أنس القاضي

أنـس القاضـي / لا ميديا - 

منذ تبنت أسرة ابن سعود مذهب محمد بن عبدالوهاب في نهاية القرن الثامن عشر، وهي تتطلع نحو بسط نفوذها على الجزيرة العربية كلها باسم "الفتوحات الإسلامية" ونشر المذهب الوهابي. وقد مثلت الوهابية لابن سعود ما مثلته المسيحية للإمبراطورية الرومانية، حيث أخفى ابن سعود خلف ستار الوهابية مطامعه التوسعية في اليمن ومناطق الجزيرة العربية. 

باسم تجديد الإسلام ونشر "لواء التوحيد" مضت الأسرة السعودية تُعيد "فتح" الجزيرة العربية من جديد، حتى طرقت جيوشها أبواب الكوفة وحدود سوريا، وكانت اليمن أهم منطقة في الجزيرة العربية استهدفها التوسع السعودي الوهابي. فقد كان الوهابيون يرون أن "اليمنيين مارقون يجب إعادتهم بالقوة إلى حظيرة الإسلام"، ولاسيما معتنقي المذهب الزيدي، ولم يسلم منها الشوافع والصوفيون والإسماعيليون. 
في بداية توسعها لم تجد الوهابية آذاناً صاغية في اليمن -كما لاقته من بعد الفورة النفطية- وقد كان أمراء وأئمة اليمن وحكامها المحليون أشد الرافضين لمنطق التوسع السعودي الوهابي، كما كان موقف السكان اليمنيين شديد الرفض للوهابية، فقد رأى اليمنيون في الغزوات الوهابية استمراراً للغارات الهمجية التي تقوم بها قبائل نجد المتخلفة على المراكز الحضارية في اليمن. ولم يعتبر اليمنيون يوماً أنفسهم "كُفاراً" أو جاهلين بالدين الإسلامي، وهم الذين أدركوا مضامينه الحضارية العميقة، ودخلوه فيه أفواجاً، ونصروا حامل رسالته محمد عليه وآله السلام.

مجزرة تنومة
شهد العام 1430 هجرية الموافق 1922 ميلادية، مجزرة وهابية وحشية بحق الحجاج اليمنيين على أيدي الجيش الوهابي لابن سعود، عرفت بمجزرة تنومة نسبة إلى المنطقة التي وقعت فيها، في عسير بين بلاد بن لسْمر وبن لحْمر.
استُشهد في مجزرة تنومة ما يقارب 3 آلاف من الحجاج اليمنيين، فبينما الحجاج اليمنيون يجتازون وادي تنومة كانت ترصدهم مجموعات وهابية من جيش عبدالعزيز بن سعود، في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي، الذي قام ومجموعته بإبادة الحجيج اليمنيين بتهمة الكفر، لأنهم ليسوا على المعتقد الوهابي. وتذرع ابن سعود آنذاك بأن جيشه اعتقد بأن الحجاج الذين يلبسون ثياب الإحرام مدد عسكري لشريف مكة، ووصولاً إلى العدوان السعودي الراهن لم تتوقف المجازر السعودية بحق اليمنيين.

الوهابية في مواجهة اليسار والقوميين اليمنيين
لاحقاً استخدمت الوهابية في مواجهة الحركة الوطنية اليمنية، وكان لليسار اليمني جولات من الصراع مع السعودية، وهو ما يوضحه يحيى الشامي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وقائد جيش التحرير الشعبي سابقا:
"الحزب الاشتراكي كان وراء استنهاض النزعة المذهبية الزيدية في وجه الوهابية كتيار متخلف. ففي عام 1979م أرسل الحزب إلى صعدة الدكتور عبدالسلام الدميني، ويحيى منصور أبو أصبع، عندما علم عن استقطاب الاستخبارات السعودية للعناصر الشابة من الجبهة الوطنية في شمال الشمال، من بينها "صالح جلخف" من محافظة الجوف، والذي رفض العمل مع السعودية فاغتالته أدواتها في الداخل. واليمنيون لهم تاريخ من الصراع مع النظام السعودي الذي وقف ضد ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر والوحدة والديمقراطية والأحزاب اليسارية والقومية، وكذا تاريخ مع الوهابية كتيار ديني متزمت، زرع بذور الفتنة المذهبية في اليمن باستعدائه للزيدية والصوفية والشافعية، وبسبب دعم النظام السعودي للوهابية انتشر تنظيما القاعدة وداعش".

بداية التوسع السعودي في الأراضي اليمنية
"في منتصف 1215هـ، نهاية 1800، جرد عبدالعزيز بن محمد بن سعود حملة لإخضاع عسير السراة، بقيادة ربيع بن زيد، مؤيدة بدعم شيخي عسير البارزين محمد وعبدالوهاب ابني عامر العسيري، اللذين كانا قد اعتنقا العقيدة الوهابية السلفية، وغدت عسير السراة منذئذ نقطة انطلاق للتوسع السعودي صوب عسير تهامة، وصوب تهامة اليمن كلها (1802ـ1803م)، وطمح عبدالعزيز إلى إلحاق اليمن كلها بمملكته.

احتلال نجران وجيزان وعسير
ألحق ابن سعود كامل الإمارة الإدريسية (تهامة اليمنية) بمملكته الوهابية في عشرينيات القرن الماضي، وقد أخذها من الإدريسي بالخديعة السياسية، وسيطر عليها عسكرياً بعد صراع مرير مع قبائل عسير السراة التي رفضت الاعتراف بسلطة ابن سعود، ولم يتمكن ابن سعود من إخضاعها لسلطته إلا بعد حملات عسكرية متتالية استمرت إلى عام 1923، كان على رأسها الأمير فيصل.
دخلت السعودية في مفاوضات طويلة مع ملك اليمن الإمام يحيى، بغية صرفه عن التقدم صوب عسير، وعندما اندفع الجيش اليمني واستولى على نجران وجبال عسير، أعلن ابن سعود الحرب الوهابية التوسعية على اليمن، وهكذا اندلعت الحرب في 22/3/1934، والتي انتهت بعقد "اتفاقية الطائف" في 19/5/1934. 
وكانت الحرب الشاملة التي أعلنها ابن سعود ومن خلفه الإنجليز مؤامرة دولية جوهرها تمزيق ما تبقى من جسد الدولة اليمنية وسحق شخصيتها الوطنية، وتحويلها إلى مجرد ملحق من مُلحقات نجد، وإسقاطها ضمن دائرة النفوذ الخارجي السعودي والبريطاني معاً.
عقدت اتفاقية الطائف لمدة 20 عاماً قابلة للتعديل والتجديد، وبمقتضاها تركت اليمن الملكية أمر عسير ونجران (معلقاً) حتى جاء رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبدالرحمن الإرياني، الذي تجاهل حق اليمن في تعديل وتجديد هذه الاتفاقية، وخول ممثليه القاضي عبدالله الحجري رئيس الوزراء، ومحمد أحمد نعمان نائب رئيس الوزراء، بإصدار البيان اليمني ـ السعودي الذي أُعلن في 17/3/1973، واعُتبرت بمقتضاه الحدود اليمنية السعودية نهائية مرسمة بشكل نهائي، وهو ما يتناقض مع فحوى وروح الاتفاقية. 
وفي العام 2000م في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، تم تجديد الخيانة وترسيم الحدود اليمنية السعودية، والتأكيد الضمني على أن المخلاف السُّليماني (نجران ـ جيزان ـ عسير) أصبح ملكية سعودية.

ضد ثورة 26 سبتمبر والجمهورية في الشمال
كانت المملكة العربية السعودية أولى الدول التي وقفت ضد تغيير النظام الملكي في اليمن إلى نظام جمهوري، حيث وقفت بكل صلابة إلى جانب الرموز الملكية في مواجهة الجمهوريين، ولم يقتصر الصراع الذي أعقب ثورة 26 سبتمبر 1962م في اليمن على الموالين للجمهورية والموالين للملكية (وهي حروب طبيعية مرافقة لمختلف الثورات في التاريخ الإنساني)، فقد كان الجوهري في هذه الحرب اليمنية هو الدور الاستعماري المشارك علناً، حيث قاتلت قوى الاستعمار الأمريكية والبريطانية جنبا إلى جنب مع المملكة السعودية بالسلاح والمال والخبراء العسكريين والمرتزقة الأجانب.
"أدت الأفكار التحررية للثورة اليمنية إلى مقاومة عنيفة من قبل أنظمة الحكم الملكية في المنطقة العربية، وبالدرجة الأولى من المملكة الهاشمية الأردنية والمملكة العربية السعودية، وأخذت الغالبية العظمى للأسرة السعودية تدعم الأسرة الملكية اليمنية البائدة، مبررين ذلك أنه إذا ما صمدت الجمهورية العربية اليمنية، فالخطر لا محالة مخيم على المملكة العربية السعودية". 
الولايات المتحدة الأمريكية كانت في صدارة الواقفين ضد الجمهورية في اليمن، ولم تعترف بها إلا بعد الصلح بين الجمهوريين والمملكة السعودية، "وقد قامت اللجنة الخاصة التي أنشئت في الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة "رُبرت كوتير" ضابط المخابرات الأمريكية السابق، بإرسال المرتزقة الأجانب إلى معسكر الملكيين بأعداد هائلة، الأمر الذي أدى إلى أن يطلق على عمل هذه اللجنة في اليمن بـ(حرب كونير)".
فتحت اتفاقية المصالحة في جدة الموقع عليها في العام 1970، الطريق لتغلغل النفوذ السعودي في اليمن، في كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، والأخطر من ذلك تنازل حكومة الرئيس الإرياني عن الحقوق التاريخية اليمنية في جيزان ونجران وعسير. 

ضد ثورة 14 أكتوبر والنظام الوطني في الجنوب
لم يختلف موقف المملكة السعودية من ثورة 14 أكتوبر 1963م، عن موقفها المعادي لثورة 26 سبتمبر 1962م، ففي الجنوب اليمني وقفت السعودية أيضاً مع السلاطين والمشيخات ضد قوى الثورة الوطنية التحررية، بل واستخدمت نظام صنعاء العميل -آنذاك- للحرب على النظام الوطني في الجنوب اليمني. 
لم تكن مطامع السعودية في الجنوب اليمني جديدة، فهي استمرار لهجماتها الأولى على حضرموت، هدأت هذه الرغبة في التوسع نحو جنوب اليمن مع سيطرة الاحتلال البريطاني على الجنوب اليمني، وعادت مجدداً بعد ثورة 14 أكتوبر 1963م.
في الوقت الذي كانت فيه الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل تواجه الاستعمار البريطاني والسلطنات العميلة، كانت السعودية تقوم بتحقيق مكاسب على الأرض، وذلك عبر توطيد تواجدها العسكري في منطقتي شرورة والوديعة اليمنيتين اللتين تقعان في الحدود الشمالية لحضرموت.
في 1972م دفعت السعودية النظام الموالي لها في صنعاء إلى الحرب مع النظام الوطني في عدن، وذلك بعد أن عجزت عن ضرب النظام الوطني في عدن في الحرب التي خاضتها ومرتزقتها ضده عامي 1968م و1969م. 
لم تتوقف الأطماع والنزعة العدوانية من قبل السعودية تجاه الجنوب اليمني حتى بعد انتصار الثورة وقيام الوحدة اليمنية، حيث استمرت السعودية في ضم أراضٍ يمنية جديدة كانت تابعة لمحافظتي حضرموت والمهرة النفطيتين، وذلك عبر التوسع في القرى اليمنية الحدودية واستقطاب الأهالي ومنحهم جنسيات سعودية وامتيازات مالية، ونظراً لذلك كادت أن تندلع حرب سعودية-يمنية في ديسمبر 1994، أثناء قيام قوات سعودية باستحداث نقاط ومواقع في منطقة الخراخير.

أترك تعليقاً

التعليقات