قراءة في تقدير مركز استخبارات أمريكي لاحتمال تجدد المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني
- أنس القاضي الثلاثاء , 25 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 12:08:02 AM
- 0 تعليقات

أنس القاضي / لا ميديا -
صدر في 12 نوفمبر الجاري عن «RANE Network»، تقرير تقدير موقف أمني بعنون: «ماذا يعني صراع (إسرائيلي -يمني) متجدد بالنسبة لليمن وأمن الخليج؟»، وهي منصّة أمريكية متخصّصة في استخبارات المخاطر الجيوسياسية والأمنية، تُعنى بمتابعة التهديدات التي تطال سلاسل الإمداد العالمية، وحركة الشحن البحري، والبنية التحتية للطاقة في منطقة «الشرق الأوسط».
وتقدّم (RANE) تقارير موجهة أساساً إلى شركات الملاحة والطاقة، والمؤسسات المالية الغربية، والدوائر المرتبطة بالأمن القومي الأمريكي، ما يجعل مقاربتها للأزمات الدولية قائمة على زاوية «إدارة المخاطر» لا على فهم الديناميات السياسية والاجتماعية المحلية.
في هذا السياق، يتعامل التقدير الأمريكي مع اليمن -ولا سيما القدرات الوطنية في صنعاء- باعتبارها عامل اضطرابٍ أمنياً واقتصادياً يُهدّد منظومة الهيمنة البحرية الغربية في البحر الأحمر والخليج، لا باعتبارها طرفاً سيادياً يواجه عدواناً خارجياً.
وتأتي القراءة التي تقدمها المنصّة حول احتمالات تجدّد المواجهة (اليمنية -«الإسرائيلية») ضمن إطار أوسع من الرؤى الاستخباراتية الأمريكية التي تسعى إلى تقييم أثر أي تصعيد على الملاحة الدولية، وأمن الطاقة في الخليج، واستقرار الأنظمة الحليفة لواشنطن، وحسابات الصراع مع محور المقاومة وإيران.
وعليه، فإن تحليل هذا التقدير يُتيح فهماً عميقاً لكيفية تفكير العقل الأمني الأمريكي تجاه اليمن، وكيف يُعاد إنتاج الصراع من الخارج بوصفه ملفاً (بحرياً -اقتصادياً) لا نزاعاً سياسياً يرتبط بحق اليمن في الدفاع عن سيادته. ومن هنا تنطلق هذه الورقة لتفكيك القراءة الخارجية، واستنباط دلالاتها، وتقييم انعكاساتها على البيئة الإقليمية وصنعاء على حدّ سواء.
الإطار العام للرؤية الأمريكية
يعكس التقرير الصادر عن (RANE) نموذجاً كلاسيكياً للقراءة الأمريكية للصراع في اليمن، حيث يتم التعامل مع المواجهة اليمنية -الإسرائيلية باعتبارها جزءاً من «هندسة المخاطر» في البحر الأحمر والخليج، لا كصراع سياسي مرتبط بحق اليمن في مقاومة العدوان.
تتأسس الرؤية الأمريكية على ثلاث ركائز مركزية:
الأولى: أمن الملاحة العالمية بوصفه مصلحة أمريكية مباشرة.
والثانية: تحجيم القدرات الوطنية اليمنية لأنها تُعدّ في نظر واشنطن تهديداً لمنظومة الهيمنة البحرية في البحر الأحمر.
والثالثة: منع تشكّل توازن ردع يمني -إسرائيلي قد ينعكس على الخليج ويحدّ من قدرة واشنطن على إدارة الصراع الإقليمي.
من هنا، ترى واشنطن أن أي تجدّد للمواجهة بين صنعاء وإسرائيل يحمل مخاطر تتجاوز ساحات الاشتباك، وقد يفتح أبواباً سياسية وأمنية واقتصادية تمسّ الخليج والبحر الأحمر.
مؤشرات التصعيد كما يقرأها الأمريكيون
يتعامل التقرير مع جملة من التطورات بوصفها إشارات مباشرة على اقتراب جولة جديدة من الاشتباك، وتشمل:
- تهديدات إسرائيل العلنية بإعادة استهداف مواقع حيوية للقدرات اليمنية (ميناء الحديدة، مراكز القيادة).
- تصريحات القيادات اليمنية التي تربط أي اعتداء جديد باستئناف الرد على إسرائيل وحصار البحر الأحمر.
- محاولات مرتزقة الاحتلال اعتراض «شحنات سلاح إيرانية» بوصفها دليلاً على استمرار خطوط الدعم لصنعاء.
- تعبئة قبلية شمالية ضخمة، و»تهيئة جغرافية» تقوم بها صنعاء عبر الأنفاق والكهوف كجزء من التعزيز الدفاعي.
- الغارات الإسرائيلية السابقة التي استهدفت قيادات يمنية بارزة (الغماري، الرهوي) وتؤسس لرغبة في «قطع الرأس» حد تعبيرهم.
وفق القراءة الأمريكية، هذه المؤشرات تعني أن: احتمال الرد الإسرائيلي قبل نهاية العام مرتفع جداً، واحتمال الرد اليمني يكاد يكون مؤكداً.
كيف يفكّر الأمريكيون في مستقبل الهدنة داخل اليمن؟
ترى واشنطن أن أي ضربة إسرائيلية واسعة قد تُنتج ثلاثة مسارات متوازية:
إضعاف مؤقت للقوات المسلحة اليمنية، على مستوى القيادة والسيطرة، وبالتالي خلق «نافذة» للفصائل المدعومة إماراتياً لمحاولة التقدم وإغراء الفصائل العميلة بدعم أمريكي -إسرائيلي -إماراتي لاستغلال اللحظة، خاصة العمالقة، دفاع شبوة، قوات الساحل، الفصائل المحسوبة على المجلس الانتقالي، وانهيار تدريجي للهدنة اليمنية المعتمدة منذ 2022م، مع عودة خطوط التماس للاشتعال.
لكن الأمريكيين يعترفون في تقاريرهم بثلاث حقائق صلبة، حد تقديرهم: القدرات اليمنية باتت متماسكة وموزعة جغرافياً بطريقة تجعل الضربات الإسرائيلية محدودة التأثير، والسعودية ليست راغبة في العودة للحرب، بل تعتبر انهيار الهدنة خطراً على أمنها الداخلي، والإمارات قادرة على التصعيد أكثر من السعودية، لأنها أقل عرضة للرد اليمني المباشر، لذلك تتوقع واشنطن تصعيداً محدوداً لا ينفجر إلى حرب واسعة، لكنه يفتح الباب لفوضى أمنية تستنزف اليمن ولا تسمح بحسم داخلي.
البحر الأحمر والملاحة
يعكس التقرير الأمريكي قناعة بأن أي رد يمني على إسرائيل سيعود مباشرة إلى البحر الأحمر، عبر استهداف السفن المرتبطة بالاحتلال أو بالولايات المتحدة أو الشركات الغربية.
وترى واشنطن أن التبعات ستكون خطيرة: ارتفاع أسعار التأمين البحري. ودفع الخطوط العالمية إلى التحويل حول رأس الرجاء الصالح. وضغط اقتصادي على الخليج ومصر، وإثارة قلق الأسواق النفطية العالمية، ومنح الصين وروسيا مكاسب جيوسياسية في مسرح البحر الأحمر.
ووفق التحليل الأمريكي، فإن القدرة اليمنية على تهديد الملاحة لا تزال مرتفعة رغم الضربات الإسرائيلية، لأنها تعتمد على منصّات متفرقة، وصواريخ مخفية، وطائرات انتحارية بعيدة المدى، ونقاط إطلاق ساحلية مخفية في عمق الساحل.
كيف يرى الأمريكيون الخليج الرياض وأبوظبي؟
يفترض التقرير وجود اختلاف جوهري، الإمارات بحسب تقديره، الأكثر استعداداً لاستثمار أي إضعاف يمني لشنّ “تحرك بري” داخل اليمن. تعتبر معركة اليمن -إسرائيل، فرصة لاختبار حدود القدرات اليمنية، ترى البحر الأحمر مسرح نفوذ جديد (جزيرة زقر -باب المندب) فيما السعودية لن تدعم أي تصعيد ضد صنعاء خشية رد يمني مباشر يضرب عمق أراضيها، وتفضّل استمرار خارطة الطريق والحوار، وتعتبر العودة للحرب تهديداً لهشاشة الداخل السعودي. تخشى أن يدفع أي تصعيد أمريكي -إسرائيلي صنعاء لضرب منشآت النفط.
«القاعدة»
يستخدم التقرير تنظيم القاعدة في جزيرة العرب للتأكيد على أن أي انهيار للهدنة سيخلق فراغات أمنية، والفصائل المدعومة إماراتيًا في شبوة وحضرموت تُعدّ بيئة رخوة.، ويقدر أن إمكانية توسع القاعدة نحو عمليات خارجية «محدودة» لكنها مؤثرة إعلاميا. هذه النقطة جزء من الرواية الأمريكية التقليدية التي تربط كل صراع في اليمن بـ»خطر الإرهاب» لتبرير وجود عسكري واستخباراتي أطول أمداً.
الدلالات العميقة للرؤية الأمريكية
من خلال تحليل النص الأمريكي، يمكن استخلاص 7 دلالات استراتيجية:
- أمريكا وإسرائيل تعتبران اليمن اليوم جزءاً من محور الردع الإيراني وبالتالي يتم التعامل معه كجبهة مستقلة.
- الخوف الأكبر لواشنطن ليس الصواريخ اليمنية بل تهديد البحر الأحمر الذي يمسّ الاقتصاد العالمي.
- الإمارات تلعب دور الوكيل الهجومي الذي يملأ الفراغ الذي تتركه السعودية.
- السعودية تُعامل كحليف متردد يحتاج إلى تطمينات لا إلى تحريض.
- الولايات المتحدة لا تريد حرباً شاملة في اليمن لكنها لا تمانع استنزافاً طويل المدى يمنع صنعاء من بناء دولة مستقرة.
- إسرائيل تريد الاستمرار في سياسة «قطع الرأس» لاستهداف قيادات يمنية تعتبرها جزءاً من منظومة الردع.
- المخاوف من القاعدة تستخدم لتعظيم الحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج.
تقدير الموقف العام
يكشف تحليل الرؤية الأمريكية أن واشنطن لا تنظر إلى اليمن بوصفه ساحة لصراع سياسي داخلي إقليمي بين اليمن ودول العدوان والمرتزقة بل كمسرح هندسة مخاطر بحرية، وجبهة إضافية في صراعها مع إيران ومحور المقاومة، ونقطة تفكيك محتملة للنفوذ الصيني والروسي في البحر الأحمر، وبالتالي، فإن تجدّد الصراع اليمني -الإسرائيلي المتوقع سيُقرأ في واشنطن ضمن معادلة ثلاثية:
منع اليمن من فرض توازن ردع جديد مع إسرائيل. ومنع البحر الأحمر من التحوّل إلى «ممر غير خاضع للهيمنة الأمريكية»، والحفاظ على «الهدنة اليمنية» بوصفها آلية لضبط القدرات الوطنية لا لتسوية سياسية متوازنة.
الخلاصة: يقدّر الأمريكيون أن مواجهة جديدة بين صنعاء والاحتلال الإسرائيلي قريبة ومرجّحة استناداً إلى مؤشرات ميدانية وسياسية متصاعدة. وترى واشنطن أن أي ضربة إسرائيلية ستُقابَل برد يمني مباشر، خصوصاً في البحر الأحمر، بما يعيد الضغط على الملاحة الدولية ويرفع كلفة الشحن ويؤثر على أمن الطاقة في الخليج.
وتتخوف الولايات المتحدة من أن يؤدي التصعيد إلى انهيار الهدنة داخل اليمن، وتوترات خليجية، وتوسّع نفوذ الصين وروسيا في البحر الأحمر، فيما يمنح اليمن موقعاً أعلى في معادلات الردع البحرية. وبحسب القراءة الأمريكية، فإن أي مواجهة مقبلة لن تبقى محدودة، بل قد تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية وتحوّل اليمن من «عامل تهديد» إلى فاعل استراتيجي مؤثر في أمن المنطقة.










المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي