حول المسألة النقابية في اليمن دور النقابات في تحقيق التغييرات الجذرية المُعلنة
- أنس القاضي الأثنين , 9 سـبـتـمـبـر , 2024 الساعة 7:27:03 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
ضمن الإصلاحات المطلوبة للقوى العاملة لتكون قادرة على تنفيذ التغييرات المُعلنة، يأتي حق القوى العاملة في الدفاع عن أنفسهم وعن الاقتصاد الوطني عبر منظماتهم النقابية المُستقلة.
تبني حكومة «التغيير والبناء» في صنعاء سياسات داعمة للاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي سيعمل -في حال تطبيق هذه السياسات ونجاحها- على توسيع قاعدة الطبقة العاملة اليمنية، وهو ما سيؤدي إلى بروز المزيد من القضايا العمالية، إضافة إلى ما هو موجود حالياً من مظالم وظروف حياة قاسية للقوى العاملة اليمنية بمفهومها الأوسع.
كما أن دخول البلاد المحتم في طور تنفيذ خريطة الطريق وبناء السلام وإعادة الإعمار، سيؤدي إلى ذات النتيجة، في توسع قاعدة العاملين في البلد من العمال والموظفين الحكوميين غير العاملين من بعد انقطاع الرواتب، بسبب الحرب الاقتصادية.
في ظل غياب نقابات عمالية قوية، لا يجد العمال وسيلة للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم المشروعة ضد التعسفات التي تمارس ضدهم من قبل المُلاك والمدراء في مرافق العمل الخاصة والمختلطة والحكومية، الإنتاجية منها والخدمية، التقليدية والحديثة.
بدون حضور النقابات تُترك الساحة مفتوحة أمام جمعيات المُلاك ورجال الأعمال الذين يسعون غالباً إلى استغلال العمال بأكبر قدر ممكن، دون تقديم مقابل عادل، كما يمارسون ضغطاً مستمراً على الدولة للتراجع عن التوجهات الاقتصادية الوطنية، وعدم تطبيق القوانين المنحازة للمجتمع والاقتصاد الوطني، وهنا يأتي دور النقابات العمالية في خلق التوازن اللازم والدفاع عن السياسات الاجتماعية والوطنية.
إعادة تنشيط الحركة النقابية ضرورة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة؛ فقد كانت النقابات جزءا لا يتجزأ من الثورة الشعبية في اليمن، وهي من القوى الفاعلة التي لها مصلحة مباشرة في التغيير وتملك القدرة على المساهمة في تحقيقه، ومن الضروري كسب دعمها وتوجهاتها في هذه المرحلة الحساسة.
في عصرنا الحالي، لم تعد النقابات مجرد كيانات تنفذ أعمالا احتجاجية -وهذا أحد أوجه نشاطها المُعين قانونياً- بل أصبحت شريكاً للحكومة والقطاع الخاص في عملية التنمية التي تتطلب الاستقرار. وهناك العديد من التجارب العالمية التي تسلط الضوء على الدور الهام الذي تلعبه النقابات في تعزيز الاقتصاد والتنمية، ومن بينها تجارب النقابات في السويد والبرازيل التي سنناقشها لاحقاً في هذا التقرير.
تمثل الحركة النقابية في اليمن جزءا أساسيا من تاريخ النضال الاجتماعي والسياسي للعمال والفئات المستضعفة؛ فقد تأسست النقابات كأداة للدفاع عن حقوق العمال وتحسين ظروفهم المعيشية، وأسهمت في دعم الحركات الثورية والمطالبة بالاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية.
تركز هذه المادة على دور النقابات في تحسين ظروف العمل، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ومقاومة السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تهدد الوحدة الشعبية وتماسك النسيج الاجتماعي.
تاريخ الحركة النقابية في اليمن وعلاقتها بالدولة والثورة
تاريخ الحركة النقابية في اليمن يمتد لعدة مراحل تاريخية هامة بدأت بتأسيس «مؤتمر عدن للنقابات» في 3 مارس 1956م بدعم من الجبهة الوطنية المتحدة، لاحقاً، في عام 1965م، تأسس «الاتحاد العام لعمال اليمن»، لكنه تعرض للحل في عام 1968م وأعيد تشكيله في عام 1984م. ومع قيام الوحدة اليمنية 1990م، توحدت الحركة النقابية تحت اسم «الاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية اليمنية».
لعبت النقابات العمالية دوراً محورياً في الثورات اليمنية، حيث كانت جزءاً من ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر. ومن أبرز مواقفها التاريخية الإضراب ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مقاطعة مشروع الدستور الاستعماري.
مع تأسيس الدولة الوطنية الحديثة الديمقراطية في شمال اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر وفي الجنوب بعد الاستقلال عام 1967، لم تكن العلاقة بين النقابات والحكومات ودية، إذ تبنت الحكومات مواقف متباينة تجاه النقابات. ففي الشمال، كان النظام السياسي شمولياً وغير ديمقراطي، مما أدى إلى منع النقابات. تأسس الاتحاد العام لعمال اليمن عام 1965، لكن تم حله في 1968. في عام 1984، وبعد تأسيس المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم وحيد في الشمال، استمر تدخل السلطة السياسية في النقابات، ما أضعف استقلاليتها.
أما في جنوب اليمن، فرغم موقف الحكومة المتسامح تجاه النقابات، إلا أن الحكم الاستبدادي الشمولي للحزب الاشتراكي أضعف استقلال النقابات، وجعلها أدوات ترويج لسياساته ورديفاً له بدلاً من الدفاع عن حقوق العمال.
بتحقيق الوحدة اليمنية في 1990م، توفرت الأرضية السياسية لإعادة تشكيل النقابات على أساس الاستقلالية بعيداً عن الأحزاب الحاكمة السابقة، وشهدت الحركة النقابية نشاطاً واضحاً بين عامي 1991م و1993م قبل أن يتراجع النشاط النقابي مع التوترات السياسية الناتجة عن حرب 1994م.
في 2011م، اندلعت الاحتجاجات الشعبية، التي شهدت مشاركة العمال بشكل فعال، لعبت النقابات دوراً في تأطير المطالب الشعبية، وبالرغم من هذه الفرص، عطلت الحرب العدوانية عام 2015 جهود النقابات في تنظيم صفوفها واستصدار قوانين جديدة لحماية حقوق العمال، مما شكل تحدياً كبيراً أمام تطور الحركة النقابية.
قانون تنظيم النقابات في اليمن
النشاط النقابي في اليمن يستند إلى إطار قانوني يقوم على الدستور والقوانين المحلية ذات الصلة، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية.
يعتمد حق العمل النقابي في اليمن على دستور الجمهورية اليمنية، الذي تنص المادة 57 منه على حق المواطنين في تشكيل نقابات وتنظيم أنفسهم مهنياً. ويعزز هذا الحق قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 2002م، الذي يكفل للعمال الحق في التنظيم النقابي، بما في ذلك حرية النشاط النقابي وحق الإضراب، مع ضمان استقلالية تلك النقابات في ممارسة أنشطتها.
قانون الخدمة المدنية رقم 19 لسنة 1991م يمنح العاملين في القطاعين الحكومي والعام والمختلط الحق في تنظيم أنفسهم ضمن نقابات تمثلهم، وقانون العمل رقم 5 لسنة 1995م يكفل الحق ذاته للعمال في القطاع الخاص. إلا أن هذه القوانين قاصرة مثل عدم وضوح تعريف «العامل» وتقييد حرية تكوين النقابات.
قانون تنظيم النقابات العمالية رقم 35 لسنة 2002م يحدد الأطر العامة لتأسيس النقابات، ويهدف إلى تنظيم العمل النقابي وحماية حقوق العمال. يتضمن القانون تعريفات واضحة للأدوار والأهداف التي تسعى النقابات لتحقيقها، بما في ذلك الدفاع عن حقوق العمال وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وضمان حرية النشاط النقابي وتعزيز الديمقراطية النقابية.
يمنح القانون العاملين الحق في الانضمام إلى النقابات أو الانسحاب منها، كما يضمن حرية الاجتماع والمشاركة في الأنشطة النقابية. في المقابل، يلتزم العمال بدفع الاشتراكات الشهرية ودعم العمل النقابي.
يفرض القانون عقوبات على أي ممارسات تخالف الأنظمة القانونية المتعلقة بالنقابات، بما في ذلك حظر العمل النقابي غير القانوني وفرض عقوبات على أي تدخل يؤثر على نزاهة الانتخابات النقابية.
الانتهاكات: تشمل الانتهاكات التي يتعرض لها العمال والنقابات في اليمن فرض شروط تعسفية على تكوين النقابات، تقييد حق الإضراب، وحرمان بعض العمال من حقوقهم الأساسية. تُظهر هذه الممارسات ضعفاً في تنفيذ القوانين والتشريعات المتعلقة بالحقوق العمالية، مما ينعكس سلباً على حقوق العمال والنشاط النقابي في البلاد.
الخلاصة: القوانين اليمنية توفر إطاراً قانونياً لدعم النشاط النقابي، إلا أن الثغرات التشريعية والممارسات غير القانونية التي تعوق الحقوق العمالية وتقيد بعض الأنشطة النقابية في القطاعات الحكومية والخاصة، تشكل تحديات كبيرة، ويجب العمل على تطوير التشريعات الحالية بما يتوافق مع المعايير الدولية وتعزيز دور النقابات لضمان حقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية.
القوى العاملة في اليمن وضرورة الحركة النقابية
تنشيط الحركة النقابية في اليمن يُعد ضرورياً لضمان حقوق العمال، تحسين ظروفهم المعيشية، وزيادة مشاركتهم الفاعلة في الاقتصاد الوطني، لأن جمود العمل النقابي، يَخدم المُلاك في القطاع الخاص، وشرائح المدراء في القطاع العام، على حساب الفئات العاملة.
وعلى المستوى الاقتصادي الوطني فإن ضعف النقابات، يقوي من جمعيات المُلاك وتجمعات رجال الأعمال، التي تتصادم مع المؤسسات الحكومية وتضغط عليها، فيما وجود النقابات يخلق حالة من التوازن بين تأثير النقابات وتأثير جمعيات المُلاك على الحكومة.
يُعاني العُمال اليمنيون من اضطهاد واستغلال بشكل قاس، وخصوصاً في القطاع الخاص، غير المنظم، حيث يفتقرون إلى أي تنظيم قانوني أو حماية. لا توجد عقود عمل مكتوبة، مما يؤدي إلى استغلالهم من قبل أصحاب العمل، ويتعرضون للحرمان من الأجور والخصم والأقساط، ويعانون من غياب التأمينات الاجتماعية والصحية. في حال حدوث خلافات يتعرضون للطرد والفصل التعسفي. يعملون لساعات طويلة في ظروف قاسية، دون إجازات رسمية أو معاش تقاعدي، كما يتعرضون للانتهاكات على الصعيد المعنوي من سب وشتم وتشهير وإهانة أمام زملائهم والعامة، وهناك حالات اعتداءات بالضرب والحبس، والتعذيب، وتصل إلى جريمة القتل في حالات محدودة.
تنشيط الحركة النقابية في اليمن يعتبر أمراً مهماً لعدة أسباب بناءً على المعطيات التالية:
- تحسين ظروف العمل: مع وجود نسبة كبيرة من العمال في القطاعين الخاص وغير الرسمي (70٪ بحسب إحصاءات 2014)، فإن غالبية العاملين يفتقرون للحماية والحقوق التي توفرها القوانين الحكومية، والتي لا تتابع الحكومة من تلقاء نفسها مدى تنفيذها. فالنقابات تمثل خط الدفاع الأول للعمال ضد الانتهاكات التي يتعرضون لها في بيئات العمل غير الرسمية أو غير المحمية قانونياً، مثل قلة الأجور، غياب التأمين الصحي، والظروف الصعبة التي يتعرض لها العاملون في القطاعات غير الرسمية.
- تنظيم الطبقة العاملة وتمثيلها: جزء كبير من العمال في اليمن يعملون في ظروف غير منظمة، حيث لا توجد عقود أو حماية قانونية، يمكن للنقابات أن تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم هؤلاء العمال وضمان حقوقهم، مما يقلل من حالات الاستغلال والفصل التعسفي. وبوجود نقابات قوية، يمكن للعمال التفاوض بشكل جماعي على تحسين ظروف العمل، سواء من حيث الأجور أو ساعات العمل أو الحصول على إجازات مرضية وإجازات سنوية. كما يمكن للنقابات أن تعمل على خلق مبادرات لتدريب العمال على المهارات المطلوبة للتنمية وسوق العمل، كما يمكن أن توفر برامج توعية وتثقيف لتحسين معرفتهم بحقوقهم ومساعدتهم على المطالبة بها.
- زيادة مشاركة المرأة في العمل: بالرغم من أن نسبة النساء في سن العمل تصل إلى 49.2٪ إلا أن نسبة مشاركتهن الفعلية في سوق العمل لا تتجاوز 6٪ من خلال تنشيط النقابات، يمكن تحسين بيئة العمل الملائمة للمرأة وتشجيع المزيد من النساء على المشاركة في العمل، بما يسهم في تحقيق توازن أكبر في صفوف القوى العاملة.
- الدفاع عن الاقتصاد الوطني: تقف النقابات على الدوام ضد السياسات الليبرالية التي تتخلى عن القطاع العام وتهمش الصناعة والزراعة. النقابات يمكن أن تدفع نحو إعادة توجيه الاستثمارات نحو هذه القطاعات الإنتاجية، مما يخلق فرص عمل جديدة ويقلل من الاعتماد على الريع (الجبايات).
- دعم القطاعات الإنتاجية: الحركة النقابية يمكن أن تسهم في تحسين أداء العمال وزيادة الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الزراعة والصناعة والخدمات فتحسين ظروف العمل سيشجع العمال على تقديم أداء أفضل وبالتالي يسهم في التنمية الاقتصادية.
- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: من خلال تنظيم العمال وتمثيلهم في النقابات، يمكن لهذه النقابات أن تلعب دوراً محورياً في مناقشة وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الطبقة العاملة، مثل البطالة، تدني الأجور، وظروف العمل غير المستقرة في القطاع غير الرسمي.
- العدالة الاجتماعية: النقابات العُمالية توفر منصة للعمال للتعبير عن مطالبهم والدفع نحو تحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق العدالة والمساواة في توزيع الثروة والفرص.
إشكالية الحركة النقابية في اليمن
النقابات العمالية في اليمن تواجه عدة تحديات تعوق عملها بشكل فعّال، من أبرز هذه التحديات استمرار الحرب العدوانية وتأثيرها المدمر على الاقتصاد والبنية التحتية، منذ عام 2016، تم تعليق دفع الرواتب لموظفي الخدمة المدنية، مما أدى إلى تفاقم معاناة العاملين، وبدلاً من الاستمرار في وظائفهم، اضطر العديد من العمال إلى الانتقال إلى مهن أخرى أقل استقراراً أو بدون أجر منتظم.
إلى جانب ذلك، يعاني العديد من النقابيين من التضييق والقيود المفروضة في مختلف المناطق، لذا تجد النقابات صعوبة في التعبير عن مصالح العمال نتيجة التوترات السياسية والانقسامات.
القانون اليمني للنقابات غير مطبق بشكل فعّال، هذا يحد من قدرة النقابات على العمل بحرية ويجعلها عرضة للقمع، ناهيك عن القصور القانوني.
تعاني النقابات في اليمن أيضاً من نقص التمويل، مما يحد من قدرتها على تقديم الخدمات لأعضائها مثل التدريب أو الدعم القانوني. هذا النقص في الموارد يجعل النقابات أقل فاعلية في التفاوض على تحسين ظروف العمل.
بعض النقابات تعاني من الخلافات الداخلية، سواء على مستوى القيادة أو بين الأعضاء، أو وجود نقابتين لمهنة واحدة، تقلل هذه الانقسامات من قوة النقابة وتؤدي إلى ضعف تمثيل العمال، كما أن هناك مشكلة انفصالية، في تشكيل اتحاد عام لنقابات عمال الجنوب يرعاه «المجلس الانتقالي».
نسبة كبيرة من الطبقة العاملة اليمنية يعملون في القطاع غير المنظم، مما يجعلهم خارج نطاق الحماية التي توفرها النقابات التقليدية، وهذا يشكل تحدياً كبيراً للنقابات التي تسعى إلى توسيع عضويتها وضمان حقوق جميع العمال.
العمال في اليمن يفتقرون إلى الوعي بحقوقهم أو بفوائد الانضمام إلى النقابات، ولازالت رواسب العصبيات المناطقية والجهوية والقبلية والمذهبية والشطرية تسيطر عليهم، هذا يجعل من الصعب على النقابات بناء عضوية قوية والضغط من أجل تحسين الظروف.
الاقتصاد اليمني هش يتأثر بالأزمات السياسية والمالية، وفي مثل هذه الظروف، فإن قدرة النقابات على التفاوض على أجور أفضل أو شروط عمل محسنة محدودة للغاية بسبب الضغوط الاقتصادية.
كل هذه العوامل -وأخرى غير مذكورة- تجعل النقابات في البلدان النامية تواجه تحديات فريدة وصعبة تختلف عن تلك الموجودة في البلدان المتقدمة.
أهمية إشراك النقابات في التغييرات الجذرية
إشراك النقابات في عملية الإصلاحات سيعزز من فرص نجاحها ويضمن عدالة أكبر في توزيع آثارها، مع تقليل التوترات الناتجة عن هذه التغييرات.
مشاركة النقابات في هذه التغييرات يمكن أن تضمن أن أي تغييرات قانونية أو اقتصادية لا تأتي على حساب العمال وحقوقهم، النقابات يمكن أن تلعب دوراً في التفاوض حول تحسين الأجور، حقوق العمل، والضمان الاجتماعي.
إشراك النقابات في العملية الإصلاحية يزيد من شفافية الحكومة ويعزز الثقة بين الحكومة والطبقة العاملة، النقابات يمكن أن تكون صوتاً للشفافية في ما يتعلق بكيفية تنفيذ الإصلاحات والآثار المترتبة عليها.
بما أن النقابات تمثل شريحة كبيرة من القوى العاملة، فإن إشراكها يمكن أن يسهم في ضمان تحقيق إصلاحات تعزز من الإنتاجية وتحقق التنمية الاقتصادية المستدامة مع مراعاة العدالة الاجتماعية.
يمكن للنقابات أن تلعب دوراً في متابعة ومراقبة تنفيذ الإصلاحات، وضمان عدم الإضرار بمصالح العمال وتحسين ظروفهم، خاصة في مجالات مثل التشغيل، الأجور، والحماية الاجتماعية.
يمكن للنقابات أن تنظم حملات توعية وتثقيف للعمال حول حقوقهم، بما يعزز من مشاركتهم الفعّالة في العملية الإصلاحية ويضمن أنهم على علم بالتغييرات التي قد تؤثر عليهم.
أثر إشراك النقابات على التماسك الاجتماعي
يمكن للنقابات أن تلعب دوراً في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال تحسين أوضاع العمال وتقليل الفجوات الاجتماعية، التركيز هنا على أن تحسين بيئة العمل ومستوى المعيشة يسهم في الاستقرار الاجتماعي ويقلل من النزاعات؛ فدور النقابات الاجتماعي لا يقتصر على الدفاع عن حقوق العمال، بل إن النقابات مكونا هامً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والتنمية، وبالتالي فإن إشراكها في الإصلاحات ينعكس إيجابياً على المجتمع بشكل عام.
النقابات بطبيعتها تجمعات قائمة على المصلحة الاقتصادية والمهنية بين أفراد من مختلف الانتماءات في البلد، وهي في الأساس تمثل مصالح العمال، بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو المناطقية أو الحزبية. هذا يجعلها أداة فعالة لتوحيد القوى الشعبية على أساس المصالح الجماعية المشتركة التي تخدم عموم اليمنيين، مما يقلل من تأثير العصبيات. كما أن النقابات يمكن أن تروج لمفهوم المواطنة بين العمال والمواطنين في الحقوق والواجبات، وهو ما يمكن أن يحد من الانقسامات القائمة على العصبيات التقليدية.
من خلال التركيز على قضايا العمال الوطنية والمشتركة، يمكن للنقابات تعزيز الشعور بالهوية الوطنية والحد من تأثير العصبيات، هذا يساعد على بناء إجماع وطني حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأكثر أهمية، ولطالما كانت الحركة الوطنية اليمنية داعية لتعزيز الهوية الوطنية والوحدة اليمنية.
النقابات التي تعمل على حماية حقوق العمال وتحسين ظروف العمل يمكن أن تلعب دوراً في منع النزاعات الاقتصادية من التحول إلى نزاعات اجتماعية. النزاعات الاقتصادية غالباً ما تكون محفزاً للتوترات الاجتماعية إذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح؛ النقابات يمكن أن تتوسط لحل هذه النزاعات بطريقة تضمن الاستقرار.
عبر دعم سياسات تحمي حقوق العمال الفقراء والمهمشين، تسهم النقابات في تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، هذا يساعد على تخفيف التوترات التي تنشأ بسبب الفقر و التهميش.
دور النقابات في التجارب العالمية
السويد
للسويد تجربة مهمة في الحوار الاجتماعي حيث يُعتبر نموذجاً للتنسيق بين الأطراف الثلاثة (النقابات، الحكومة، أصحاب العمل) لتطوير سياسات اقتصادية تحقق مصلحة الجميع.
ملامح تجربة السويد في الشراكة النقابية:
الحوار الاجتماعي الثلاثي:
السويد تعتمد على نظام الحوار الثلاثي، وهو نموذج يعترف بأهمية التعاون بين الحكومة، النقابات العمالية، وأصحاب العمل. هذا الحوار يشمل نقاشات مستمرة حول السياسات الاقتصادية، سوق العمل، والتغييرات التشريعية التي تؤثر على العمال وأصحاب العمل.
على سبيل المثال، يتم التفاوض على الأجور وظروف العمل بشكل جماعي بين النقابات وأرباب العمل دون تدخل كبير من الحكومة، مما يسهم في الاستقرار والتفاهم بين جميع الأطراف.
اتفاقيات العمل الجماعية:
تُعد اتفاقيات العمل الجماعية واحدة من أبرز الأدوات التي تستخدمها النقابات في السويد لضمان حقوق العمال. هذه الاتفاقيات تغطي كل شيء، من الأجور إلى حقوق التقاعد وظروف العمل. النقابات تلعب دوراً أساسياً في إبرام اتفاقيات شاملة مع أصحاب العمل، وتعتبر هذه الاتفاقيات ملزمة قانونياً لكلا الطرفين.
استقلالية النقابات:
تتمتع النقابات في السويد باستقلالية عالية عن الحكومة، حيث تقوم بتحديد سياساتها واستراتيجياتها الخاصة دون تدخل مباشر. هذا يضمن للنقابات حرية في التعبير عن مصالح العمال بشكل أكثر فاعلية.
نسبة الانضمام العالية للنقابات:
يُعتبر معدل الانضمام إلى النقابات في السويد من بين أعلى المعدلات عالمياً، حيث ينضم حوالي 70% من القوى العاملة إلى النقابات. هذا يعزز من قوتها التفاوضية ويسهم في تحقيق توازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل.
حل النزاعات العمالية:
واحدة من السمات البارزة للتجربة السويدية هي القدرة على حل النزاعات العمالية بشكل سلمي من خلال المفاوضات. النزاعات الكبرى نادرة بفضل آليات الحوار المستمرة والإطار التنظيمي الذي يحكم العلاقات بين الأطراف المعنية.
دور الحكومة:
تلعب الحكومة السويدية دوراً تنظيمياً وتنسيقياً في العلاقة بين النقابات وأصحاب العمل، حيث تتدخل بشكل محدود جداً لضمان سير الأمور وفق القانون. تركيز الحكومة يكون على توفير بيئة مناسبة للحوار بدلاً من التدخل المباشر في التفاوض.
الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للتجربة السويدية:
تجربة السويد ساعدت في تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد من خلال تقليل النزاعات العمالية وتعزيز الثقة بين العمال وأرباب العمل. فقد أسهمت النقابات بشكل مباشر في تحسين مستوى الأجور وضمان حقوق العمال، مما أدى إلى تقليص الفجوات الاقتصادية داخل المجتمع. كما أدت إلى تحقيق نسبة عالية من الرفاه الاجتماعي بفضل التعاون بين جميع الأطراف في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
الدروس المستفادة لليمن:
- يمكن لليمن أن يستفيد من تجربة السويد في تفعيل الحوار الاجتماعي، وخلق إطار قانوني يعزز من استقلالية النقابات.
- إنشاء مجالس تنسيق ثلاثية بين الحكومة، النقابات، وأصحاب العمل يمكن أن يكون خطوة نحو بناء شراكة فعالة لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة.
- الاتفاقيات الجماعية يمكن أن تكون أداة قوية في تنظيم علاقات العمل وحماية حقوق العمال في اليمن.
- تجربة السويد توفر نموذجاً ناجحاً وفعالاً يمكن لدول نامية مثل اليمن الاستفادة منه في بناء حركة نقابية قوية تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
البرازيل
التجربة النقابية البرازيلية تعتبر واحدة من أكثر التجارب الناجحة عالمياً، خاصة خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات. كان للنقابات في البرازيل دور حاسم في التحولات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد.
كان للنقابات العمالية دور أساسي في حركة العمال التي قادها لولا دا سيلفا، الذي كان رئيس نقابة عمال الصلب في ساو باولو. أسس لولا «حزب العمال» عام 1980م، ليصبح صوتاً سياسياً قوياً للطبقة العاملة.
تمكنت النقابات من لعب دور مركزي في حشد الاحتجاجات ضد النظام الديكتاتوري والدعوة إلى انتخابات ديمقراطية، وكانت في طليعة الحركات المطالبة بالتحول الديمقراطي الذي تحقق في منتصف الثمانينيات.
الاتحاد المركزي للعمال (CUT):
تأسس الاتحاد المركزي للعمال في عام 1983، ويعتبر من أهم المنظمات النقابية في البرازيل وأمريكا اللاتينية. وكان من أبرز أهدافه تحسين ظروف العمل، وزيادة الأجور، وتعزيز حقوق العمال.
هذا الاتحاد كان له دور أساسي في النضال ضد سياسات «التكيف الهيكلي» (شروط صناديق الإقراض) التي كانت تفرضها المؤسسات المالية الدولية خلال التسعينيات. ونجح في تحقيق مكاسب عديدة للعمال وتحسين ظروفهم.
النقابات والتحول الاقتصادي:
بعد انتخاب لولا دا سيلفا كرئيس للبرازيل في 2003م، كان للنقابات دور كبير في صياغة السياسات الاقتصادية. حيث تم تحسين برامج الحماية الاجتماعية، وخلق ملايين فرص العمل، وتحسين ظروف الطبقة العاملة. أسهمت النقابات في الحفاظ على الحوار بين الحكومة والعمال وأرباب العمل، ما ساعد في تقليل التوترات الاجتماعية وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي.
الدرس المستفاد:
تمكين الطبقة العاملة: كانت النقابات البرازيلية تعمل على تمكين العمال عبر تنظيمهم والدفاع عن حقوقهم. وقد أثبتت التجربة أن النقابات القوية قادرة على التفاوض مع الحكومات وتحقيق إصلاحات اقتصادية.
الشراكة مع الحكومة: بعد صعود حزب العمال إلى السلطة، تمتع العمال بتمثيل مباشر في الحكومة، ما أسهم في تعزيز حقوقهم وتمكينهم من التأثير على السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
التحديات والانتقادات: على الرغم من النجاحات الكبيرة، واجهت النقابات البرازيلية تحديات، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية والفساد السياسي. كما تعرضت للنقد بأنها أصبحت قريبة جداً من الحكومة خلال حكم حزب العمال، ما أثر على قدرتها على النقد والتصحيح.
الخلاصة: التجربة النقابية البرازيلية تُظهر كيف يمكن للنقابات أن تكون أداة فعالة في تعزيز الديمقراطية الاجتماعية، وتحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية تعود بالنفع على الطبقة العاملة، وذلك من خلال تنظيم العمال وبناء شراكات فعالة مع الحكومة.
التوصيات
- تحديث القوانين المنظمة للنقابات، لاسيما قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 2002م، لضمان حقوق العمال وحماية استقلالية النقابات.
- ضمان تطبيق القوانين، وتوفير آليات لفض النزاعات العمالية.
- إعادة النظر في التعريفات القانونية للعمال وتوسيع نطاق الحماية ليشمل جميع الفئات العاملة، بمن في ذلك العمال في القطاع غير النظامي.
- العمل على فصل النقابات عن التأثيرات السياسية لضمان تمثيلها لمصالح العمال بعيداً عن الأجندات الحزبية.
- تمكين النقابات من ممارسة دورها في مراقبة تطبيق القوانين وضمان حقوق العمال بدون تدخل خارجي.
- توفير الدعم المالي والتقني للنقابات لتوسيع نطاق خدماتها وتقديم الدعم القانوني والتدريبي لأعضائها.
- تعزيز التواصل بين النقابات المختلفة في اليمن لتشكيل تحالفات قوية تدافع عن حقوق العمال على المستوى الوطني.
- تنظيم حملات توعوية تهدف إلى تثقيف العمال بحقوقهم النقابية، وتقديم برامج تدريبية لتطوير مهاراتهم المهنية والقانونية.
- نشر الوعي بأهمية الانخراط في العمل النقابي وتفعيل دوره في تحسين بيئة العمل والمساهمة في التنمية الوطنية.
- تشجيع النقابات على لعب دور فعّال في الدفاع عن الصناعات الوطنية والقطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، وتعزيز الاستثمارات في هذه المجالات.
- تمكين النقابات من مناقشة التحديات الاقتصادية والتفاوض مع الحكومة لتحقيق توازن في السياسات الاقتصادية والاجتماعية بما يخدم مصلحة العمال والاقتصاد الوطني.
- تعزيز التنسيق بين النقابات العمالية في جميع المحافظات اليمنية لتوحيد المطالب وتعزيز القدرة التفاوضية أمام القطاعين العام والخاص.
- تشجيع تشكيل مجالس تنسيق نقابية مستقلة لضمان تمثيل مصالح العمال في كافة القطاعات.
- البحث عن حلول لمواجهة تأثيرات الحرب على الحركة النقابية، بما في ذلك تأمين الرواتب وضمان استقرار العمالة.
- تبني مبادرات لدعم العمال المتضررين من الحرب وخلق فرص عمل بديلة للعاملين الذين فقدوا وظائفهم.
- تبني سياسات اقتصادية عادلة تحمي القطاع العام وتحافظ على حقوق العمال في مواجهة الخصخصة وتدهور حقوقهم.
خاتمة
تؤكد مسيرة الحركة النقابية في اليمن على دورها الحيوي في الدفاع عن حقوق العمال والمساهمة في تشكيل الحراك الاجتماعي والسياسي عبر مختلف المراحل التاريخية. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها النقابات، فإنها ظلت جزءاً فاعلاً في المشهد اليمني، متأثرة ومؤثرة في مسار الثورات والنضالات الاجتماعية.
في خضم الواقع الحالي الذي يتسم بالاضطرابات السياسية والاقتصادية، تتجلى الحاجة الماسة إلى إحياء الدور النقابي وتحديثه ليكون قادراً على مواكبة التحديات الجديدة. كما أن تعزيز الأطر القانونية والتمثيل العادل للعمال أصبح ضرورة ملحة لإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع اليمني على أسس أكثر عدالة.
ختاماً، تبقى الحركة النقابية في اليمن مرآة تعكس نضالات العمال عبر عقود من الزمن، ومع دراسة تاريخها وتجاربها، يمكن استنباط الدروس اللازمة لدفع عجلة التقدم وتحقيق مستقبل أفض لليمن وعماله.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي