المصادفة والدين الجديد
 

محمد القيرعي

محمد القيرعي / لا ميديا -
كانت المرة الأولى ربما في حياتي التي التقيت فيها وبالمصادفة البحتة (كعقائدي ماركسي، ومبشر ثوري بعلم الاجتماع السياسي والاقتصادي) بعدد من القيادات السياسية والحركية والدينية للطائفة الشيعية في اليمن (حركة أنصار الله) منتصف العام 2014، في منزل الرفيق العزيز سلطان السامعي - عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني وعضو المجلس السياسي الأعلى حالياً، في منطقة الحوبان بمحافظة تعز، حيث شمل الحضور آنذاك عدداً من قيادات الصف الأول والثاني لحركة أنصار الله، منهم على سبيل الذكر الرئيس الشهيد صالح علي الصماد، والزميل حسن الصعدي - عضو المكتب السياسي للحركة، والعميد فؤاد العماد... وآخرون.
في ذلك اللقاء الأول من نوعه الذي جمعني بهم، كنت متحفزاً كأحد «جهابذة قريش» تحسباً لقيام أحدهم بسب ديننا أو آلهتنا أو التقليل من شأن أنبيائنا وصحابتهم. فكانت المفارقة الصادمة التي ألجمتني آنذاك حينما أدركت بجلاء، ومن خلال طرحهم وأحاديثهم المنهجية والموضوعية، أن آلهتهم هي آلهتنا وأنبياءهم هم أنفسهم أنبياؤنا وقرآنهم هو ذاته الذي نشأنا عليه، باستثناء الفارق القيمي الوحيد الذي يوضح رقي وصوابية أخلاق «هؤلاء الخوارج» بحسب التوصيف المذهبي المُعمم، مقابل انحطاط ووضاعة أخلاق مناوئيهم على شاكلة بن لادن والزنداني والحجوري ومن والاهم.
إنها المثالية ذاتها التي كنت قد استقيتها أصلاً وبجلاء خلال المرحلة السابقة على هذا اللقاء من خلال احتكاكي الشخصي والرفاقي الوثيق بأحد أبرز القيادات الحركية لأنصار الله، محافظ محافظة تعز الحالي القاضي أحمد أمين المساوى، الذي ظننته في البدء يجهد وبشكل تكتيكي مدروس لتقديم صورة مقبولة ومحسنة للشيعة لدى المجتمعين السياسي والثقافي في المحافظة، قبل أن يتبين لي -من خلال اللقاء الجمعي بهم- أنهم، ومن خلال تصوراتهم الدينية والثورية البسيطة والسلسة والملطفة، يجسدون المثل الدينية والأخلاقية السوية ذاتها التي أوصى بها الرب، ونادى بها نبيه محمد، ومن سبقه أيضاً، والتي كنت قد استقيتها قبلاً كما أسلفت من الرفيق المساوى.
المثل ذاتها التي بتنا نفتقدها بشدة كمسلمين أعمانا الزيف والفجور المعمم من قبل أصحاب اللحى والسكسوكات «الداعشية» المسربلة عن رؤية الصواب في ديننا ودنيانا.
فالدين من منظور الشيعة إجمالاً هو في الأساس أداة مرنة للتبشير السلمي والمنطقي السلس بفضائله الفلسفية والروحية، فهم يعارضون استخدام العنف لفرض أجندتهم الدينية، ولا يفتون بالمطلق بإهدار دم امرئ، أياً كان، بريئاً أو ضالاً. كما أنهم لا يعظون بتكفير خصومهم ومناوئيهم، ولا يشرعون استباحة دماء وأموال وأرواح وأعراض الآخرين بالصورة التي دأب عليها دعاتنا المفترضون من منظري الزيف والإرهاب والرذيلة على امتداد المعمورة.
إنهم في الإجمال (أي الشيعة) فتية حُظر علينا تاريخياً الإنصات لهم أو الاستماع لحججهم تحت طائلة الحرمان من دخول الجنة التي لا يمكن ولوجها إلا بموجب صك تزكية مباشر من قبل الزنداني أو الحجوري أو بن لادن أو عبدالله عزام... إلخ، فيما الهدف الأسمى لمنظري الزيف والإرهاب الدعوي هؤلاء يكمن في إبقائنا، كأمة وكشعوب عربية وإسلامية، عالقين على الدوام في مستنقعات الفوضى والإرهاب والتخلف والتبعية العمياء لأعدائنا.
وتبقى مشكلة الشيعة الرئيسية، في جانبهم الأعم، كامنة -من وجهة نظري- في افتقارهم، وأينما وُجدوا وبمختلف مكوناتهم الحركية والفلسفية، وعلى امتداد تاريخهم الوجودي، إلى استراتيجية فلسفية ومنهاجية فعالة لتقديم أنفسهم لشعوبهم ومجتمعاتهم ولأمتهم العربية والإسلامية بصورة موضوعية وسليمة على ما هم عليه، وبدون رتوش، إن جاز التعبير.
إنهم في الإجمال بحاجة إلى خوض معركة فكرية ضروس ترتقي إلى مستوى بسالة وشراسة معاركهم الثورية التي يرفضون من خلالها المساومة بأي شكل يمس أمن واستقلال وكرامة شعوبهم ومجتمعاتهم؛ معركة ضد الفكر الدعوي الانهزامي المسموم والمشوه، وبما من شأنه تصويب المسار التبشيري والأخلاقي والديني للأمة، وفضح مكامن الزيف والفجور الدعوي والإرهابي المعمم على أوسع نطاق ممكن لخدمة أعداء الملة، والتي لا تحتاج سوى لمكنسة فكرية لكنسها بعيداً إلى مزبلة التاريخ.

أترك تعليقاً

التعليقات