محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
قبل أسبوع واحد فقط على موعد تنصيب الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، في الخامس من أغسطس الجاري، علا نباح الإخوة الجدد في أورشليم ومن ورائهم ساسة وقادة الغرب المبتذل من أمريكا إلى إنجلترا وفرنسا، ضد الجمهورية الإسلامية، ليصم آذان العالم أجمع بضجيج الشجب والإدانة للنظام الثوري المقاوم في إيران على خلفية مزاعم قيامه باستهداف ناقلة النفط «الإسرائيلية» «ميرسر ستريت» قبالة سواحل سلطنة عُمان، والتي استهدفت وفق مجمل التحليلات الاستخبارية الغربية و»الإسرائيلية» من قبل أذرع إيران في اليمن.
طبعا جميعنا ندرك أن العدائية الصهيوأمريكية والغربية المتجذرة ضد إيران ستظل هي ذاتها العدائية القديمة المتجددة، وإن كان الغريب في الحملة الأخيرة يكمن في تزامنها الملفت مع اكتساب إيران ونظامها السياسي بعداً تقدمياً وحضارياً أعمق فيما يتعلق بآلية التداول السلمي للسلطة التي بلغت مرحلة العقم والشيخوخة الاضمحلالية في منشائها الافتراضي الأول والمزعوم أمريكا وأوروبا، كما تبين للعالم أجمع خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في نوفمبر الفائت.
وهذا ربما ما حدا بالنباح المسعور إلى أن يتخطى لغة الوعيد والتهديد ليبلغ عتبة مجلس الأمن الدولي، كما جرت العادة في كل مرة، بهدف تأليب الرأي العام الدولي لخلق حالة من الإجماع الأممي بغرض إدانة إيران تمهيدا لتوفير الظروف والمناخات الجيوسياسية الملائمة للقيام بعمل عسكري ضدها، مع أن هذا الاحتمال مستبعد في المرحلة الراهنة ولأسباب عدة، لعل أبرزها -إلى جانب امتلاك إيران قوة ردع وطنية حقيقية متطورة برا وبحرا وجوا وبإمكانيات وموارد محلية متنوعة- صلابة وتماسك محور المقاومة الذي مركزه إيران وازدياد بأسه وجبروته بالنظر إلى حجم الانتصارات المحققة والمتوسعة باطراد من لبنان إلى سورية إلى اليمن والعراق، يجعل من الصعوبة بمكان على قادة الغرب و»إسرائيل» وأعوانهم من معتمري الدشداشات في المنطقة، التفكير بأي عمل عسكري جدي ضد جمهورية إيران الإسلامية دون احتساب نتائجه وعواقبه الوخيمة، بالتأكيد على أمنهم وأمن أعوانهم في المنطقة، وعلى مستقبل دويلاتهم ومشيخياتهم المترهلة.
وهذا ما يرشح، ربما، للمعركة الغربية ـ الصهيونية ضد إيران أن تأخذ أبعادا تكتيكية أخرى وأكثر خسة وضراوة مما كانت عليه.
فالجميع مجمع حاليا ومتفق تقريبا، من بينيت إلى بلينكن إلى ماكرون وجونسون، على إدانة إيران بوصفها دولة راعية لـ»الإرهاب» ومزعزعة للاستقرار الدولي والإقليمي وحاضنة للجماعات المتطرفة... إلى آخر ذلك من أوصاف.
وإن كان الغريب في هذا الشأن يكمن بالدرجة الأساس في ذلك التزامن الملفت ما بين حملة الاستهداف السياسي والتحريضي الأخيرة ضد جمهورية إيران الإسلامية، وطبيعة تلك التغييرات الجوهرية الجارية حاليا في المنطقة، لعل أبرزها تلك العودة القوية والسريعة والمفاجئة لحركة طالبان التكفيرية إلى سدة الحكم على الحدود الشرقية لإيران، وفي مؤشر واضح يدل ربما على نوايا إمبراطورية اليانكي في توظيف المجموعات الدينية الراديكالية في صراعها المستقبلي ضد إيران وحلفائها.
وهذه مسألة لا تحتاج إلى تأويل، فالفاصل الزمني القصير جدا ما بين انسحاب واشنطن وانتصار حركة طالبان يثبت بدرجة مؤكدة تورط أمريكا وضلوعها في إعادة ترتيب خارطة المنطقة والوضع الأفغاني على وجه الخصوص، وبما يمكنها من إعادة إنتاج سياستها الفوضوية القديمة المتمثلة في توظيف عوامل «الإرهاب» والتطرف والصراعات الدينية والمذهبية ضد خصومها الحاليين في محور المقاومة، وبالطريقة ذاتها التي استخدمتها خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في مواجهة الوجود السوفييتي آنذاك في أفغانستان.
ما يعني أن الأمريكان لا يزالون عاجزين حتى اللحظة عن التعلم أو الاستفادة من أخطائهم السابقة وسياستهم التي تسببت في مآسٍ إنسانية لا تتوقف.
كما أنهم غير قادرين من ناحية أخرى على تقبل واستيعاب فكرة حق الأمم الطبيعي والمشروع كإيران مثلا في انتهاج سياستها القومية المستقلة وفي ضمان أمنها وتطورها وتقدم مجتمعها بالصورة والطريقة التي تريدها.
والشيء الأهم الذي لم يفلح الأمريكان وأعوانهم في فهمه واستيعاب مضامينه حتى الآن يكمن في أن فكرة الثورة المترسخة لدى محور المقاومة ككل لا تقتصر فحسب على دولة أو حركة ثورية واحدة ومعينة، كما أنها لا تقف عند حدود مرحلة معينة أيضاً، بقدر ما هي ثورة دائمة ومتواصلة تسعى لبلوغ أهدافها المتمثلة في نيل السلام والكرامة والاستقلال عن التبعية، وذلك عبر مواصلة التصدي المستمر لتفكيك كل وسائل وأدوات الإخضاع العدواني، سواءً كانت اقتصادية أو عسكرية أو دينية أو مذهبية، وسواء كانت «إسرائيل» أو السعودية أو طالبان، لا فرق، فالمقاومة دوما جاهزة.

الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن ـ رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات