أنس القاضي

أنس القـاضي / لا ميديا -
في 13 حزيران/ يونيو الماضي، شن الكيان الصهيوني عدواناً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، استهدف منشآت نووية ومدنية، وأسفر عنه استشهاد علماء ومسؤولين عسكريين، وعدد من المدنيين. جاءت هذه الهجمات في خضم تعثر المحادثات النووية، وترافق ذلك مع عدوان صهيوني مستمر على غزة، واعتداءات من وقت لآخر على ولبنان وسورية واليمن.
في مواجهة هذا التصعيد، أطلقت القوى اليسارية في العالم موجة من الإدانات والتحليلات التي كشفت عن حضور لافت للخطاب المناهض للإمبريالية والصهيونية، والرافض للحرب، والداعم لحق الشعوب في الدفاع عن سيادتها وتقرير مصيرها، في ظل انبعاث يساري جديدي مواكب للتحولات في النظام العالمي وتراجع الأحادية القطبية.

الجهات اليسارية التي أصدرت بيانات متضامنة هي: الحزب الشيوعي الروسي بقيادة غينادي زيوغانوف، وهو نائب في مجلس الدوما وزعيم تاريخي لليسار الروسي، يوري أفونين - قيادي بارز في الحزب ونائب في مجلس الدوما، أناستازيا أودالتسوفا - نائبة عن الحزب الشيوعي وزعيمة الجبهة اليسارية الروسية، حزب العمال الشيوعي الروسي، الحزب الشيوعي البيلاروسي، الحزب الشيوعي اليوغوسلافي الجديد (صربيا)، الحزب الشيوعي البريطاني، الحزب الشيوعي الألماني، حزب الحُمر النرويجي، مبادرة "العمل الشيوعي الأوروبي" التي تضم عدة أحزاب من الاتحاد الأوروبي، الحزب الشيوعي اليوناني، الحزب الشيوعي الإسباني الماركسي اللينيني، الحزب الشيوعي البرتغالي، حزب توده الإيراني (الشيوعي المحظور)، الحزب الشيوعي الهندي (CPI)، الحزب الشيوعي الهندي (ماركسي)، الحزب الشيوعي الهندي (التحرر الماركسي اللينيني)، الحزب الاشتراكي الثوري، كتلة "إلى الأمام"، مركز الوحدة الاشتراكية الشيوعي، الحزب الشيوعي الباكستاني، (وزارة خارجية كوريا الشمالية (بيان رسمي)، الحزب الشيوعي الثوري النيبالي، وعشرة أحزاب يسارية في نيبال أصدرت بياناً مشتركاً، الحزب الشيوعي الأسترالي، الحزب الشيوعي الفنزويلي، الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي، وزارة العلاقات الخارجية الكوبية، تحالف ألبا (التحالف البوليفاري لشعوب أمريكا اللاتينية)، الحزب الشيوعي الكندي، الحزب الشيوعي الأمريكي، اتحاد نضال العمال الفلسطيني، والحزب الشيوعي الفلسطيني، الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب الاشتراكي اليمني، الحركة التقدمية الكويتية، الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي، مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية الجنوب أفريقي، الجبهة السنغالية من أجل ثورة شعبية أفريقية مناهضة للإمبريالية، ما يسمى بـ"الحزب الشيوعي الإسرائيلي"، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، ما يسمى بـ"اتحاد الشبيبة الشيوعية الإسرائيلية".
كما وقعت أحزاب يسارية عربية عديدة بياناً مشتركاً يدين العدوان ويطالب بوحدة الموقف ضد الصهيونية والإمبريالية. وهذه الأحزاب هي: الحزب الشيوعي الأردني، المنبر التقدمي في البحرين، الحزب الشيوعي السوداني، الحزب الشيوعي السوري الموحد، الحزب الشيوعي العراقي، حزب الشعب الفلسطيني، الحركة التقدمية الكويتية، الحزب الشيوعي اللبناني، الحزب الشيوعي المصري، وحزب التقدم والاشتراكية المغربي.
تشكل هذه المواقف اليسارية المتعددة تعبيراً عن تيار أممي واسع يرفض منطق الحروب والهيمنة، ويُعيد تأكيد مركزية النضال ضد الإمبريالية والصهيونية في قلب المشروع اليساري العالمي.
لكنّ هذا الخطاب لم يكن موحداً بالكامل؛ فقد كشفت المواقف أيضاً عن فوارق بين تيارات اليسار، الغربي والعربي والآسيوي واللاتيني، تتصل بطبيعة التجربة التاريخية، والموقع من الدولة، وحدود الخطاب البراغماتي والمبدئي.

البعد الإمبريالي في العدوان على إيران
اعتبرت القوى اليسارية العالمية أن العدوان الأخير استمراراً استراتيجياً لحروب الهيمنة الغربية على الشعوب المستقلة، وخاصة في منطقة غرب آسيا؛ وأجمعت معظم القوى الشيوعية واليسارية على أن العدوان على إيران ليس نتيجة خلاف تقني حول برنامج نووي، بل جزء من مشروع إعادة تشكيل المنطقة الذي تقوده الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها في الناتو والكيان الصهيوني.
تمت المقارنة بين العدوان على إيران وسوابق تاريخية مثل غزو العراق 2003، وتدمير ليبيا 2011، وإسقاط سورية 2025، ودعم "إسرائيل" في تدمير لبنان وغزة.
وصف اليسار "الإسرائيلي" والفلسطيني والعربي، ومعهم أحزاب آسيوية ولاتينية، "إسرائيل" بأنها أداة صهيونية لتنفيذ المشروع الأمريكي، ورأس رمح العدوان، وكيان وظيفي يمارس دوره التوسعي عبر الحروب. ونددت مواقف عديدة بنفاق الدول الغربية التي تدعم العدوان على إيران بينما تتحدث عن "القانون الدولي" و"حقوق الإنسان".
في العموم قدم اليسار العالمي قراءة موحّدة في جوهرها، ترى أن العدوان على إيران ليس دفاعاً عن السلام أو منع الانتشار النووي، بل عمل عدواني إمبريالي يستهدف استقلال الشعوب، ويخدم مصالح رأس المال العابر للحدود، وهو جزء من حرب واسعة ضد القوى المستقلة في العالم، تشنها واشنطن و"تل أبيب" وأدواتهما.

الحرب كأداة في يد رأس المال الإمبريالي
مثّل تحليل البُعد الطبقي والاقتصادي للعدوان على إيران أحد المكونات المركزية في خطابات الأحزاب الشيوعية واليسارية، خاصة في آسيا وأميركا اللاتينية وبعض أطراف أوروبا، خصوصاً الماركسية اللينينية. وقد اعتبرت هذه القوى أن الحروب المعاصرة ليست مجرد استجابات أمنية أو نزاعات جيوسياسية، بل هي في جوهرها امتداد مباشر لعلاقات الإنتاج الإمبريالية، وتعبير عن أزمة الرأسمالية العالمية في طورها النيوليبرالي المتوحش.
أشار الحزب الشيوعي الباكستاني بوضوح إلى أن العدوان على إيران يُعبّر عن الطبيعة الحقيقية للرأسمالية المعولمة؛ إذ جاء في بيانه: "كل قنبلة تُلقى، وكل صاروخ يُطلق، وكل طائرة مسيرة تُحلّق، تُملأ بها جيوب مُصنّعي الأسلحة وأباطرة رأس المال العسكري، الذين لا يرون في الحرب مأساة بل تجارة مربحة".
وأضاف أن الحرب ليست حدثاً طارئاً، بل "آلية يومية للبقاء الإمبريالي"، في ظل أزمة طويلة الأمد تُواجهها الرأسمالية العالمية، وتسعى إلى تصديرها من المركز إلى الأطراف.

اليسار العربي والإيراني
عدد من الأحزاب، ركزت على أن العدوان يهدف إلى: تقويض سيادة إيران واستقلال قرارها الاقتصادي، وتفكيك بناها الصناعية والتقنية، وفرض التبعية المالية والتجارية، والسيطرة على ممرات الطاقة العالمية، وخاصة مضيق هرمز.
في بيان الحزب الشيوعي الفنزويلي، اعتُبر العدوان جزءاً من مشروع توسعي للهيمنة الاقتصادية، حيث أشار إلى أن: "توسّع رأس المال الإسرائيلي في الشرق الأوسط، متأثراً ليس فقط بالصراع مع الشعب الفلسطيني، بل أيضاً عبر تعديل الحدود ومصادرة الأراضي، يرتبط مباشرة بالمصالح الطبقية للبرجوازية العابرة للحدود". وشدد البيان على أن الحروب ليست معزولة عن منطق التراكم الرأسمالي، وأن التدمير وإعادة الإعمار القسري يمثلان حلقة أساسية في دورة الربح الإمبريالية.
الطبقة العاملة هي الخاسر الأكبر في كل الجبهات. كرّر عدد من الأحزاب هذا المبدأ، خاصة، الحزب الشيوعي الباكستاني، الذي قال: "العمال في الولايات المتحدة والعالم يجب أن يدركوا أن عدوهم الحقيقي ليس في طهران، بل في وول ستريت والبنتاغون".

التضامن الأممي مع إيران وفلسطين
في خضم العدوان "الإسرائيلي" - الأمريكي على إيران، برزت موجة تضامن أممي واسعة من قِبل الأحزاب الشيوعية واليسارية والمنظمات التقدمية حول العالم، لم تقتصر على الإدانة اللفظية، بل تعدّت ذلك إلى تبني مواقف مبدئية صريحة، وتنظيم احتجاجات جماهيرية، والدعوة لتوسيع النضال ضد الإمبريالية والحروب، مع التأكيد على الترابط العضوي بين النضال الإيراني والفلسطيني واللبناني واليمني والسوري ضد المشروع الصهيوني والإمبريالي.
انطلقت قوى اليسار العالمي في تضامنها مع إيران من مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية في مواجهة الهيمنة الإمبريالية، رغم اختلاف كثير من هذه القوى مع طبيعة النظام الإيراني داخلياً. وأبرز من عبّر عن هذا الموقف: حزب تؤده الإيراني (المحظور): رفض العدوان رغم معارضته للجمهورية الإسلامية، مؤكداً أن "تقرير مصير الوطن لا يتم بيد الإمبريالية".
هذا النوع من المواقف عبّر عن فهم مادي سياسي يرى في الدفاع عن دولة غير اشتراكية ليس دعماً لنظامها، بل وقوفاً ضد تحويلها إلى مستعمرة تابعة.
لم يكن التضامن مع إيران معزولاً عن القضية الفلسطينية، بل اعتبرته أغلب الأحزاب امتداداً طبيعياً لمعركة التحرر من الصهيونية. وقد جاء هذا بوضوح في بيانات الحزب الشيوعي الفنزويلي والبيلاروسي والسوري والفلسطيني، واللبناني، والاشتراكي اليمني، وغيرهم، حيث أكدت أن العدوان على إيران لا ينفصل عن حرب الإبادة "الإسرائيلية" الجارية في غزة.
هذا الربط بين القضيتين مثّل استعادة لروح الأممية الثورية التي ترفض الفصل بين الجبهات، وتعتبر كل ضربة ضد قوى المقاومة ضربة ضد حركة التحرر العالمية.

مظاهر التضامن العملي
لم تقتصر المواقف على البيانات، بل شهدت عدة دول مظاهرات شعبية وجماهيرية، أبرزها فنزويلا التي خرج فيها آلاف المتظاهرين في كاراكاس دعماً لإيران وفلسطين، برعاية الحزب الاشتراكي الموحد والحزب الشيوعي.
وفي ألمانيا خرجت مظاهرة حاشدة في برلين ضد العدوان على إيران والإبادة في غزة، نظمها الحزب الشيوعي الألماني، وفي الهند نظمت الأحزاب اليسارية مسيرات غاضبة واحتجاجات على مستوى البلاد.
وفي الولايات المتحدة، في تجمّع انتخابي كبير نظمه بيرني ساندرز تحوّل التجمع إلى مظاهرة ضد الحرب، وسط هتافات: "لا مزيد من الحروب!".
في بريطانيا برزت حملة مطالبة بمقاطعة "إسرائيل" وفرض عقوبات عليها، بقيادة الحزب الشيوعي البريطاني.
وفي النيبال نظمت الأحزاب اليسارية النيبالية تظاهرات تضامنية مع إيران رفعت شعار أوقفوا الحروب الإمبريالية. 
وفي الأراضي المحتلة، شارك أعضاء في الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية في احتجاجات ضد الحرب.

تفاوت الخطاب داخل معسكر اليسار العالمي
رغم وحدة الموقف العام للقوى اليسارية العالمية في إدانة العدوان الأمريكي - "الإسرائيلي" على إيران، إلا أن الخطاب اليساري لم يكن متجانساً تماماً. فقد ظهرت تباينات فكرية وسياسية بين التيارات اليسارية حسب الموقع الجغرافي، والسياق السياسي، وعلاقة الأحزاب بالدولة أو بالمعارضة، والتقليد الأيديولوجي الذي تنتمي إليه.

اليسار الغربي
يتراوح اليسار الغربي بين التيارات الشيوعية الجذرية، والتيارات الديمقراطية الاجتماعية والليبرالية اليسارية. 
الأحزاب المبدئية والثورية هي: الحزب الشيوعي اليوناني، والحزب الشيوعي البريطاني، والألماني، واليوغوسلافي الجديد (صربيا)، والحُمر (النرويج)، والشيوعي الإسباني الماركسي، والتي أدانت العدوان بشكل صريح، ونددت بـ"إسرائيل" كدولة فاشية تمارس إرهاب دولة، وطالبت بقطع العلاقات معها، ودعت إلى مقاطعة ومحاسبة الأنظمة الغربية الداعمة للعدوان.

يسار برلماني إصلاحي
عضو مجلس الشيوخ الأمريكي الاشتراكي بيرني ساندرز، واليسارية الألمانية الديمقراطية سارة فاغنكنيشت، ومعظم أحزاب مجموعة العمل الشيوعي الأوروبي، والكندي، والأمريكي، والبرتغالي، والاسترالي، أدانوا العدوان، وأبرزوا عدم دستوريته وخطورته على السلام؛ لكنهم لم يضعوا العدوان في سياقه الإمبريالي التاريخي، ولم يتبنوا خطاباً راديكالياً يربط بين الحرب والرأسمالية، بل ركزوا على "الأمن" و"الدبلوماسية".
وكثير من هذا اليسار الغربي في الغالب مرتبط بمؤسسات الدولة أو يعمل ضمن برلمانات ليبرالية، أو يتعرض لقيود سياسية، ما يجعله إصلاحياً في خطابه السياسي.

مشكلة اليسار "الإسرائيلي"
الحزب الشيوعي "الإسرائيلي" (غير الصهيوني)، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، نددوا بالحرب على إيران وغزة؛ لكنهم واقعون تحت ضغوط شديدة، حيث يتعرضون للقمع، ومن حيث كون الشيوعيين العلمانيين من المهاجرين اليهود -بخلاف الشيوعيين من عرب 48 في ذات الحزب- جزءاً من كيان الاحتلال ومن حالة الاستيطان، فجمع خطابهم بين دعم المقاومة والتضامن مع إيران، ومطالبة حكومة نتنياهو بـ"ضبط النفس"، فهو أقرب إلى موقف اليسار الأوروبي الإصلاحي.
اليسار العربي في فلسطين، لبنان، سورية، اليمن، الكويت، وتونس، تميز بخطاب أكثر وضوحاً وعاطفة وجذرية، وربط العدوان بالمشروع الصهيوني ومخطط "الشرق الأوسط الكبير"، رافضاً ازدواجية الخطاب الغربي.
اليسار الفلسطيني اعتبر أن المعركة ضد العدوان واحدة، سواء في غزة أو طهران.
اليسار الإيراني (حزب توده المحظور) قدّم نموذجاً فريداً من اليسار المعارض للنظام الإسلامي والداعم له ضد العدوان، إذ فرّق بين معارضته الداخلية لشكل الحكم، وبين الموقف الوطني في مواجهة الإمبريالية، ورفض عودة الملكيين و"المجاهدين" كقوى مدعومة من واشنطن.

أمريكا اللاتينية
الحزب الشيوعي الفنزويلي، الحزب الاشتراكي الموحد، كوبا، ألبا، قدموا خطاباً راديكالياً، أممياً، يرى في العدوان استمراراً للاستعمار الجديد، وربطوا العدوان بالسعي لتقويض أي تجربة سيادية مناهضة للرأسمالية، ووصفوا "إسرائيل" بـ"الذراع التنفيذية لرأس المال العابر للحدود".
الحزب الشيوعي التشيلي، وحزب العمال البرازيلي، كان خطابهما السياسي أقرب إلى خطاب اليسار الأوروبي، الذي عبر عن القلق، وتطرق للقضية من الجانب القانوني، وحذر من اشتعال المنطقة.

آسيا
اليسار في الهند وباكستان وكوريا الشمالية قدم خطاباً مبدئياً ومعادياً بحدة للولايات المتحدة، ويرى أن الحرب ليست بين دول، بل بين البروليتاريا العالمية والإمبريالية.

أفريقيا
اليسار الأفريقي كان الأضعف. المواقف الواضحة كانت من يسار مصر ودول المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب) والسودان، فيما بقية قوى اليسار الأفريقية لم يصدر عنها موقف، باستثناء حركة "مناضلون من أجل الحرية الاقتصادية" الشيوعية الجنوب أفريقية، و"الجبهة من أجل ثورة شعبية أفريقية مناهضة للإمبريالية" في السنغال.

التناقضات الفكرية في الموقف من إيران
بعض تيارات اليسار الغربي ترى أن دعم إيران صعب، بسبب نظامها الديني المحافظ، وهو ما يدفعها للصمت أو التحفظ، في حين أن اليسار الآسيوي والعربي واللاتيني يفصل بين نقد النظام الداخلي وواجب مقاومة الإمبريالية. هذا التناقض يكشف الفارق بين اليسار البرلماني المُدمَج في الدول الأوروبية، واليسار المعارض أو حتى الحاكم في دول الجنوب العالمي.

التحذير من الحرب العالمية والصعود الفاشي في النظام الدولي
في خضم مواقف إدانة العدوان الأمريكي - "الإسرائيلي" على إيران، ذهب عدد من الأحزاب والشخصيات اليسارية إلى ما هو أبعد من نقد الحدث في سياقه الإقليمي، مُحذرين من أن العالم يعيش لحظة ما قبل الانفجار الكبير، وأن العدوان يمثل إحدى بوابات الانزلاق نحو حرب عالمية ثالثة تُدار بأساليب هجينة، وتُغلف بخطاب "الردع النووي" أو "الأمن القومي"؛ لكنها تخفي في جوهرها صعوداً متجدداً للفاشية المعولمة على أنقاض القانون الدولي والعدالة والسيادة الوطنية.
وصف عدد من الأحزاب "إسرائيل" بأنها نظام فاشي، و"دولة" تمارس إرهاباً ممنهجاً مدعوماً من واشنطن، وشريك مباشر في تغذية الكوارث العالمية. وأنها لم تعد تهدد فقط فلسطين أو إيران، بل تدفع المنطقة والعالم نحو حرب نووية.
أشارت كوريا الشمالية إلى أن الهجوم على إيران يؤكد مجدداً صحة قرارها امتلاك السلاح النووي، مشيرة إلى أن عدم امتلاك إيران لقوة ردع نووية يجعلها عرضة للهجوم.
كمما أشار الحزب الشيوعي الروسي إلى أن "الثالوث النووي" الروسي هو الضامن الوحيد لردع العدوان الغربي على بلاده. أما اليسار الغربي "المعتدل" فقد حذّر من التصعيد؛ لكنه غالباً تجنّب الخوض في مناقشة حقيقية لمعادلة الردع النووي.
في المقابل، دعت قوى اليسار العربي والإيراني وفي الأراضي المحتلة إلى نزع السلاح النووي من كافة أنحاء "الشرق الأوسط"، بما في ذلك من كيان الاحتلال "إسرائيل".
وأشارت عدة أطراف يسارية إلى أن ما نشهده اليوم هو عودة الفاشية المعولمة بثوب ليبرالي، وصعود سلطة الشركات العسكرية والتقنية، وتحالف بين الرأسمالية واليمين المتطرف والصهيونية لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق نموذج الهيمنة والاستعمار الحديث.
أجمعت غالبية بيانات الأحزاب اليسارية العالمية على توجيه نقد شامل لبنية النظام العالمي القائم، وما يُسمى "النظام الدولي القائم على القواعد"، الذي اعتُبر أداةً لشرعنة الحروب الإمبريالية وتبرير الكيل بمكيالين. وقد كشف هذا الخطاب عن رؤية يسارية راديكالية ترى أن العلاقات الدولية اليوم محكومة بمنطق الهيمنة والتمييز الطبقي والجغرافي بين "شمالٍ مهيمن وجنوبٍ مستباح".
هاجمت الأحزاب الشيوعية الأساس الذي تستند إليه واشنطن وبروكسل لتبرير العدوان، حيث وُصف "النظام القائم على القواعد" بأنه غطاءٌ أيديولوجي لإضفاء شرعية زائفة على الهيمنة، ونظام استثنائي يسمح للولايات المتحدة و"إسرائيل" بامتلاك الأسلحة النووية بينما يُحرّم على غيرهما حتى الطاقة السلمية.
نددت الأحزاب اليسارية بتلاعب القوى الغربية بالقانون الدولي، فالولايات المتحدة تشن حروباً استباقية دون تفويض من مجلس الأمن، و"إسرائيل" تُمارس الإبادة الجماعية في فلسطين وسورية ولبنان وإيران، دون محاسبة، بينما تُفرض العقوبات على دول الجنوب العالمي المستقلة.
وقدمت قوى اليسار العالمي رؤى بديلة تقوم على احترام سيادة الشعوب، وإنهاء الهيمنة والاحتلال، وإرساء نظام اقتصادي عالمي قائم على العدالة لا النهب، وتفكيك الأحلاف العسكرية العدوانية كحلف "الناتو"، ونزع السلاح النووي من المنطقة "الشرق الأوسط"، وفرض الرقابة الدولية على الجميع دون استثناء.

أترك تعليقاً

التعليقات