أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
تسعى الولايات المتحدة للدفع بمشروع تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء المصرية والأردن. تهجير سكان قطاع غزة وإعادة احتلاله قد يوفر للكيان مكاسب استراتيجية أمنية واقتصادية متعلقة بقناة بن جوريون والثروات الغازية، وهناك علاقة وثيقة بين تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية. إلا أن تطبيقه عملياً يواجه عقبات سياسية وقانونية إقليمية ودولية كبيرة.
أطلق الرئيس الأمريكي، مؤخراً، تصريحات بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة لفترة مؤقتة أو دائمة؛ لأن غزة -كما علق لاحقاً مسؤولون أمريكيون- أرض قاحلة تملؤها الأنقاض والذخائر!
في مواجهة هذه المساعي، اتخذت دول عربية وكيانات، أبرزها مصر والأردن، وكذلك الجامعة العربية والبرلمان العربي، مواقف حاسمة برفض هذه الخطط، معتبرة أنها تشكل تصفية للقضية الفلسطينية وتهديداً لاستقرار المنطقة. كما أن أطرافاً فلسطينية ودولية حذرت من خطورة هذه الخطط وآثارها الكارثية على مستقبل الشعب الفلسطيني.
المقترح الأمريكي حول تهجير الفلسطينيين يعكس دعماً كاملاً لـ»إسرائيل» في تصفية القضية الفلسطينية. وتفتح هذه الخطط الباب أمام نكبة جديدة شبيهة بنكبة 1948، حيث تعمل على إفراغ قطاع غزة من سكانه، كما أنها تقضي حل الدولتين - الظالم أصلاً، وتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومن شأن التهجير أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويهدد بتحويل الأراضي المستقبلة لهم إلى ساحات حرب.

جدية أمريكية في طرح المشروع
مشروع تهجير الفلسطينيين، الذي تطرحه الأوساط السياسية الإمبريالية في الولايات المتحدة و»إسرائيل»، يتم تقديمه أحياناً بجدية وأحياناً كأداة ضغط سياسي؛ إلا أن هناك مؤشرات جدية في تصريحات ترامب الأخيرة، فخلال فترة حكمه الأولى اقترح أفكاراً مثل تهجير الفلسطينيين إلى دول مجاورة (الأردن ومصر) في إطار خطط مثل «صفقة القرن» ومنح الجولان للكيان. هذه التصريحات تُظهر جدية في التفكير بهذه السيناريوهات، خصوصاً مع تناغمها مع اليمين «الإسرائيلي» المتطرف ومع الأطماع الأمريكية ذاتها في ساحل غزة، فهي وإن فشل مشروع ميناء غزة العائم لم تتخلَّ عن أطماعها في غزة.
الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، وبدرجة أقل في إدارات أخرى، أظهرت استعداداً لدعم سياسات «إسرائيلية» تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، سواء بتهجيرهم قسراً أو خلق ظروف تجبرهم على المغادرة.
ورغم هذه التوجهات العدوانية، إلا أن إمكانية تطبيقها لن يكون بالسهولة المتخيلة، فالدول العربية الرئيسية، مثل مصر والأردن، أعلنت بشكل واضح وقاطع رفضها لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، ما يجعل تطبيق هذا المشروع معقداً للغاية.
لهذا فلا بد للأمريكي والصهيوني من إضعاف الموقف المصري والأردني أولاً، وذلك بإيجاد ظروف محلية اقتصادية اجتماعية سياسية ضاغطة على النظامين، لقبول مشروع التهجير.
كما أنه يتناقض مع القوانين الدولية والقرارات الأممية التي تعترف بحق الفلسطينيين في العودة وإقامة دولتهم المستقلة. لذا، فإن تبني هذا المشروع بشكل علني يمكن أن يضع الولايات المتحدة و«إسرائيل» في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.

المواقف «الإسرائيلية» من المشروع
التصريحات المتعلقة بمقترحات تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو الأردن (ومشروع التهجير ذاته حتى قبل إطلاقه مجدداً) لقيت تفاعلاً «إسرائيليا» متبايناً، بناءً على الموقف السياسي والفكري للجهات «الإسرائيلية» المختلفة.
لم تعلن حكومة نتنياهو بشكل واضح دعمها أو رفضها لمقترحات التهجير التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ لكنها تُظهر اهتماماً بتحقيق أهداف تتفق مع هذه الرؤية، مثل تقليص الوجود الفلسطيني في غزة وتوسيع المستوطنات في غزة ذاتها. كما أن غزة مسار محتمل لقناة بن جوريون البديلة لقناة السويس، وفي ساحل غزة ثروات غازية يطمع بها الكيان والولايات المتحدة.
الأطياف اليمينية المتطرفة داخل «إسرائيل» تنظر إلى هذه المقترحات بإيجابية؛ إذ تتفق مع رؤيتهم حول تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها لتوسيع الاستيطان وفرض السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية؛ فبعض الشخصيات اليمينية (سموتريتش وبن غفير) وصفت قطاع غزة بأنه «غير قابل للعيش»، ما يبرر -في نظرهم- دفع السكان نحو الهجرة أو تهجيرهم قسراً، وهوَ ذاته الأساس الذي تذرع به ترامب عندما أطلق تصريحاته مشروع التهجير!
الإعلام اليميني يروج لفكرة أن تهجير الفلسطينيين قد يخفف «التهديد الأمني» على «إسرائيل»، واعتبره خطوة استراتيجية لمصلحة «الدولة».
القوى اليسارية «الإسرائيلية» بشقيها، اليسار الصهيوني (ممثلاً بحزب العمل) واليسار الشيوعي المتضامن مع القضية الفلسطينية (الحزب الشيوعي الخليط من يهود ومن عرب 48 مسلمين ومسيحيين، ممثلاً بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) ومنظمات حقوقية، هذه القوى ضد مشروع التهجير، وتعتبره انتهاكاً للقانون الدولي، وتحذر من أن تهجير الفلسطينيين سيؤدي إلى تصعيد الصراع وزيادة التوتر الإقليمي. إلا أن هذه القوى اليسارية بشقيها الصهيوني والشيوعي، أحزاب ضعيفة جداً على غرار اليسار العربي ولا تأثير لها في صنع القرار «الإسرائيلي».

البُعد الجغرافي السياسي في مشروع التهجير
من الناحية الجيوسياسية، تهجير الفلسطينيين من غزة يحقق لـ»إسرائيل» مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لتحقيقها منذ عقود، رغم أنها تواجه معوقات كبيرة لتطبيقه. إذا تم تنفيذ التهجير، يمكن لـ»إسرائيل» أن تحقق ما يلي:
- تفريغ غزة من السكان واحتلالها كإحدى مفردات «الشرق الأوسط الجديد».
- إعادة رسم الحدود الجغرافية؛ فتهجير سكان غزة يسمح لـ«إسرائيل» بتقليص الكثافة السكانية في القطاع، ما يمكّنها من السيطرة بسهولة على المناطق الفارغة أو استغلالها عسكرياً أو اقتصادياً.
- إضعاف المقاومة الفلسطينية؛ فإخلاء غزة من سكانه يعني تقليل الدعم الشعبي للفصائل المسلحة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على الاستمرار في المقاومة المسلحة.
- ترى «إسرائيل» أن الزيادة السكانية الفلسطينية تمثل تهديداً على المدى الطويل؛ فتهجير سكان غزة يساعد في تخفيف الضغط الديموغرافي الفلسطيني، وخلق توازن ديموغرافي بين الفلسطينيين والمحتلين. تفريغ قطاع غزة يقلل خطر قيام كيان فلسطيني مكتظ بالسكان، يستمر في النضال من أجل الحق التاريخي الفلسطيني.
- تهجير سكان غزة إلى أماكن خارج فلسطين (مثل سيناء أو الأردن) يعني قطع التواصل بين غزة والضفة الغربية نهائياً. وهذا يساعد الكيان في منع تشكيل كيان فلسطيني موحّد، ما يعزز استراتيجيته لتقسيم الأراضي الفلسطينية سياسياً وجغرافياً، وهذا التفكيك يرد أيضاً في «صفقة القرن».
- تهجير سكان غزة يتيح لـ»إسرائيل» إنشاء منطقة خالية من السكان تُستخدم كمنطقة عازلة بين غزة و»حدودها» الجنوبية مع مصر، ما يعزز «أمنها القومي»؛ إذ يقلل خطر الهجمات الصاروخية أو الأنفاق الهجومية، فلن يكون هناك سكان يقومون بهذه الهجمات.

تصدير الأزمة إلى الدول المجاورة
تهجير سكان غزة إلى مصر (سيناء) أو الأردن قد يؤدي إلى أزمات اجتماعية واقتصادية في هذه الدول، ما يضعفها أمام الكيان، ويسهل في المستقبل إمكان تطبيق مشروع «إسرائيل الكبرى».
كما أن تهجير الفلسطينيين ينقل عبء القضية الفلسطينية إلى دول عربية أو دول أخرى، ويُخفف الضغط السياسي والدولي على كيان الاحتلال الذي خلق المشكلة. وبتهجير سكان غزة وأبنائه، تسعى «إسرائيل» إلى خلق واقع جديد قد يؤدي إلى تقليل أهمية القضية الفلسطينية دولياً، ويصبح تركيز العالم على التعامل مع تداعيات التهجير بدلاً من المشكلة ذاتها المتعلقة بالاحتلال.

أترك تعليقاً

التعليقات