة الرئيسين في كل من تعز والحديدة (المطاوعة وطارق عفاش) والمدفوعة بطبيعة الحال بمخاوفهم، بل وبقناعتهم الراسخة بحتمية خسارتهم مأرب في القريب العاجل، الأمر الذي فرض على تحالف العدوان ومرتزقته إلى جانب السعي لتعزيز جبهات مأرب المشتعلة بمرتزقة الساحل للحيلولة دون "سقوطها"، أو لتأخيره على الأقل، كذلك المسارعة بصفة رئيسية صوب تعز لتحصينها أولاً من "السقوط" الذي قد يلي "سقوط" مأرب الذي بات حتميا، ثم العمل بصورة مسبقة على تحويل تعز إلى نقطة ارتكاز بديلة لمأرب بالنسبة للعدوان ومرتزقته، وهي الخطوة المتوافقة في الوقت ذاته مع مساعي الأمريكان والأمم المتحدة للإبقاء على ورقتي تعز والجنوب كإحدى أدوات الضغط الرئيسية المستقبلية ضد حركة أنصار الله لفرض شروط تسوية سياسية مفصلة على مقاسهم.
هذا الواقع يتبين بجلاء، ليس فقط من خلال احتدام حدة المعارك الناشبة حالياً والتي شهدت تصعيدا ملفتا في أعقاب الانسحاب مباشرة، وخصوصاً على خطوط المواجهة في كلٍ من جبل البرح وجبل غباري، بالإضافة إلى المعارك المحتدمة في محيط مديرية حيس، وإنما أيضاً من خلال التصريحات الأخيرة التي أطلقها مبعوث إمبراطورية اليانكي إلى اليمن (تيموثي ليندركنج) يوم السبت الفائت 20 من نوفمبر الجاري، وبالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي الجنرال أوستن للمنامة، التي دعا فيها مجمل الفرقاء في معسكر المرتزقة إلى ضرورة التوحد في مواجهة "التهديد الحوثي"، كما قال.
تصريحات وزير الدفاع الأمريكي تمثل إشارة واضحة لا تعكس فحسب جدية مساعي الأمريكان الحثيثة للإبقاء على تعز كقاعدة ارتكاز قوية للعدوان كما أسلفنا وكإحدى أوراق الضغط والمساومة السياسية مستقبلا، بقدر ما تؤشر في الوقت ذاته إلى سعي الأمريكان الحثيث ومن خلال دعواتهم الموجهة لتكتيل المرتزقة في بوتقة واحدة للبحث عن مقاربة جديدة فيما يخص الوضع الداخلي اليمني بغية تجنيب دميتهم في الرياض محمد بن سلمان تبعات الهزيمة الكاملة التي باتت وشيكة لمشروعه الإخضاعي في اليمن ومن باب الحفاظ على ماء وجه النظام السعودي ليس إلا!!
ويبقى السؤال المهم في هذه الحالة متمحورا، ربما وبدرجة رئيسية، حول: ما هو الجزء الذي لم يتمكن -حتى الآن- تحالف العدوان ولا مرتزقته ولا الأمريكان والمجتمع الدولي معاً من فهمه واستيعابه من سيمفونية الصمود الشعبي والوطني المقاوم الذي بلغ أوجه حالياً بعدما قدم خلال الأعوام السبعة الفائتة أنصع صور التصدي البطولي لكل مشاريع الإخضاع الممنهح؟!
ومتى يتعين عليهم يا ترى إدراك حقيقة أن هذا الشعب الذي نجح منذ بداية العدوان ومن خلال مقاومته وبإمكانياته الشحيحة في تحدي كل ويلات الحرب والحصار والدمار والتآمر الجماعي الدولي الذي طاله، والبقاء معتمدا على روابطه الروحية العميقة بالوطن الأم، وسيكون -بالتأكيد- قادرا وجاهزا ومستعدا على الدوام للتصدي لأية مشروعات واستراتيجيات إخضاعية وعدوانية جديدة ومنبثقة مهما كانت وجهتها وتسمياتها واتجاهاتها العدوانية؟!

* الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات