الاستراتيجية الأمريكية البديلة للعدوان على اليمن
- أنس القاضي الأحد , 10 أغـسـطـس , 2025 الساعة 1:20:42 AM
- 0 تعليقات
أنس القـاضي / لا ميديا -
في تموز/ يوليو الماضي، نشر الباحث الأمريكي البارز مايكل روبين سلسلة من المقالات السياسية حول الشأن اليمني، حملت رؤى نقدية حادة تجاه السياسة الأمريكية القائمة، وأداء الحكومة العميلة، وواقع القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في البلاد؛ فهو يدعو إلى نهج أكثر عدوانية في التعامل مع اليمن، معتبراً السياسة الأمريكية العدوانية الراهنة أدنى مما هو مطلوب؛ فهو يطرح نهجاً يمينياً صهيونياً متطرفاً.
جاءت هذه المقالات في ثلاث منصات أمريكية مؤثرة:
- "اطردوا الإصلاح من المجلس القيادي الرئاسي في اليمن" – نُشرت في 12 تموز/ يوليو 2025 على موقع "مجلة الأمن القومي".
- "الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية جديدة في اليمن" – نُشرت في 17 تموز/ يوليو 2025 في صحيفة "واشنطن إكزامينر".
- "نقل السفارة الأمريكية إلى اليمن" – نُشرت في 18 تموز/ يوليو 2025م في "منتدى الشرق الأوسط".
- "فشل المجلس القيادي الرئاسي في اليمن. حلّوه" – نُشرت في 20 تموز/ يوليو 2025، في المنصة نفسها.
مايكل روبين يميني متطرف يعمل باحثاً في معهد "أمريكان إنتربرايز"، ويُعد من الأصوات المؤثرة في الشؤون الاستراتيجية لمنطقة "الشرق الأوسط"، بخلفية مزدوجة أكاديمية وأمنية. عمل سابقاً مستشاراً في البنتاغون، وشارك في برامج تدريبية للجيش الأمريكي، وله خبرة ميدانية في كل من إيران، العراق، اليمن، وأفغانستان، ما جعله مصدراً مرجعياً لدى صناع القرار في الدوائر المحافظة بالولايات المتحدة.
تعبّر مقالات روبين عن تيار مؤثر داخل دوائر صنع القرار الأمريكي، خصوصاً اليمين المتطرف، أو من يسمون المحافظين الجدد، والمجالس الاستشارية المرتبطة بـ"البنتاغون" و"الكونغرس"، لاسيما مع صعود أسماء مثل الصهيوني ماركو روبيو داخل وزارة الخارجية.
تقدّم رؤية ميدانية نادرة من كاتب أمريكي زار اليمن فعلاً، إذ يعرض روبين انطباعاته عن زيارته الأخيرة لعدن وشبوة في منتصف تموز/ يوليو، ما يضفي على تحليلاته طابعاً واقعياً.
عوائق السياسة الأمريكية في اليمن وتحديات السلطة الشرعية
تشير مقالات مايكل روبين إلى أن الولايات المتحدة، رغم مكانتها بوصفها أحد أبرز الفاعلين الدوليين في الشأن اليمني، ما تزال مقاربتها للأزمة اليمنية محكومة بعوائق بنيوية ومنهجية تقلل فاعليتها، وتعيد إنتاج الفشل، سواء في دعم حلفائها أو في مواجهة خصومها وعلى رأسهم أنصار الله.
انفصال القرار الأمريكي عن الواقع اليمني
أولى المعضلات البنيوية في السياسة الأمريكية تجاه اليمن -من وجهة نظر روبين- تكمن في غياب التمثيل الدبلوماسي الفعّال داخل البلاد، حيث لا تزال السفارة الأمريكية تُدار من العاصمة السعودية الرياض، بدلاً من مدينة عدن، التي تُعد "العاصمة المؤقتة" للحكومة العميلة، وتتمتع بهامش أمني معقول يسمح بعودة الدبلوماسية، حد تقدير الباحث.
هذا الغياب يعمّق عزلة القرار الأمريكي عن المعطيات الميدانية، ويجعل الولايات المتحدة طرفاً يتعامل مع الأزمة اليمنية من برج عاجي، لا بالمشاهدة الملموسة، ما ينتج قرارات مشوّشة أو غير ملائمة للسياق.
الخطاب الإنساني كعائق أمام الحسم السياسي والأمني
بحسب افتراض الباحث، تتمسك السياسة الأمريكية، ومعها الأمم المتحدة، بمقاربات حقوقية وإنسانية أيديولوجية في التعاطي مع الصراع، وهو ما يتضح في موقفها عام 2018 الرافض للسماح بحسم معركة ميناء الحديدة، بحجة أن ذلك سيؤدي إلى كارثة إنسانية. غير أن هذا الموقف -وفقاً لروبن- وفر غطاءً لوجستياً وسياسياً لأنصار الله للاستمرار في استخدام الميناء كنقطة لتهريب الأسلحة القادمة من إيران، وتوسيع شبكتهم العسكرية والاقتصادية.
هذا التضارب بين الأهداف الإنسانية المفترضة والنتائج الاستراتيجية الفعلية يعكس -من وجهة نظر روبين- فشلاً في مواءمة المبادئ مع الواقع، ويحوّل الخطاب الإنساني إلى أداة لإطالة أمد الصراع، بدلاً من حله.
التذبذب والتناقض بين الإدارات الأمريكية
أبرز روبين ما يعتبره التناقضات بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي تنعكس سلباً على استقرار السياسات تجاه اليمن. فقد صنّفت إدارة ترامب أنصار الله منظمة "إرهابية"، بينما ألغت إدارة بايدن التصنيف في بداية ولايتها، بحجة تسهيل وصول المساعدات، ثم أعادت مناقشة فكرة إعادة التصنيف بعد تصاعد الهجمات على السفن والمصالح الأمريكية. هذا التردد لا يُضعف فقط مصداقية واشنطن، بل يشجع أنصار الله على اختبار حدود القوة دون رد حاسم، حد تعبيره.
التذبذب السياسي، من العقوبات إلى محاولات الحوار، ومن دعم التحالف إلى انتقاده، أظهر السياسة الأمريكية كطرف مُربك لحلفائه ومُتساهل مع أعدائه، ما أدى إلى إضعاف مكانة الولايات المتحدة لدى الأطراف اليمنية.
أولوية الاعتبارات الجيوسياسية على المصالح الميدانية
تحضر في السياسة الأمريكية اعتبارات تتعلق بإرضاء حلفاء إقليميين مثل قطر، تركيا، وسلطنة عُمان، ما يحدّ قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة ضد أطراف مثل حزب الإصلاح، رغم ما يعتبره روبين "أدلة موثقة" على ارتباط الحزب بتنظيمي "القاعدة" وأنصار الله.
يرى روبين أن واشنطن، بسعيها إلى الحفاظ على التوازن مع هذه الدول، تتجاهل التحديات الأمنية التي تفرضها تلك القوى الإقليمية عبر أدواتها في اليمن. ويعزز هذا التناقض حضور أطراف داخل السلطة اليمنية تمارس -بحسب زعمه- دور "حصان طروادة"، يُقوّض جهود محاربة القوات المسلحة اليمنية من داخل الحكومة (العميلة) نفسها.
غياب استراتيجية كلية للحسم
السياسة الأمريكية تبدو -وفقاً لتحليل روبين- منشغلة بإدارة الأزمة، لا بحلها؛ إذ تفضل "الخيمة الواسعة" عبر تشكيل مجلس قيادة رئاسي موسّع، على حساب الفاعلية السياسية والتنفيذية، ما أدى إلى خلق كيان سياسي عاجز ومتنازع داخلياً، بينما يتم استبعاد حلول أكثر واقعية، كإعادة هيكلة السلطة أو دعم نموذج فيدرالي.
في هذا السياق، تغيب الرؤية الاستراتيجية الواضحة، وتغيب معها أولويات حاسمة، مثل تعطيل شبكات التهريب، تفكيك التحالفات الطائفية، أو إعادة تموضع الدعم الدولي على أسس جديدة.
تحديات السلطة "الشرعية"
إن فشل من يسميهم بالمجلس "الرئاسي" والحكومة "الشرعية"، لا يمكن فصله عن سياق ضعف الدعم الدولي؛ لكنه كذلك نتيجة مباشرة لتناقضات داخلية بنيوية، وفقدان القيادة للشرعية الشعبية والقدرة التنفيذية.
بنية هجينة قائمة على المحاصصة السياسية والمناطقية
بحسب روبين، يتكون مجلس القيادة الرئاسي من شخصيات تمثل أجنحة عسكرية وسياسية مختلفة، وغالباً متنافسة، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، حزب الإصلاح، المؤتمر الشعبي، المقاومة الوطنية، وممثلون قبليون.
هذه البنية الفسيفسائية -حد تعبيره- "لا تعكس مشروعاً وطنياً جامعاً"، بل تبدو وكأنها صيغة تعايش مؤقت فرضها التدخل الإقليمي والدولي، دون توافق حقيقي حول الأولويات الوطنية، ما جعل المجلس ساحة للتجاذبات لا منصة لاتخاذ القرار.
تآكل ثقة الشعب بالحكومة الفندقية
يتكرر في خطاب روبين وصف "حكومة عدن" بأنها "حكومة الفنادق"، نسبة إلى إقامتها الطويلة في القاهرة والرياض، وعجزها عن ممارسة الحكم من الداخل. هذا التباعد المكاني ترافق مع تدهور اقتصادي وخدمي في المناطق الخاضعة لتحالف العدوان، وهو ما عزز شعور المواطنين بالخذلان، ووفّر بيئة خصبة لتصاعد السخط الشعبي، وحتى لتقبل نموذج صنعاء في بعض المناطق.
يرصد روبين ما يصفه بمظاهر فساد واضحة لدى بعض الوزراء وقادة السلطة "الشرعية"، من نهب الموارد إلى عرقلة الاستفادة من الثروات النفطية في الجنوب، وشراء العقارات والمظاهر الباذخة في الخارج، وكل ذلك في وقت تُحرم فيه مناطق واسعة من الكهرباء والرواتب والخدمات. يعكس ذلك خللاً عميقاً في العلاقة بين النخبة الحاكمة والمجتمع، ويُكرّس منطق النهب بدلاً من منطق الدولة.
نفوذ حزب الإصلاح واختراقاته الأمنية
يعتبر روبين أن حزب الإصلاح لا يمثل شريكاً حقيقياً في الحرب ضد أنصار الله، بل هو فاعل انتهازي يدير علاقات مزدوجة، ويُنسّق مع "القاعدة" وأنصار الله لتحقيق مكاسب ذاتية. كما يُحمّله مسؤولية توفير الغطاء السياسي لعناصر متورطة في عمليات "إرهابية"، كأمجد خالد، وعرقلة أي جهد حقيقي لبناء مؤسسات أمنية موحدة.
الرؤية المقترحة لمعالجة التحديات
يطرح مايكل روبين في مقالاته الأخيرة مجموعة من المقترحات السياسية والعملية التي تشكل، من وجهة نظره، خارطة طريق لتجاوز عوائق السياسة الأمريكية والتحديات البنيوية التي تعاني منها السلطة العميلة في اليمن.
تنبع هذه الرؤية من منظور محافظ أمريكي، ومن المدرسة السياسية الواقعية، يُقدّم ما يعتبره "قراءة ميدانية مباشرة" للأوضاع في عدن وشبوة، وينتقد بشدة المقاربات الدبلوماسية الغربية القائمة على الشمولية (أي حشد كل القوى في حكومة واحدة ومجلس واحد ليكون شاملاً لكل الأطراف)، والمقاربات الإنسانية التي يُنظر إليها كعائق أمام الحسم السياسي والعسكري.
أولاً: تصحيح مسار السياسة الأمريكية تجاه اليمن
استعادة الحضورالدبلوماسي المباشر
يرى روبين أن غياب السفارة الأمريكية عن اليمن يمثل خللاً بنيوياً يحول دون فهم الوقائع اليومية على الأرض، ويدفع باتجاه قرارات بعيدة عن الواقع. ويوصي بعودة فورية ودائمة للدبلوماسيين الأمريكيين إلى عدن، مقترحاً خيارين:
- نقل السفارة إلى مطار عدن الدولي؛ لكونه مؤمناً ويسمح بتطبيق نموذج مشابه لتجربة السفارة الأمريكية في مقديشو.
- بناء مقر جديد في المنصورة بعدن؛ لكونها منطقة مستقرة وواسعة نشأت حديثاً وتتوفر فيها شروط أمنية ومعمارية لبناء سفارة متكاملة، حد وصفه، والمنصورة كانت تاريخياً مقر سلطة الاحتلال البريطاني قبل حرب التحرير الشعبية 14 أكتوبر 1963.
يؤمن روبين بأن وجود الدبلوماسيين الأمريكيين في قلب اليمن سيعزز الفهم العميق للصراع، ويضعف نفوذ الأطراف التي تحاول توجيه القرار الأمريكي من الخارج، خصوصاً في الرياض أو مسقط.
إعادة تصنيف أنصار الله كـ"منظمة إرهابية"
يحمّل روبين أنصار الله -وبالتالي القوات المسلحة اليمنية- المسؤولية المباشرة عما يصفه بـ"تهديد الأمن الإقليمي والدولي"، من خلال استهداف الملاحة في البحر الأحمر، والهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على السعودية، الإمارات، و"إسرائيل"، حد تعبيره. ويرى أن رفع تصنيف أنصار الله كـ"منظمة إرهابية" كان خطأً استراتيجياً ارتكبته إدارة بايدن، وينبغي تصحيحه فوراً.
إعادة التصنيف، بحسب روبين، ستُعيد الاعتبار القانوني والرمزي للتحالف ضد الأنصار، وتفتح المجال لعقوبات أشمل على الداعمين الإقليميين للجماعة، وعلى رأسهم إيران.
تصنيف حزب الإصلاح كـ"تنظيم إرهابي"
لا يقلّ وضوح روبين في طرحه عن حزب الإصلاح، إذ يعتبره متورطاً في دعم "القاعدة" وتسهيل نشاطاته. كما يشير إلى حالات محددة مثل أمجد خالد (اللواء في وزارة دفاع المرتزقة المرتبط بـ"الإرهاب")، ويزعم وجود تنسيق بين قيادات إصلاحية وقيادات في تنظيم القاعدة وأنصار الله.
وعليه، يوصي بتصنيف الحزب كـ"تنظيم إرهابي أجنبي"، أسوةً بما فعلته دول عربية أخرى. ويرى أن بقاءه في "مجلس القيادة الرئاسي" يُشكّل تهديداً لاستقرار المناطق التي يصفها بالمحررة، ولجهود ما يسميه بـ"التحالف الدولي ضد الإرهاب".
تغيير نموذج إيصال المساعدات الدولية
يشير روبين إلى ما يعتقد أنه فشل "اتفاق ستوكهولم 2018" في منع تهريب الأسلحة عبر ميناء الحديدة، ويصفه بأنه اتفاق قام على "الوهم الإنساني"، ويدعو إلى:
- إغلاق ميناء الحديدة أو تدميره إن لزم الأمر لمنع استخدامه في تهريب الأسلحة.
- توجيه كل المساعدات عبر ميناء عدن، بوصفه تحت سيطرة الحكومة "الشرعية"، ويُتيح توزيعاً أكثر شفافية وخضوعاً للرقابة الدولية.
ثانياً: إصلاح هيكل السلطة «الشرعية»
حل المجلس "الرئاسي" أو إعادة هيكلته
ينتقد روبين تجربة ما يسميها بـ"الخيمة الواسعة" التي جمعت أطرافاً متضادة داخل "المجلس الرئاسي". ويرى أن هذه الصيغة كرّست الشلل بدلاً من التوافق. ويقترح نموذجاً مبسطاً يقوم على: رئيس فخري يرمز للوحدة (أي واقعياً بدون صلاحيات)، ونائبين تنفيذيين، أحدهما يمثل الشمال والآخر الجنوب، يتوليان إدارة شؤون كل إقليم ويُشكّلان حكومتيهما واختصاصاتهما.
بهذا النموذج -حسب رؤيته- سيتم تقليص الصراع البيني داخل السلطة، وتحقيق قدر من اللامركزية التنفيذية التي تُقرب الإدارة من المواطنين، وتُعزز فاعلية الحكم المحلي.
فرض شرط الإقامة في الداخل على المسؤولين
يرى روبين أن أحد أبرز عوامل فشل السلطة العميلة هو إدارة شؤون الداخل من الخارج، ويدعو إلى: فرض قيود على الإقامة الخارجية للمسؤولين، بحيث لا يُسمح لأي نائب رئيس أو وزير بقضاء أكثر من شهر واحد سنوياً خارج اليمن. وكذا ربط الدعم الدولي بشرط التواجد الميداني، كوسيلة لتحفيز الحكم الرشيد وربط النخبة بالواقع.
تمكين الجنوب من إدارة موارده وتقرير مصيره
ينظر روبين إلى الجنوب كمنطقة أكثر استقراراً ونضجاً إدارياً - كما يفترض، ويعتبر أن محاولات السلطة المركزية تعطيل استفادته من موارده (مثل النفط والاتصالات) نابعة من كيد سياسي وتعصب مناطقي ضد الجنوبيين.
وهو بالتالي يؤيد ضمنياً مشروع الحكم الذاتي، أو حتى الانفصال، إذا اختاره الجنوبيون، مؤكداً أن استمرار ما يصفها بـ"الوحدة القسرية" قد يكون مصدراً للفوضى أكثر من كونه ركيزة للاستقرار.
دعم الفيدرالية الواقعية كحل للصراع
يوصي روبين بنموذج فيدرالي غير مركزي تتوزع فيه السلطات والصلاحيات بين الشمال والجنوب، دون أن يكون لأي طرف سلطة على الآخر، ودون تدخلات متبادلة في الشؤون المالية أو العسكرية أو الإدارية. ويرى أن هذا النموذج، رغم كلفته السياسية، هو الطريق الوحيد لضمان الاستقرار الطويل الأمد، وتجنب تكرار تجارب المركزية الفاشلة.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي