كيف قاد سيد الثورة معركة الصمود والتحرر؟.. المرتكزات الاستراتيجية لمواجهة العدوان في خطاب قائد الثورة (3-4)
- أنس القاضي الأثنين , 30 مـارس , 2020 الساعة 7:33:06 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / #لا_ميديا -
توجه خطاب قائد الثورة لاستنهاض عموم جماهير الشعب اليمني، وإشراك أوسع قطاعاته في التصدي لمهمة مقاومة العدوان وصون السيادة والوحدة الوطنيتين. ويمكن القول بأن لغز الصمود اليمني هو في أن الثورة استطاعت اجتذاب القوى المحركة للتاريخ، القوى الشعبية الفعالة ووفق الحوافز الاجتماعية، التي هي استمرار لثورة 21 أيلول/ سبتمبر، نحو العدالة والديمقراطية، مضافاً إليها حافز ومهمة حماية الوجود اليمني وصون استقلال الوطن ووحدة ترابه. وهكذا فقد تحركت الثورة والمكون الطليعي في الثورة والسيد القائد لهذا المكون وفق الميول التاريخية اليمنية النزاعة نحو تحرير طاقات الشعب اليمني ومواجهة العدوان وصون السيادة والحرية الوطنيتين، وهما شرط حل المهام الاجتماعي الديمقراطية.
يعرف فريدريك إنجلز القوى المحركة للتاريخ بالقول: «إن القوى الحقيقية المحركة للتاريخ والأسباب المحركة هي تلك الحوافز التي تحرك جماهير كبيرة من الناس وشعوبا بكاملها، كما تحرك بدورها طبقات كاملة في كل شعب معين. وهنا أيضاً تتسم بأهمية ليس الانفجارات الوقتية وليس التأججات العابرة، بل الأفعال الطويلة الأمد التي تؤدي إلى تغيرات تاريخية عظمى». (ما هي المادية التاريخية، دار التقدم موسكو، 1986، ص 289).
إن إيمان قائد الثورة بالشعب وقدراته الجبارة للإنتاج والإبداع يعد إيماناً مطلقاً يُراهن عليه في سياق معركة مواجهة العدوان. ومن ناحية أخرى، لعب خطاب قائد الثورة دوراً هاماً في إعادة الاعتبار للشعب والجماهير، حيث انعكس ذلك الخطاب في الوعي الاجتماعي السياسي الوطني للشعراء اليمنيين، لهذا نجد أن الزوامل اليمنية في مرحلة العدوان تتغنى ببطولات الشعب. ويتضح تأثير خطاب قائد الثورة في تشكيل الصورة الشعرية لدى الشعراء، والتي تعلي من شأن صمود الشعب ومناهضته للعدوان، وتتناول دور قائد الثورة المرتبط بموقف الشعب، وكذا علاقته بالشعب ضمن نسيج الصمود والمقاومة، بعيداً عن معاني الخضوع للقائد، وقريباً من معاني الالتزام تجاه ذلك القائد المستعد للتضحية من أجل حرية الوطن واستقلاله وكرامة الشعب، الأمر الذي يتسق مع الخطاب التقدمي لقائد الثورة الذي يمجد الشعب.
«حتى هذا الرأس، رأس عبد الملك بدر الدين الحوثي، حاضر أن يقدمه في سبيل الله وفداء لهذا البلد، وفداء لهذا الشعب» (من نص خطاب السيد عبد الملك الحوثي في لقائه مع وجهاء اليمن، 19/8/2017).
طوال خمسة أعوم من العدوان لمسنا الدور الحاسم للجماهير الشعبية، التي صب فيها خطاب قائد الثورة واهتمام أنصار الله، حيث عمل الشعب طوال هذه الفترة على مد الجبهات بالمقاتلين والمال والسلاح، وتفجرت قرائح الشعراء والمنشدين، وظهر كتاب وصحفيون ومفكرون وقادة ميدانيون وسياسيون، من واقع ضغط الميدان وتحمل المسؤولية، لقوى الشعب اليمني، وهي مجموع الطبقات والجماعات والفئات ذات المصلحة من صد العدوان الأجنبي والمحافظة على وحدة البلاد، ومنع النهب الإمبريالي، وبناء الدولة العادلة. والجماهير الشعبية هي بالدرجة الأولى الجماهير الكادحة، لأنها ترتبط بالميدان الأساسي للحياة الاجتماعية، ميدان الإنتاج المادي وخلق القيم والخدمات. وقد ركز السيد قائد الثورة بشكل رئيسي على هذه الجماهير الكادحة مبيناً انتماءه وأنصار الله إلى هذه الطبقة الكادحة، وليس فقط الإيمان بها.
«نحن في طليعة هذا الشعب، ومن أبناء هذا الشعب، ونحن نتحرك في التصدي لهذا العدوان. نحن أبناء الصراع، نجاهد ونحارب، ومتعودون على مواجهة المشاكل والتحديات مهما كان حجمها. لسنا أبناء القصور والأرصدة في البنوك والشركات العملاقة. نحن من أبناء هذا الشعب ومن حفاته ومن فقرائه، ومن الكادحين فيه. لسنا من الفئة المترفة في هذا البلد، التي عاشت منذ مراحل متربعة على الكرسي ومتخمة، وذاهبة آيبة إلى أوروبا وأمريكا» (من نص خطاب السيد عبد الملك الحوثي ليلة الـ10 من رَمْضَـانَ 2017).
إلا أنه، ومن أجل مهمة التحرر الوطني التي يخوضها الشعب، لم يقتصر الخطاب على الجماهير الكادحة، فمن أجل مهام التحرر الوطني تناضل إلى جانب الطبقة الكادحة أوساط واسعة من البرجوازية الوطنية وكذلك المثقفين. ولهذا فقد توجه خطاب قائد الثورة إلى التجار والمشايخ والأكاديميين، وهي شرائح طبقية غير كادحة إلا أنها حاملة للقضية وتتحمل جزءاً من المسؤولية، من حيث أن العملية التاريخية ليست ثورة فلاحين أو ثورة عمالية تقتصر في غاياتها على مصالح هذه الطبقات، بل هي عملية تحرير وطني تستوعب مصالح أوسع الطبقات اليمنية.
وقد صاغ مؤسسو الماركسية قانون ازدياد دور الجماهير الشعبية في التاريخ: «مع ترسخ أساس الفعل التاريخي ستتسع بالتالي الجماهير التي يعتبر هذا الفعل قضيتها. وكلما اتسع نطاق الأفعال التاريخية ازداد عدد الناس الذين يشاركون في هذه الأفعال. فكلما كان التغيير الذي نريد تحقيقه أعمق تعين علينا أن نزيد الاهتمام به ونقوي الموقف الواعي إزاءه ونقنع الملايين وعشرات الملايين الجديدة المتزايدة بضرورته» (ما هي المادية التاريخية، مصدر سابق، ص303).
وفي الخطاب الأول لقائد الثورة بعد العدوان حدد المهام الشعبية والتوجهات. ويُعد ذلك الخطاب بمثابة الخطة الاستراتيجية الرئيسية، فكل الخطابات التالية والتي احتوت مضامين استراتيجية جاءت تأكيدا وتفصيلا وبناءً على هذا الخطاب، حيث حدد قائد الثورة الاتجاهات والمهام على الشعب في الآتي:
الاتجاه الأول: أمني، ويعنى بمواجَهة كُلّ المجرمين وكل الاختلالات الأمنية، وكل ما يمكنُ أن يسعى إليه الأعداء من إثارة جرائمَ أو فتن داخلية لتسهيل مهمة غزوهم لهذا البلد من الخارج، فليتوجه مئات الآلاف من أبناء شعبنا الـيَـمَـني العظيم إلى هذه الجبهة، الجبهة الأمنية، ليحفظوا أمن هذا البلد من داخله، وتماسُكه من داخله، واستقراره من داخله، بالطبع مع القوة الأمنية الرسمية.
الاتجاه الثاني: الإمداد والتموين: ليتعاون الجميع وفي تعاونهم البركة، التجار وغير التجار، كُلٌّ بوسعه، كُلٌّ بإمكانه، كُلٌّ بعفوه بما يتيسر له، ليتعاون الجميع وبشكل مستمر، مما مَنَّ الله به عليهم، وبشكل مستمر، في تمويل كُلّ عمليات التصدي لهذه الهجمة، على المستوى الأمني، وعلى المستوى العسكري.
الاتجاه الثالث: الإعلام: والجبهة الإعلامية مهمتُها في كلتا الجهتين، في الجبهة الداخلية وجبهة التصدي للغزو الخارجي، مهمتها أن تتَحَـرّك بشكل فاعل لإبراز مظلومية شعبنا من جانب، وإبراز الصمود وإباء وثبات هذا الشَّعْـب من جانب آخر، وللتصدي لكل الحملات الإعلامية التي يشنها العدوُّ الخارجي والمجرم الخارجي المستهدف للبلد، وكذلك بعض عملائه الخَوَنَة وأذيالهم المحسوبين على الداخل. الجبهة الإعلامية في غاية الأهمية، ومأمولٌ من كُلِّ الإعلاميين الشرفاء الأحرار أن يتَحَـرّكوا في هذه الجبهة، كما هو مأمولٌ من كُلّ فئات هذا الشَّعْـب أن يتَحَـرّكوا كُلٌّ في جبهة.
اليوم يوم الجميع، يوم الشَّعْب اليمني بكله، يوم الإباء، يوم العزة، يوم البطولة، يوم الوفاء... اليوم هو يومُ الوفاء الذي يعبِّرُ فيه كُلُّ وفيٍّ صادق عزيز حُرٍّ عن قيمه هذه. اليوم هو أَيْضاً اليوم الذي ينكشف فيه الصادقُ من الكاذب، والوفي من المخادع.
الاتجاه الرابع: التعبئة: وتُعْنَى بالتوعية والتعبئة المعنوية للشعب وللجيش والأمن. وهذه هي جبهة العلماء والمثقفين والخطباء، فليتَحَـرّكوا في هذا الاتجاه بين الجيش وبين الشَّعْـب طبعاً في مواجهة جبهة المرجفين والمصفّقين والمتخاذلين والمدجنين للأمة، ليجعلوا منها خاضعةً ومستسلمةً وخانعةً وفريسة سهلة لأعدائها.
الاتجاه الخامس: السياسة: ومأمول هنا أَيْضاً من كُلّ السياسيين الصادقين في هذا البلد، الأوفياء مع أنفسهم ومع بلدهم، من ينطلق بدافع المسؤولية الوطنية أو بدافع المسؤولية الدينية، من الجميع أن يتَحَـرّكوا في الاتجاه السياسي، لملء الفراغ الذي يضر بالبلد على مستوى السلطة، والتصدي لكل أشكال العداء والنشاط السياسي المعادي الذي يستهدف هذا البلد، والتواصل على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي مع القوى الحرة والشريفة والمنصفة والعادلة (كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي رداً على العدوان السعودي الغاشم، 26/3/2015).
تفعيل مؤسسات الدولة والاهتمام بتنمية الاقتصاد والصناعة الحربية
الروابط الموضوعية للمرتكزات الاستراتيجية التي حددها السيد قائد الثورة في عملية مواجهة العدوان لا انفصام لعراها، فاليقين الفلسفي والروحي لتعريف طبيعة العدوان والاستعداد لمواجهته حتى الظفر بالنصر، مترابط مع الإيمان بدور الشعب الخلاق واستنهاضه وتوجيه طاقاته وجهوده في المواجهة، ويرتبط -بشكل موضوعي هام- ويتكامل مع المرتكزين السابقين، المرتكز الثالث الذي حدده السيد قائد الثورة، وهو التوجه نحو تفعيل وإصلاح جهاز الدولة ومؤسساتها ومكافحة الفساد، وتعميق التكافل الاجتماعي، ورعاية أسر الشهداء. فعلى هذا المرتكز الأخير يستند الشعب في صموده وينظم جهوده وتتيسر عملية توجيه طاقاته نحو مواجهة العدوان ومعالجة كافة العراقيل والمعيقات التي تواجهها، فلا غنى عن جهد الدولة ومؤسساتها في احتواء الفعل الجماهيري.
حملت خطابات قائد الثورة منذ اليوم الأول للعدوان دعوات نحو إعادة إصلاح الدولة وتفعيلها ومحاربة الفساد، ونحو التكافل الاجتماعي والانخراط في النشاط الاقتصادي الإنتاجي، كمرتكزات استراتيجية للمواجهة. ومع استمرار العدوان، وبمواكبة الحرب الاقتصادية المعادية، كان قائد الثورة الشعبية يظهر بموجهات جديدة تغني في هذه الجوانب. وعلى سبيل المثال فبعد أن قامت الحكومة العميلة بنقل البنك المركزي إلى عدن، ظهر قائد الثورة الشَعبية داعياً المواطنين إلى دعم البنك المركزي بالتبرع وفتح حسابات في البريد لدعم البنك. وهذه الدعوة والخطوة كان لها تأثير هام على المستوى الاقتصادي، حيث خلقت نوعاً من الثقة بالبنك المركزي، وأحبطت خطة العدوان الهادفة إلى دفع الناس إلى سحب أرصدتهم من البنك المركزي والبنوك الخاصة التي تقع مقراتها الرئيسية في العاصمة صنعاء.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي