كيف يتعامل «الإسرائيليون» مع احتمالية امتلاك اليمن أسلحة كيميائية؟!
- أنس القاضي الجمعة , 7 نـوفـمـبـر , 2025 الساعة 9:12:45 PM
- 0 تعليقات

أنس القاضي / لا ميديا -
صدرت الورقة البحثية المعنونة «أسلحة كيميائية في أيدي الحوثيين؟ على إسرائيل أن تستعد لاحتمال ذلك» عن معهد «مسغاف» للاستراتيجية الصهيونية ( في 10 سبتمبر الماضي)، وهو أحد أهم المراكز المرتبطة بمؤسسة الأمن القومي في الكيان الصهيوني، ويُعنى بتحليل التهديدات الإقليمية وإصدار أوراق تقدير موقف ذات طابع أمني -استخباراتي.
كتب الورقة إيلي كلوتستين، وهو خبير في العلاقات الدولية، وصحفي وباحث أمني، وعضو بارز في غرفة عمليات الأمن القومي بمقر مجلس الأمن القومي «الإسرائيلي». شغل كلوتستين سابقاً منصب منسق المحتوى والتواصل مع المراسلين الأجانب في نادي الصحافة بالقدس، كما عمل نائباً لمحرر الأخبار ومحرراً للشؤون الخارجية والعلمية في صحيفة «ماكور ريشون»، إضافة إلى عمله منسقاً للغتين العبرية والإنجليزية في معهد أبحاث «مونيتور» المتخصص في متابعة المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالصراع العربي -«الإسرائيلي».
شارك في الورقة عدد من الباحثين «الإسرائيليين» المتخصصين في الشأنين الأمني والإقليمي، أبرزهم:
الدكتور آفي بيتسور، مقدم (احتياط) في جيش الاحتلال «الإسرائيلي»، ورئيس برنامج دراسات أمن الجبهة الداخلية والدفاع في كلية بيت بيرل، شغل مناصب عسكرية عليا منها رئيس فرع التحصينات في سلاح الهندسة، ونائب قائد لواء المظليين، وقائد مدرسة العمليات القتالية المتقدمة.
الدكتور يوسي مانشروف، زميل في معهد «مسغاف» ومتخصص في الشأن الإيراني والساحة اليمنية، ويُعدّ من أبرز الخبراء «الإسرائيليين» الذين يدرسون أنشطة فيلق القدس الإيراني وشبكة المقاومة في المنطقة.
تُعد هذه الورقة من أبرز الإصدارات «الإسرائيلية» الأخيرة التي تناولت الساحة اليمنية من منظور «التهديد غير التقليدي»، إذ تنقل الاهتمام من الحرب البحرية في البحر الأحمر إلى فرضية امتلاك أنصار الله قدرات على تطوير أو استخدام أسلحة كيميائية برعاية إيرانية.
كما تندرج ضمن سلسلة أوراق أصدرها معهد مسغاف منذ عام 2024م ركّزت على ما يُسمّى في العقيدة الأمنية «الإسرائيلية» بـ«حلقة النار» التي تطوّق الكيان من لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وانطلاقاً من مكانة الباحث الرئيس وخلفيته المؤسسية، تعكس الورقة رؤية شبه رسمية داخل المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية»، وتُعدّ مؤشّراً على تفكير الكيان تجاه الساحة اليمنية في المرحلة المقبلة.
الإطار العام للورقة ومقدماتها النظرية
تقدّم الورقة البحثية «الإسرائيلية» معالجة أمنية استراتيجية تنطلق من فرضية مفادها أن الساحة اليمنية لم تعد مجرّد تهديد ثانوي أو مصدر ضغط تكتيكي، بل مرشّحة للتحول إلى ساحة تهديد استراتيجي مباشر في مواجهة «إسرائيل».
تأتي الورقة في سياق تصاعد الهجمات اليمنية بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية التي وصلت إلى العمق «الإسرائيلي»، وآخرها الهجوم على مطار رامون - فقد كتبت الورقة بعد أيام من العملية في 10 سبتمبر 2025م. وترى الورقة أن هذا التطور الميداني، مقترناً بمحاولة اليمن البحث عن ورقة رابحة بعد اغتيال الكيان للحكومة الوطنية، يشير إلى احتمال سعيهم لاستخدام أسلحة غير تقليدية -كيميائية أو بيولوجية- برعاية إيرانية، لتغيير موازين الحرب على «إسرائيل».
تتبنى الورقة منهج «التحليل الاحتمالي»، أي التعامل مع مؤشرات مفتوحة المصدر كمقدمات أولية توجب التحوط الاستخباري، حتى في غياب الأدلة القطعية. وتؤكد أن تجربة 7 أكتوبر 2023م مع حركة حماس أثبتت خطأ الركون إلى الفرضيات التقليدية حول نوايا الخصوم، ما يفرض على المؤسسة الأمنية «الإسرائيلية» تجاوز فكرة «الاحتمال الضئيل» إلى مبدأ «الاستعداد المسبق لكل سيناريو ممكن».
مصادر المعلومات ومنهج الاستدلال في الورقة
تستند الورقة إلى ثلاثة مستويات من المصادر، تتكامل لتشكّل «بنية الاشتباه» التي بُنيت عليها فرضيتها الرئيسة.
أولاً: تعتمد الورقة على مصادر من الحكومة العميلة في عدن، أبرزها تصريح من يسمى بوزير الاتصالات معمر الإرياني لصحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية، الذي زعم -استناداً إلى ما وصفه بـ«معلومات استخباراتية متعددة المصادر»- أن «الحوثيين بدأوا العمل بإشراف مباشر من الحرس الثوري الإيراني على تطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية، وأن طهران تسعى لجعل اليمن ميداناً تجريبياً لصناعة أسلحة الدمار الشامل».
كما أشار زاعماً إلى إنشاء مصنع خاص في مناطق سيادة المجلس السياسي الأعلى لتركيب القنابل الكيميائية على المسيّرات والصواريخ، وهو ما عُدّ في الورقة مؤشّراً أولياً يستوجب الاستعداد حتى قبل التحقق الكامل من صحته.
ثانياً: تستشهد الورقة بتقرير صادر عن إعلام تابع لـ«طارق صالح» زعم في أغسطس 2025م ضبط شحنة إيرانية مهربة تُقدّر بـ«750 طناً» تضم مكونات لمتفجرات وصواريخ ومواد كيميائية حساسة يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة كيميائية.
ورغم اعتراف الورقة بصعوبة التحقق من دقة الرقم أو محتوى الشحنة، إلا أنها تعتبره دليلاً داعماً لمصداقية رواية معمر الإرياني، ومؤشراً على «استمرار تدفق الإمدادات الإيرانية إلى اليمن» رغم الجهود البحرية «الإسرائيلية» والغربية.
أما المستوى الثالث فيتمثل في تحليلات الخبراء «الإسرائيليين» الذين استعانت بهم الورقة لتفسير المعطيات وتقدير إمكاناتها العملية. إذ يقدّم العقيد (احتياط) الدكتور آفي بيتسور، رئيس برنامج دراسات أمن الجبهة الداخلية والدفاع في كلية بيت بيرل، قراءة تقنية تؤكد أن تصنيع غازات الأعصاب (مثل التابون والسارين والسومان) ممكن في مختبرات صغيرة باستخدام أسمدة عضوية، مستشهداً بتجربة طائفة «الحقيقة النقية» في اليابان. ويرى أن الحرس الثوري الإيراني يمتلك الخبرة لتوجيه القوات المسلحة اليمنية في هذا الاتجاه.
كما يرى الباحث في معهد «مسغاف»، الدكتور يوسي مانشروف، أن هذه المزاعم تنسجم مع الاستراتيجية الإيرانية الأوسع لإحاطة «إسرائيل» بـ«حلقة نار» من وكلاء مسلحين، وأن اليمنيين يمثلون فرع هذه الحلقة في الجبهة الجنوبية.
من منظور الورقة، لا يُقدَّم أي من هذه المصادر كدليل قاطع؛ بل تُصنَّف كمجموعة من المؤشرات المفتوحة التي تُنتج «احتمالاً استخبارياً معقولاً»، كافياً لتفعيل سياسات وقائية واستباقية.
تقدير مستوى الخطر ونوعية التهديد الكيميائي
تصنّف الورقة احتمال امتلاك القوات المسلحة اليمنية لقدرات كيميائية بأنه خطر من «الدرجة العليا» في حال تحقق، حتى وإن كان احتمال حدوثه متوسطاً؛ فطبيعة الأسلحة الكيميائية -في تقديرها- لا تُقاس فقط بقدرتها التدميرية المباشرة، بل بأثرها النفسي والسياسي العميق. وترى أن مجرد امتلاك مثل هذه الأسلحة أو الإشارة إلى تطويرها سيغيّر قواعد اللعبة، لأن «الهلع الجماعي» الناتج عن تهديد كيماوي يمكن أن يخلّ بتوازن «المجتمع الإسرائيلي» الداخلي حتى لو كانت الخسائر البشرية محدودة.
وتوضّح الورقة أن إمكانية نقل هذه المواد بواسطة طائرات مسيّرة أو صواريخ متوسطة المدى أمر ممكن تقنياً، إذ يمكن وضع كميات صغيرة في رؤوس حربية أو عبوات على المسيّرات القادرة على قطع المسافة من اليمن إلى «إسرائيل».
وتفرّق الورقة بين الغازات المتطايرة (مثل السارين والسومان والتابون) التي تتبخّر بسرعة وقد يُقلل اعتراضها من خطرها، وبين غاز (VX) الأكثر ثباتاً، والذي يُرجَّح -في حال تطويره- أن يشكل تهديداً أكثر تعقيداً، خصوصاً إذا تمكّن اليمنيون من تحضيره أو الحصول عليه من مخزونات سورية سابقة كما يُلمّح النص. كما تشير الورقة إلى أن تجربة سوريا -حد زعمهم- في استخدام الأسلحة الكيميائية، وردود الفعل الغربية المترددة آنذاك، تُظهر أن «الخط الأحمر» المعلن من الغرب غالباً ما يكون هشّاً، ما قد يُغري إيران بتكليف وكلائها باستخدام السلاح نيابة عنها.
السياسة الأمنية والجغرافية المقترحة لـ«إسرائيل»
تنتقل الورقة من التحليل الاحتمالي إلى توصيات عملية على مستويات متعددة، تمثل إطار سياسة أمنية جديدة تجاه الساحة اليمنية:
1. المستوى الاستخباري:
تدعو الورقة إلى تكثيف أنشطة جمع المعلومات لتحديد مواقع الإنتاج والاختبار والتخزين، ورصد مسارات التهريب البحرية والبرية والجوية. وتؤكد أهمية الوصول إلى ما تسميه «المعرفة الذهبية»، أي الدليل الاستخباراتي المؤكد الذي يثبت وجود برنامج كيميائي فعلي. وتشدد على ضرورة بناء قاعدة بيانات عن المكونات الكيماوية ثنائية الاستخدام الداخلة إلى اليمن، ومتابعة تحركات الفنيين والعلماء ذوي الصلة بإيران.
2. المستوى العملياتي -الهجومي:
توصي الورقة باستمرار عمليات الإحباط الميداني ضد «شبكات التهريب الإيرانية إلى اليمن» (المُفترضة)، مع توسيعها لتشمل استهداف المهربين والمراكز اللوجستية داخل الأراضي اليمنيـــة وقـــــرب الموانئ. كما تدعـــــو إلـــــــى تفعيل سياسة الاغتيالات المركزة ضد القيادات العلمية والميدانية التي تمتلك المعرفة التقنية لتطوير السلاح الكيميائي، على غرار السياسة المتبعة تجاه البرنامج النووي الإيراني، وتعتبر أن هذه «المعرفة البشرية» تمثل عنق الزجاجة الذي يمكن تدميره لإفشال أي برنامج كيماوي محتمل.
3. المستوى الدفاعي -المدني:
رغم اعتراف الورقة بعدم واقعية تجهيز جميع السكان «الإسرائيليين» بأقنعة واقية، إلا أنها توصي بتعزيز التخطيط المسبق لسيناريوهات الاستجابة، وإعداد المستشفيات ووحدات الإسعاف للتعامل مع حالات التلوث الكيميائي، وإنشاء نقاط إنذار مبكر وتشخيص سريع في الجبهة الجنوبية.
4. المستوى الدبلوماسي -القانوني:
تدعو الورقة إلى وضع ملف «الأسلحة الكيميائية اليمنية» المحتملة على جدول أعمال الحوار «الإسرائيلي» -الأمريكي والدولي، وإلى تبادل المعلومات مع أجهزة الاستخبارات الغربية بهدف بناء إجماع مسبق على ضرورة التحرك إذا ثبتت المزاعم. كما توصي بتحضير «ملف إثبات» وفق معايير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لعرضه دولياً فور وقوع أي حادث، لتأمين غطاء قانوني لأي عمل عسكري واسع ضد اليمن.
5. المستوى البحري والسيبراني:
تشير الورقة إلى أن التهديد لا يقتصر على السلاح الكيميائي وحده، بل يمتد إلى احتمالات موازية مثل قطع الكابلات البحرية التي تمر قرب السواحل اليمنية، أو تطوير رؤوس انشطارية لصواريخ، ولذلك تحثّ على استمرار النشاط البحري والجوي «الإسرائيلي» في البحر الأحمر وباب المندب، وربطه بأنظمة إنذار إلكترونية ورادارية متقدمة، لمنع توسع قدرات اليمن أو إخفاء شحنات تهريب جديدة.
التبعات المتوقعة على اليمن (صنعاء) من وجهة النظر «الإسرائيلية»
ترى الورقة أن حصول القوات المسلحة اليمنية على أسلحة كيميائية -أو ثبوت تطويرهم لها- سيغيّر تماماً شكل التعاطي «الإسرائيلي» والدولي مع اليمن؛ فالاستخدام الفعلي لهذه الأسلحة سيُعد خرقاً مطلقاً للمحظورات الدولية، ويبرّر شنّ حملة عسكرية واسعة النطاق تشمل ضرب المختبرات والمخازن ومراكز القيادة والسيطرة، وربما استهداف شخصيات علمية وسياسية مرتبطة بالبرنامج.
كما تتوقع الورقة أن يقود ذلك إلى تعبئة دبلوماسية وقانونية غربية واسعة ضد اليمن، وإلى تشديد العقوبات على المناطق الحرة، فضلاً عن فرض قيود صارمة على الواردات الكيميائية والسلع ثنائية الاستخدام.
وتؤكد الورقة أن مثل هذا التطور سيتيح لـ«إسرائيل» والولايات المتحدة توسيع نطاق العمليات البحرية -الجوية في البحر الأحمر وخليج عدن، بحجة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وهو ما قد يُسهم في تعزيز الوجود الأمني الغربي الدائم في هذه المنطقة الحيوية. كما تتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع شرعية صنعاء السياسية دولياً، وربطها رسمياً بمحور «الدول المارقة»، بما يتيح تفعيل عقوبات أممية محتملة في المستقبل. وفي المقابل، ترى الورقة أن الردع «الإسرائيلي» يجب أن يكون حاسماً إلى أقصى الحدود، وأن أي استخدام فعلي لسلاح كيميائي -ولو محدوداً- سيستدعي «رداً بلا سقف» يهدف إلى القضاء الكامل على القوة المسلحة اليمنية.
الخلاصة العامة
تُختتم الورقة بالتأكيد أن المزاعم حول تطوير اليمن لأسلحة كيميائية لا تزال في مرحلة الاشتباه، لكنها تستوفي شروط الإنذار الاستراتيجي المبكر الذي يفرض على «إسرائيل» التحرك وقائياً، لأن تجاهل الاحتمال اليوم قد يعني مواجهة خطر وجودي غداً. فالمسألة -كما تقول الورقة- ليست في «اليقين العلمي» بل في «المعقول الاستخباري» الذي يكفي لتحريك آلة الدولة نحو الاستعداد، وفي هذا الإطار، تدعو الورقة إلى الدمج بين الاستخبارات الهجومية والعمل الوقائي الدولي والردع الميداني والجاهزية المدنية، مؤكدة أن «إسرائيل» يجب أن تتعامل مع احتمال امتلاك اليمن لسلاح كيميائي كما تعاملت مع احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي: أي باعتباره خطاً أحمر لا يُسمح بتجاوزه، مهما كان مصدره أو درجته من الاحتمال.










المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي