آليات التأثير والهيمنة السعودية في اليمن ومستقبلها (2 - 2)
- أنس القاضي الأحد , 1 ديـسـمـبـر , 2019 الساعة 6:07:08 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
التعيينات والتزكيات
احتفظت السعودية بنوع من التأثير على القرار الحكومي والمؤسسي اليمني عبر هذه الآلية في تزكية شخوص معينة لتولي مناصب معينة في الحكومة والمؤسسات اليمنية يبقى معها هذا الشخص موالياً للحكومة السعودية على حساب التزاماته الرسمية تجاه خدمه الشعب والوطن اليمني من موقعه هذا.
مستقبل هذه الآلية مرهون بموقف الدولة مستقبلاً من السيادة الوطنية واستقلال القرار الوطني والأخذ بمعايير الوطنية ثم الكفاءة والخبرة، ومازالت هذه الآليات فاعلة بشكل كبير في حكومة هادي والمناطق التي يُسيطر عليها تحالف العدوان، فيما تخلصت منها صنعاء.
العلاقات القبلية
مارست السعودية نوعاً من التأثير والهيمنة عبر نفوذها في أوساط القبيلة اليمنية عبر دعم المشيخات الوطنية والعميلة معاً. فلم يكن الدعم السعودي سابقاً يُنظر إليه كعمالة ولم توجد حالة ورع عند القبائل برفض تلقي الأموال من السعودية، فقد تطبعت الدولة والمجتمع على تلقي الأموال السعودية.
آلية التأثير هذه ضَعُفت مع واقع التضحيات التي قدمتها القبيلة اليمنية، ومع وجود إجماع يمني عام حتى بين صفوف المرتزقة بأن تلقي الأموال من السعودية هو نوع من العمالة والخيانة الوطنية.
وسوف تعزز هذه التغيرات للحد من آليات التأثير السعودية عبر القبيلة اليمنية تجريم تلقي الأموال من المملكة، وبسيطرة قوات حرس الحدود اليمنية على الحدود مع السعودية وعدم تسليم هذه المهمة للقبائل ذاتها.
ويُلاحظ بأن الوضع في قبائل حضرموت يختلف عن البقية، حيث مازالت هناك رغبة قبلية وميول تجاه المملكة، على عكس مثلاً قبائل المهرة وشبوة، وهذا يعود لخصوصية حضرموت.
العلاقات الأمنية العسكرية
مثل الجيش اليمني إقطاعية خاصة بالسعودية طوال الفترة الماضية، وخاصة الوحدات العسكرية التي تسيطر على المناطق الحدودية، والقوات العسكرية العائدة من حرب أفغانستان، والمعسكرات التكفيرية، والاختراق الاستخباراتي للأجهزة الأمنية، فشمل النفوذ السعودي كل وحدات الجيش والأمن وصولاً إلى القوات العسكرية غير النظامية المليشياوية والقَبلية، لتملك السعودية أكبر قوات عسكرية خارج بلدها مُستعدة للقيام بالواجب في خدمتها، من الاغتيالات إلى الحروب الأهلية.
استمدت السعودية نفوذها في الوجود العسكري اليمني من مسألة تشتت الجيش وعدم خضوعه لقيادة مركزية موحدة ومن خلال ضمان ولاء القبائل وتساهل الحكومة اليمنية على المعسكرات التكفيرية، وفي مناطق العدوان ومرتزقته يتجلى التأثير السعودي على القوى.
سيطرة قوات الجيش واللجان الشعبية على المناطق الوطنية، وما يجري من تحولات نحو إعادة بناء الجيش ورفده باللجان الشعبية وتغيير كثير من القبائل موقفها من السعودية.. كل هذا الأمر يجعل السعودية قد فقدت جزءاً من آليتها هذه في التأثير تصل إلى 50% في أكبر تقدير، وما يحدد مصير هذه الآلية بشكل نهائي هو المعركة الحالية، وقد حشدت فيها السعودية ما استطاعت من الفواعل العسكرية اليمنية.
الروابط الثقافية الإعلامية
مثلت مختلف هذه الروابط قوة ناعمة فاعلة للسعودية في اليمن وآلية هامة في التأثير، عم هذا النفوذ المؤسسات الحكومة والأفراد والمؤسسات الخاصة، كقوة ناعمة ناطقة بما تهوى به السعودية مغطية على جرائمها مبررة لتدخلاتها وتبث سمومها وأفكارها وتجير المجتمع لها بتعدد الخطابات من الديني إلى العلماني. ويتجلى ذلك في أشياء كثيرة؛ إلا أن ما صرحت به السعودية هو ما جاء على لسان سفيرها لدى اليمن حين تحدث عن قصة تهريب علي محسن وكيف تحدث مع الصحفيين ووزع مهامهم في النشر.
يمكن القول بأن نصف هذه القوة قد ضعفت، وذلك جراء سيطرة الثورة على الخطاب الرسمي والخاص في مناطقها، وصعوبة القدرة السعودية على استقطاب وتنظيم وتحريك عمل ثقافي وإعلامي وترويجي للمملكة، ونتيجة أيضاً لبروز خطاب وطني مواز لخطاب مرتزقة السعودية عمل على إيجاد توازن، إلا أن هذه الآلية لها مُستقبل، ومختلف القوى الناعمة مواكبة للتطور، وما سيحد منها هو السيطرة على الخطاب الرسمي وتقوية الخطاب الوطني لمناهضة خطاب السعودية وتجريم تلقي الأموال من دول أجنبية ليتهيأ المجال لتباري الأفكار والثقافات.
المؤسسة الوهابية
مارست السعودية هيمنة على الوعي الاجتماعي اليمني عبر آلية السيطرة على الخطاب الديني في اليمن وتوجيه عبر مختلف الأشكال المنظمة وغير المنظمة، من مراكز التحفيظ واتحادات العلماء ومنابر المساجد والأساتذة وعقال الحارات... إلى آخره، وعبر هذه الآلية تمت السيطرة على الوعي الاجتماعي وحرف الولاء الديني والوطني لليمنيين.
هذه الآلية تشهد انهيارا، وقد سقطت مع حكومة الوحدة أهم مؤسساتها وهي "المعاهدة العلمية"، وما حشود احتفالات المولد في مختلف المناطق اليمنية إلا شهادة على رفض اليمنيين (من غير المتحزبين للإخوان أو المنخرطين في جماعات سلفية) للوهابية والخطاب الديني السياسي لحزب الإصلاح. ووفق ما يرد من تصريحات سعودية حول التخلي عن الوهابية يُمكن استنتاج أن المسار الموضوعي للوهابية هو الضعف والتوقف عند كونها معتقدات شخصية لا مؤسسات أيديولوجية. ومن أجل منع عودتها مجدداً فمطلوب أن تخضع كل الأنشطة الدينية العامة لإشراف وزارة الأوقاف.
المجتمع المدني
المجتمع المدني، من منظمات حقوقية وروابط واتحادات صحفية إعلامية فنية شبابية وغيرها من الأشكال الجديدة للتنظيم الاجتماعي المديني، رغم كون هذه الآلية هي أقل الآليات السعودية التي تلقى دعماً مع امتلاك السعودية الآليات ذات التأثير الأكبر والحاسم.
ومن المرجح بأن تلقى هذه الأشكال مزيداً من الدعم مستقبلاً لتعويض ما فقدته السعودية من آليات نفوذ وتأثير. وهذه الآلية تواكب تطور الواقع ولا يُمكن بسهولة ربطها بنشاط معاد مباشر، فإعادة تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والرقابة على تمويل وخطاب مؤسسات المجتمع المدني عموماً، مثل هذا الأمر يُضعف آلية التأثير المدنية.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي