محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
كان مجرد مراسل أو بالاصح نادل في البوفية الملحقة بمبنى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بصنعاء، قبل أن تمن عليه المشيئة بنعمة الانتماء والهوية الحركية لحزب الرذيلة الإخوانجي (حزب الإصلاح) وليتحول على إثرها وفي ظل فوضى الحرب الراهنة إلى حاكم عسكري مطلق للشمايتين، تحت مسمى مدير عام المديرية.. مسنودا بمليشيا الخونج الضاربة وبحرسه العائلي وبسجنه الخاص أيضاً، بالإضافة إلى عقليته الماضوية المتبلدة التي عمقت قناعته الراسخة في أن جميع مواطني المديرية بأعراضهم وأموالهم وكرامتهم وحرياتهم المدنية والإنسانية مملوكة بشكل مشاعي له ولأسياده من جلاوزة الإصلاح إلى الحد الذي تبدو معه الشمايتين حاليا كأنها تنسحب من التاريخ الوطني ككل لتتحول إلى إقطاعية مقموعة وموروثة من حواصل القرون الوسطى تخضع بخنوع لقمع وسحل وسيطرة شلة إخوانجية متمترسة استمرأت كل أعمال القتل والسلب والفيد والجريمة المنظمة باسم القيم المشتقة من وصايا الله كما تزعم.
حيث لا أحد على الإطلاق من أبناء المدينة والمديرية على وجه العموم (باستثناء أتباعهم ومريديهم) بات في مأمن فعلي من بطش وتسلط الشيباني وحاشيته الملتحية والمبندقة، لا فرق هنا بين شيخ ورعوي، وبين موظف حكومي وشخصية اعتبارية وناشط سياسي ومثقف.. إلخ.
فالجميع دون استثناء باتوا أشبه بحقول تجارب يومية لشتى أنماط الإذلال والاستبداد الإخوانجي الفريد من نوعه واللامتناهي إن جاز التعبير، لدرجة أن بعض الأحداث والوقائع التي عايشتها في سجني خلال فترة الشهر والنصف الأخيرة من اعتقالي التعسفي والمكرسة بطريقة تفوق التصور حقا، وبما يجعل من تلك المرويات التاريخية الموروثة من حواصل أسوأ عصور الاستبداد المشيخي تعد لطيفة وملطفة للغاية قياسا بنمط الاستبداد الديني والسياسي والاجتماعي السائد حاليا والمكرس على يد عبدالعزيز ردمان الشيباني وشلة الإخوان المحيطة به والمهيمنة على كل مفاصل الحياة اليومية لمجتمع الحجرية المنكوب بلعنة أصحاب اللحي.
والأمثلة كثيرة ومتعددة على ذلك، منها على سبيل المثال، طالب جامعي في نهاية عامه الدراسي الثاني من أبناء الأصابح -شمايتين، يقود حافلة ركاب صغيرة، كان يسابق الوقت صبيحة أحد الأيام للحاق بامتحاناته السنوية المقررة حينما قاده سوء الحظ لمحاولة تجاوز موكب عبدالعزيز الشيباني لينتهي به المطاف معتقلا ليومين كاملين في زنزانتي ذاتها في سجن ما تسمى "القوات الخاصة/ الأمن المركزي"، الذي تحول في الواقع إلى سجن خاص بالشيباني.. ومع حافلته التي احتجزت هي الأخرى في حوش المجمع الحكومي، ولتنتهي معه أحلام هذا الطالب البائس في إنهاء عامه الدراسي بصورة موفقة كما أمل بعد تفويته القسري امتحان مقررين دراسيين على الأقل ما سيتعين عليه، إن كان محظوظا في ظل طفرة التصوف الاستبدادي الإخوانجي، إعادة عامه الدراسي كاملا، إذا ما حالفه الحظ في السنة المقبلة بتحاشي مصادفة موكب الشيباني لا قدر الله.
مواطن آخر في العقد السادس من عمره من أبناء مدينة التربة وهو بالمناسبة صديق طفولة يدعى جمال عبدالرحيم أحمد الإمام، تعين عليه قضاء أسبوع كامل معتقلا بأوامر من الشيباني وفي زنزانتي ذاتها على خلفية قيامه بنصب أربعة أعمدة أسمنتية فوق سطح منزله الشعبي الموروث له من والده والمجاور أصلا لمبنى المجمع الحكومي بغرض بناء غرفتين إضافيتين لاستيعاب أسرته المتوسعة وشديدة الفقر أيضا، والتي رأى فيها الشيباني على ما يبدو -أي الأعمدة الخرسانة المنصوبة فوق سطح منزل المواطن الضحية- تعاليا مرفوضا على مقامه السلطوي المبني على أوهام القوة والجبروت الإخضاعي، الأمر الذي تعين عليه إرغام المواطن البائس جمال عبدالرحيم على إزالتها كليا وبالقوة كشرط أساسي لإخلاء سبيله، بعد أن قضى سنوات طويلة ربما من عمره، ونظرا لفقره المدقع، في جمع وادخار واستجداء تكاليف إنشاء هذه الأعمدة الخرسانية التي لم تر النور الذي بات محجوبا بشمس الإصلاح المعتمة على كامل مناحي الحياة الإنسانية في المنطقة.
فيما الواقعة الأشد إثارة للغرابة والاشمئزاز معا، تكمن في مفاجأتي بمعتقلين اثنين صبيحة يوم الثلاثاء (28 نوفمبر الفائت) دلفا زنزانتي وأحدهما صديق طفولتي يدعى قيس ربيد الأديمي وجريمتهما تكمن في إلقائهما تحية الصباح على الشيباني فيما كان مزاجه الشخصي متعكرا.. ما أدى بهما إلى مشاركتي الزنزانة ليوم وليلة كاملين قبل أن يتحسن مزاج طاغيتنا المستجد ويأمر بإخلاء سبيلهما.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد طبعا.. إذ إن بعض الوقائع تعكس مدى إيغال هذا الرجل في استخدام كل أنماط ووسائل الفيد والإذلال المجتمعي بما فيها القرصنة العلنية، كما حدث مع عمال محطة وقود يملكها المواطن سليمان درهم والواقعة في الخط الدائري الغربي لمدينة التربة والذين فوجئوا إبان الحملة الأمنية الموسعة التي طالت منطقة شرجب في أغسطس الماضي عقب اغتيال مسؤول برنامج الأغذية العالمي بتعز مؤيد حميدي، بسبعة أطقم عسكرية تفد إلى محطتهم لتعبئتها بالوقود بواقع عشرين لترا للطقم الواحد، بموجب توجيهات شفوية من الشيباني، ما حدا بعمال المحطة إلى الإحجام عن تنفيذ الأمر الذي لم يصدر خطيا بحسب الأصول المتبعة في هذا السياق.. الأمر الذي أثار غضب الشيباني حينما نما إلى علمه إصرار أصحاب المحطة على الحصول على أمر خطي.. وليتحرك على ضوء هذا الموقف بحرسه المليشياوي إلى المحطة التي أرغم عمالها آنذاك على تزويد الأطقم بكمية مضاعفة من الوقود وبواقع أربعين لترا للطقم الواحد، بالإضافة إلى ستين لترا لسيارته الخاصة ومن ثم أمر بفصل التيار الكهربائي عن المحطة وإغلاقها واعتقال طاقمها الذين لم يفرج عنهم إلا بعد دفع الغرامات المقررة من الشيباني إلى جانب نفطهم المنهوب بقوة السلطة الإخوانجية التي لم يعد لها أثر شرعي وأخلاقي في نظر المجتمع.

أترك تعليقاً

التعليقات