محمد القيرعي

محمد القيرعـي / لا ميديا -
أحد المستورين جداً، والذي لا أجد داعيا لذكر اسمه هنا، كان قبل الحرب نزيلا في سجن تعز القضائي المركزي، ومدانا بجملة من القضايا الجنائية ذات الطابع الجرمي والأخلاقي، والمصنفة عمليا في خانة الحرابة، أهمها إلى جانب صنع وترويج الخمور البلدي (الهرور) كذلك تورطه في إدارة ماخور دعارة بلدي أيضاً، والأدهى أنه كان يقوم بتصوير عمليات البغاء الجنسي خلسة، أي دون علم مومساته وزبائنه الذكور.
وحينما تم ضبطه وإدانته قضائيا بالتهم المذكورة، وفيما هو ينتظر صدور الحكم القضائي النهائي بحقه، إذا بالفرج يأتيه على وقع “الحرب الأهلية”، وعلى يد “أشاوس المقاومة الإخوانجية”، الذين بادروا آنذاك وفي سياق مهماتهم الوطنية المقدسة بتحرير كل المدانين والمجرمين والمحكومين أمثاله وعلى شاكلته، والذين أصبحوا في غالبيتهم من ذوي الشأن ومن أصحاب المراتب العليا في الشرطة والجيش والقضاء والسلطة المدنية، بمن فيهم (صاحبنا القـو..د) والذي أصبح بفضل (المثالية الوطنية الحالية المرتزقة) من أبرز القادة الميدانيين في مليشيا.. أو “كتائب أبى العباس”، وإن كان أكثر ما شدني في موضوعه بالذات يكمن في الخلفية الثابتة والمزينة التي يضعها هذا “الفدائي المغوار” في صفحته بالواتس، ومفادها “ولتركعن بكم أمريكا”، ويقصد هنا بالطبع، هو وجموع المقاتلين في المليشيا التي ينتمي إليها “كتائب أبى العباس”.
وفي مدينة التربة، حاضرة الحجرية، والتي تعد منذ بداية الحرب أهم مراكز ما يسمى “المقاومة الوطنية” ذات النمط الإخوانجي البحت، ونقطة الاستقطاب الرئيسية في مناطق جنوب شرق تعز كلها للهاتفين بصرخات الفتوحات والذائدين عن حياض الإسلام المفصل على مقاس الخونج أمام “المد الوثني الفارسي” المزعوم، تم خلال الشهرين الفائتين اكتشاف شبكة واسعة ومنظمة من “المثليين” المتورطين بممارسة الشذوذ الجنسي العلني طبعاً، حيث تم ضبط واعتقال ما يربو على الخمسين متهما منهم دفعة واحدة ولايزال البحث جارياً عن آخرين، كانوا يشكلون في غالبيتهم مجموعة منظمة ومترابطة من “المثليين” لدرجة أن الكثير منهم كانوا عاقدين قرانهم على بعضهم البعض على الطريقة الغربية، ويقومون أيضاً وبشكل منتظم بتنظيم وإقامة الحفلات الخلاعية بشكل جماعي في ما بينهم وعلى طريقة الغرب أيضاً.
والأمر الأدهى من كل ذلك يكمن في أن جلهم لم يكونوا مدنيين أو حتى مواطنين عاديين، بل “مناضلين مع مرتبة الشرف” في طوابير الخونج المليشياوية في المنطقة، ومنضوين بغالبيتهم في إطار الألوية العسكرية التابعة للخونج، وعلى رأسها “اللواء الرابع مشاة جبلي”، الذي يقوده سيئ الصيت أبو بكر الجبولي.
أي بالبلدي الصريح كانوا “شواذ مبندقين بامتياز” ومناطين كل صباح بترديد النشيد الوطني أمام سارية العلم المزينة بشعارات الخونج، قبل أن يتفرغوا بقية اليوم لمداعبة بعضهم البعض، وكله محسوب في خانة النضال الوطني المقاوم لـ”الدنس المجوسي”، والعياذ بالله.
وبالطبع، فقد كان ولايزال لهذه الفضيحة وللظاهرة عموماً أثرها المدوي، بالنظر إلى حالة الهرج والمرج والتوجس الأمني والاجتماعي المحموم الذي ولدته في عموم المنطقة والمديرية، لدرجة أن أي شاب ممن تبدو عليه ملامح “الموضة والحداثة العصرية”، أي أولئك الذين يتسكعون بشعورهم المرسلة وبناطيل الجينز الضيقة يصبحون على الفور مشتبها بهم، وعرضة للاعتقال والاستجواب والمساءلة الأمنية، وهذا ما جعلني أشكر الرب على منحه إياي صلعاً ذاتياً ومكتسباً ومؤخرة ملمومة لا تصلح سوى لقضاء الحاجة فقط، وإلا لكنت مشتبها به كغيري من عتاة المناضلين القابعين حالياً في سجن الشبكة بمدينة التربة لنفس التهمة.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة وربما للغثيان معاً في هذا الصدد، يكمن في أن أغلب المنظمات الحقوقية والإغاثية الدولية والتي تمتلك فروعا ثابتة ومرفهة لها بمدينة التربة منذ بداية الحرب، مثل منظمة كير الأمريكية وأوكسفام البريطانية ويونيسف الأممية، والتي لم تقم أي منها في الواقع بإغاثة منكوب أو مظلوم أو مقموع أو منتهك وأحد طيلة فترة نشاطها الحقوقي والمدني في المنطقة، سرعان ما تقاطرت لإسناد “رواد المثلية الجدد”، عبر إصدارها للبيانات المنددة بقمعهم، بالإضافة إلى تجنيدها وتمويلها لطوابير من المحامين المحنكين والذين أنيطت بهم مهمات الدفاع عن حق هؤلاء الشباب الذين أضفوا جوا فريدا من الحداثة المدنية المفقودة، في اختيار نمط عيشهم وحياتهم بمقتضى الحقوق المدنية والإنسانية المكفولة وفق نصوص القانون الدولي الإنساني.
وكأن نشاط هذه الهيئات والمنظمات الأممية كان محصورا ومكرسا في مجمله منذ البداية، فقط لصالح “معشر العشاعيش الجدد” من دون الإنسانية المعرضة من حولهم لشتى صنوف العسف والإيذاء والتنكيل المليشياوي، والتي لم تتلق في الواقع أي عون يذكر رغم ما تحصده الحرب من أرواح في محيطهم ورغم ما يعانونه، أي المدنيون، ويتحملونه من وطأة الأعمال القتالية العسكرية والممارسات غير القانونية للجماعات والمليشيات المسلحة، لدرجة أن “المركز الأمريكي للعدالة” وفي بيان إدانته الصاعق لما وصفه بالاعتقال التعسفي لهؤلاء “الشباب العشاعيش الأبرياء” على حد زعمه، في الشمايتين، وصف المسألة بأنها تشكل اعتداء همجيا على الحريات المدنية والعامة، وتنكيلا عرقيا ولا أخلاقيا لأقلية اجتماعية وليدة من خضم الظلامية العصرية تناضل بضراوة من أجل ضمان ممارسة حقوقها وحرياتها المدنية والإنسانية بسلام وحرية ودون قيود.
في النهاية، ورغم وضاعة وانحطاط المسألة برمتها.. وخطورتها أيضاً على القيم والتقاليد المجتمعية والدينية الموروثة والمتأصلة، إلا أننا كنا نجهل حقا أن مفهوم الحرية الذي يباد شعبنا اليوم من قبل أمريكا وزنادقتها لترسيخه يمكن أن يمتد ليشمل حيز “تخـ…ث الشباب”، غير مدركين البتة أنه وبقدر ما اصطدم مشروعهم العسكري الإخضاعي والعدواني بصورة لم تكن متوقعة من قبلهم بانفلات جبار للنزعة الوطنية المقاومة والرافضة للعمالة والانصياع والتبعية، كذلك سيكون مصير أي مبادرة للمساس بإرث المجتمع وتقاليده ومعتقداته الثقافية والدينية.

أترك تعليقاً

التعليقات