انفتاح الثورة الشعبية على القضية الجنوبية
- أنس القاضي الخميس , 27 سـبـتـمـبـر , 2018 الساعة 6:31:15 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا
مثَّل شمال الشمال مركز ثقل ثورة 21 أيلول المجيدة، ومحركها الاجتماعي الرئيسي، إلا أن الوطن اليمني، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كان هو مدار الثورة الشعبية، وشمس الثورة، لم يبخل بضوئه على قرية ومدينة، بل أشرقت كلماته نوراً وحرية وعدالة على كل أبناء الشعب اليمني.
(تفتش عن بيت يجمع كل الغرباء؟ الثورة بيت يجمع كل الغرباء). هكذا عبر الشاعر المناضل مظفر النواب. لم ينحصر اهتمام الثورة الشعبية في محيط اجتماعي وجغرافي محدد، بل شمل بيتها كُل من عاشوا غرباء عن حقهم الذي سلبته قوى النفوذ الفاسدة وركائز الاستعمار المحلية كما يثبت واقعها اليوم، ولم تستطع هذه القوى المعادية أن تؤثر في مسار الثورة الشعبية وتوقع بها في الشِراك والفِخاح العصبوية أو السياسية الانتهازية التي ترى في الوطن (كعكة للتقاسم). وقد استطاعت ثورة أيلول المجيدة تجاوز كل هذه الفخاخ، وانفتحت على كثير من القضايا التاريخية، ومنها القضية الجنوبية.
جاء أنصار الله، الذين تحملوا مهمة قيادة الثورة من خارج قوى حرب 94م، فاستوعبوا بشكل عميق جذور القضية الجنوبية؛ فطرح قائد الثورة مبدأ العدالة كأساس لحل القضية الجنوبية، (فما دون العدالة ظلم وما فوقها ظلم). وقائد الثورة إذ استوعب الجذور الاجتماعية للقضية الجنوبية، التي تفاعلت مع العدوان الأمريكي السعودي، إلا أنه يرفض أن تكون هذه الجذور سبباً مقبولاً يشرع لقوى أو فئات الانضمام لمحور العدوان وللخيانة الوطنية، وهو موقف أكده قائد الثورة في حوار مع صحيفة (26 سبتمبر) بمناسبة العيد الخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، يقول فيه:
(ليعلم كل الإخوة في الجنوب وفي المقدمة من قبلوا بحالة الاحتلال وتعاونوا مع الاحتلال لحسابات سياسية أنهم لن يصلوا إلى نتيجة أبداً، ولن تلبى رغباتهم نهائياً، فالمحتل له أهدافه الخاصة وله أطماعه، وإذا أعطاهم شيئاً فهو يأخذ أكثر مما أعطى ويستفيد أكثر مما أفاد وينتفع أكثر مما قدم، والخسارة كبيرة جداً لمن يقف إلى صف من يحتل بلده ويستعبد شعبه).
كان طرح قيادة الثورة العدالة معياراً لحل القضية الجنوبية يعني رفض أي حلول اعتباطية ليس لها علاقة بالقضية الجنوبية، ففي ذات المقابلة الصحفية المذكورة آنفاً يحدد قائد الثورة أسس حل القضية الجنوبية قائلاً:
(الحل للقضية الجنوبية يجب أن يكون ضمن توافق في البلد بين المكونات الرئيسية لهذا البلد، ونحن قلنا في مرحلة ماضية يجب أن يكون حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً لا يكون فوق العدل، ولا تحت العدل، فليس من الصحيح طرح خيارات لا صلة لها بجوهر المشكلة وتقدم كمعالجات وحلول، ولا يناسب أيضاً أن تكون هناك مساع لظلم الإخوة في الجنوب والانتقاص من حقوقهم والإصرار لتجاهل جروح الماضي التي حلت بهم... حالة التقسيم والانفصال لن يترتب عليها استقرار الشعب، وإنما هي عملية تمهيدية تؤسس لمرحلة جديدة من الصراعات).
الرئيس الشهيد صالح الصماد والقضية الجنوبية
الشهيد الصماد رغم عمومية شخصيته كرئيس للجمهورية اليمنية، إلا أنه أيضاً المُعبر السياسي العملي عن ثورة 21 أيلول، وعن موقف أنصار الله من القضايا الوطنية. وفترة الشهيد الصماد لم تخلُ من الاهتمام بالقضية الوطنية، بل إن موقعه في أعلى سُلطة في الدولة جعله من موقعه هذا ينفتح أكثر على القضية الجنوبية، وقد أبدى الرئيس الصماد مسؤولية وطنية في استيعاب الحقوق والمتطلبات الاجتماعية لأبناء المحافظات الجنوبية، إلى جانب التمسك بالوحدة اليمنية، وهذه الواقعية السياسية المنحازة اجتماعياً ووطنياً هي النهج السياسي للثورة الشعبية المجيدة.
وعلى ذات الفهم الذي مضى عليه قائد الثورة في التفريق بين قضية الوحدة اليمنية كحاجة وضرورة يمنية ومصير للشعب اليمني، وبين الأخطاء التي رافقت هذه التجربة، تحدث الرئيس الشهيد الصماد وانفتح على المظلومية الجنوبية. قوى ثورة 21 أيلول ليس لها أي مصالح من حرب 94 ومن بقاء شكل الوحدة السائد منذ حرب صيف 94، بل إن قيادة ثورة 21 أيلول وقواها الاجتماعية المحركة تتقاسم مع أبناء المحافظات الجنوبية شظف العيش والقهر العسكري الذي فرضته عصابة 7/7، مما يجعل قوى ثورة 21 أيلول أكثر القوى اليمنية الفاعلة مقدرة على إنصاف أبناء المحافظات الجنوبية، وحل هذه القضية حلاً عادلاً، برغم الحماقات التي ترتكبها بعض الأطراف الجنوبية التي يستخدمها تحالف العدوان أداة للحرب على الشعب.
جاء في كلمة الرئيس الشهيد صالح الصماد في مناسبة العيد الوطني الـ27 للجمهورية اليمنية: (لقد مر سبعة وعشرون عاماً منذ استعاد شعبنا وحدته المباركة، وهي فترة ليست بالقصيرة أو الهينة، جرت خلالها مياه كثيرة في عمر الوحدة، صاحبتها سلسلة من الإنجازات والإخفاقات والتحولات التي ألقت بظلالها الكثيفة على مجمل التفاعلات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية في البلاد منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، غير أن الوحدة اليمنية في خضم كل هذه التحولات ظلت الثابت الوحيد الذي لم يتزعزع عند اليمنيين، والمنجز العظيم الذي سيظل اليمنيون يفخرون دوماً بأنهم حققوه ودافعوا عنه وحافظوا عليه. ومع إدراكنا لحجم التعقيدات التي أحاطت بقضية الوحدة اليمنية والمضاعفات السياسية والنفسية والاجتماعية لها, ندرك ويدرك شعبنا المؤامرات التي يخطط لها تحالف العدوان، وتتكشف يوماً بعد يوم، ضد وحدة الشعب اليمني، شماله وجنوبه، لتفكيكه إلى دويلات وكانتونات متناحرة. وأحب أن أذكركم أيها الشعب الكريم، أن السعودية كانت هي العدو الأول للوحدة اليمنية، وهي من ساعد على نمو الإخفاقات التي ظن اليمنيون أنها بسبب الوحدة، وكانت الداعم الأساسي للشخصيات والقيادات التي أساءت إلى إخوتنا في الجنوب، وهم يعلمون ذلك).
وفي خطاباته المتواصلة قدم الرئيس الشهيد صالح الصماد النصح لأبناء المحافظات الجنوبية، مشيراً إلى مشروع العدوان وممارساته التي تهدف إلى تصفية الجنوب من أبنائه الأشداء وتسليمه إلى القاعدة وداعش، نافياً أن يكون التدخل الأجنبي من حيث جوهره الاستعماري جاء من أجل مساعدة قطاع من الشعب اليمني، وهذه المسألة المنطقية يثبتها واقع الاحتلال الإماراتي لجزيرة سقطرى. وقد دعا الصماد الجنوبيين إلى العودة لفضيلة الانتماء لقضية الوطن اليمني، مؤكداً أن صدور القوى الوطنية في صنعاء مفتوحة لأبناء الجنوب اليمني، لحل القضايا على أساس وطني يمني عادل بعيداً عن أطماع دول العدوان الأجنبية. وجاء في كلمة الرئيس الشهيد صالح الصماد في مناسبة العيد الرابع والخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة ما يلي:
(إنني بهذه المناسبة المجيدة أتوجه بالخطاب إلى كل أبناء اليمن، وأخص بالذكر إخوتنا أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، نحن كنا وما زلنا نمد لكم يد السلام والمصالحة ومعالجة مشاكلكم التي حصلت، تعالوا لنحل مشاكلنا بعيداً عن أهداف ونوايا تحالف العدوان التي أصبحت واضحة وضوح الشمس مهما تغابيتم ومهما أنكرتم).
وستظل هذه الكلمة الوطنية الصريحة، والتي بها عتب صادق، ستظل وصية الرئيس الشهيد صالح الصماد لأبناء المحافظات الجنوبية، وستظل دعوة قيادة ثورة 21 أيلول، لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي