أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -

يحمل الكاريكاتير، كبقية أشكال الإنتاج الجمالي، مهمة تطوير الذات الإنسانية تطويراً شاملاً، وأن يصبح الفن صانعا للسعادة، وأن يعبر عن أفكار الناس ورغباتهم ومشاعرهم، وأن يخدم قضاياهم الاجتماعية الوطنية ويصبح وسيلة لإغناء الأفكار والنمو الأخلاقي والسياسي للشعب. 
والكاريكاتير بين أشكال التعبير الفنية أكثرها وضوحاً من حيث الدلالة السياسية. ورغم خفة حركة خطوطه إلا أنه شكل فني هام مؤثر سياسيا وفلسفيا وجماليا، يتطلب نقده من البُعدين الجمالي الفني والسياسي الفلسفي، ونقد دوره في هذه المرحلة من عمر الوطن والشَعب اليمني، الذي يعاني من نير العدوان والحصار ويجسد ملاحم الصمود والمقاومة والانتصار.

في زمن الحرب.. بين سامر ورشاد 
في هذه المقاربة نتناول إنتاج رسامين اثنين: الأول: سامر الشميري، ونقسم رسوماته إلى مرحلتين: المرحلة الأولى كانت ضمن التوجه الوطني وينطبق عليها مفهوم "الفن الملتزم"، والمرحلة الثانية بعد انتقاله إلى الضفة المساندة للعدوان.
 الرسام الثاني هو رشاد السامعي، وسوف نتناول رسوماته ذات الأبعاد المختلفة، الاجتماعية التي تعبر عن قضايا عامة، والسياسية الرجعية التي تجمع بين العداء التام للقوى الوطنية المواجهة للعدوان وتجحد القضية الوطنية، وبين نقده الانفعالي غير المبدئي للحكومة العميلة "الشرعية" ودول "التحالف" العدوانية. 
أخذت الرسومات الكاريكاتورية لسامر الشميري (الملتزمة في المرحلة الأول) موقعاً مُتميزاً في الوعي الاجتماعي. وهذه القيمة الجمالية التي اكتسبتها آنذاك مصدرها المظلومية اليمنية وبطولات الجيش واللجان الشعبية، فقد كانت رسوماته انعكاسا إبداعيا لهذا الواقع، وبدون الالتزام بهذه القضية الوطنية الجوهرية فإن فنه -كما هوَ عليه الحال راهناً- يفقد عنصره الجوهري ومضمون جماليته التاريخي، ليصبح شكلاً دون مضمون. 
من مقارنة رسومات سامر في المرحلتين الأولى والثانية بعد تغيير اصطفافه، يمكن القول بأنه لم يعد قادراً على الإبداع ولا التطور، حيث إن الإبداع تفاعل بين الذات المبدعة بكامل حريتها وبين الواقع الموضوعي. وكلما كان الرسام أعمق في نقل الواقع كانت رسوماته ذات محتوى فني أروع، وهذا ما لم يمتلكه سامر حين أصبح خارج الواقع اليمني في الأردن مكرسا للرسم ضمن توجه وصفحة ما يسمى اليمن "الجمهوري"، وحين حوّل فنه من تعبير عن وجدان يمني وإنساني عام، إلى وسيلة تعبير جديدة مكرسة للإشاعات والدعايات القديمة المتجددة المضادة للقوى الوطنية، والتي يتم إعادة تدويرها بأكثر من شكل إعلامي، وهي كدعايات ورسومات تستهوي من لهم موقف سياسي يعادي القوى اليمنية المقاومة للعدوان، فيما كان لرسوماته سابقاً أُفق جمالي إنساني واسع حين كانت مُعبرة عن قضية الشعب اليمني، فتخلدت آنذاك في معارض ووقفات ومظاهرات مساندة لليمن في أمريكا وأوروبا وغيرهما من أنحاء العالم. 
رشاد السامعي كرسام كاريكاتير سابق لسامر الشميري، وله رصيد فني مهم وذو جوانب شعبية في تناول القضايا الاجتماعية، إلا أنه لم يبرز في هذه المرحلة  كما برز سامر؛  فحين انحاز رشاد مبكراً إلى صف القوى المعادية لحرية واستقلال اليمن، فقد الجوهري في الفن في اللحظة الراهنة، والمتمثل في قضية حرية الشعب، وبات يتقلب بين الذاتية وتجتذبه النزعة المناطقية وتؤثر عليه التوجهات السياسية لصحيفة "المصدر" التي لها يرسم.   
حين اتخذ رشاد توجهاً معادياً للبلد والشعب ومنحازاً للعدوان عليهما فقدت رسوماته -بطبيعة الحال- عمقها المنطقي والسياسي من حيث تعبيرها عن جوهر التناقضات السياسية، بعكسه حين يرسم ناقداً التحالف والحكومة العميلة حيث تتعمق تعبيراته الفنية وتكون ذات مضمون أغنى، وكذلك الحال حين يرسم رسومات تعبر عن قضايا اجتماعية إنسانية تكون تقدمية أصدق تعبيراً وتأثيراً في النفس وتتسع قاعدة المتقبلين لها فنياً.

الكاريكاتير و"حزبية الفن" 
لا يُمكن للإنسان أن يكون مستقلاً عن المجتمع الذي يعيش فيه. إلا أن معارضي هذه المقولة ومعارضة مفهوم "حزبية الفن" يفترضون أن "الفنان الجيد هو الفنان الحر" وأن هناك فعلاً حرية للفنان، وهم لا يقصدون حرية عدم الانتماء التنظيمي لحزب ما، ولا حرية استقلاليته عن الأوامر الإدارية، فهذه الحرية مطلوبة في العمل الإبداعي والفني عموماً، بل يقصدون بحرية الفنان المزعومة حرية أن يكون تعبيره الفني مستقلاً عن الصراعات السياسية والاجتماعية الموجودة في عصره. وهذه الحرية متوهمة وغير موجودة، فلا يُمكن لفنان ما إلا أن يعكس في فنه الفرح لانتصار طرف وتوجه ما، والأسى لهزيمة طرف وتوجه ما.
أما الرسامان في موضوع هذه المقاربة فهما يُصرحان من خلال إنتاجهما الفني بأن لهما توجهات سياسية، متحزبة لقوى ضد قوى. وفي منشوراتهما على "فيسبوك" وتصريحاتهما للمواقع الالكترونية تأكيد على هذه المواقف. ولأنهما رساما كاريكاتير لا سياسيان ولا مفكران، فلن نتناول انحيازهما وفقاً لما يكتبانه من منشورات، إنما وفقاً لتعبيرهما السياسي الذي يتجلى في رسوماتهما. 
وبطبيعة الحال فإن الفنان في ظل تسيد العلاقات السلعية الرأسمالية القائمة على الاستغلال والطفيلية والاحتكار لا المنافسة وحرية الخيارات، لا يستطيع أن يكون حراً مطلقاً، بل يخضع للممول ولميول متذوقي الفن ومتابعيه. والنظام الرأسمالي يدمر ويخرب ويشوه الإنسان والفنان ويحرمه من المبادرة والاستقلال والنشاط الذاتي. إلا أن هناك حالات فردية ينتج فيها الفنان والمبدع وفق قناعاته في ظل تسيد العلاقات السلعية، وهو إنتاج محفوز بثورية ناقدة لتسيد السوق المعولمة، تتيح للفنان قدرة ذاتية على العبور إلى المتلقي بشروط إنسانية واجتماعية هي نقيض لشروط السوق وهيمنة التسليع السائد على النتاجات الفنية غير الثورية.

الشميري بين مرحلتين 
رسومات سامر الشميري في المرحلة الثانية تراجعت قيمتها الفنية. ونُلاحظ أن معظم أعماله أصبحت اجتراراً لرسوماته القديمة مع تغيير الشخوص. وعلى سبيل المثال ففي رسوماته القديمة كان يظهر الأمريكي والسعودي وفي يده السيف يذبح المواطن اليمني، وفي الرسومات اللاحقة انتقلت سكين الجزارة والذبح إلى أيدي المدافعين عن البلد، وأصبح الأمريكي والصهيوني متفرجين خارجيين.
 في الرسومات القديمة كان الأمريكي والأمم المتحدة والبريطاني يقتلون اليمنيين ويقفون مع السعودية وينقذونها، ثم أصبحوا مباركين للمدافعين عن البلد الذين باتوا في رسومات الشميري قتلة ومرتكبي مجازر، لا ضحايا غاضبين لدم الشعب المسفوك من قبل تحالف عدوان أمريكي بأدوات عربية.
 وفي مسألة الاقتصاد في الرسومات القديمة كانت الأموال تذهب إلى جيوب رموز قيادات العدوان، «هادي» و«الزبيدي» و«علي محسن» وغيرهم، وفي الرسومات الجديدة تظهر الأموال وهي تذهب إلى القيادة الثورية والسياسية للبلد. 
في الرسومات القديمة يظهر اليمني صامداً مهاباً، وفي الرسوم الجديدة، يبدو المواطن هيكلاً عظيماً ميتاً بلا نبض ولا مقاومة.
 وهناك الكثير من الرسومات الكاريكاتورية التي قام سامر الشميري بتعديلها وتحويل السخط فيها نحو الداخل. وتلك الرسومات حين رسمها في المرة الأولى كان يعكس بها الواقع الموضوعي الفعلي، لهذا اكتسبت قيمة فنية حينها واتسعت دائرة تداولها. إلا أنه بعد تحول موقفه لم يستطع أن يعكس الواقع في لوحات جديدة معادية لأنصار الله، لأن مجريات الواقع تشهد بأن قوى العدوان سبب معاناة الشعب اليمني، لا أنصار الله. وهكذا عاد ليعدل في لوحاته السابقة دون مصداقية فنية، والمصداقية في الفن ليست فقط مسألة أخلاقية بل ومسألة جمالية.  
في مختلف رسومات سامر في المرحلة الثانية نجد التغيير في الشخوص المُدانة من العدوان إلى المواجهين له، وهي عملية ميكانيكية لا حركة ديالكتيكية، فلو كان الواقع حقاً تغير وأصبح من يواجهون العدوان هم فعلًا من يقتلون الشعب اليمني لكانت رسومات الشميري إبداعية تعكس حركة جدلية واقعية، إلا أن الواقع لم يتغير، فمازالت قوى العدوان هي عدو الشَعب الأول، بل إنها زادت في عدوانيتها وخطرها على الوطن.

كاريكاتير حيواني! 
من أبرز الأمثلة على انتكاس سامر الشميري، في المرحلة الثانية، الإكثار من رسم الكاريكاتير الذي يصور الحيوانات البشعة الدموية، فقد بات فنه يعكس نفسية سوداوية ومتوحشة، ولم يعد يشبع حاجات جمالية واقعية. كما أن استخدام الحيوانات في الكاريكاتير، أي تحويل قوى معينة إلى أشكال وحوش وإخراجها عن طبيعتها البشرية، هذا الخطاب الفني يعبر عن أزمة سياسية عميقة منعكسة عن الأزمة المعرفية في تحديد ما هو الجوهري في الصراع السياسي العسكري البشري وما هي آلياته وتقييم أطرافه ومآلاته، فطرح هذه الأجوبة من مهام الفن، لكن تحويل الشخوص والأطراف وأشكال الصراع إلى حيوانات يعني لا منطقية الصراع وعدم وجود آفاق له ولا يمكن فهم وتفكيك طبيعته ومآلاته المستقبلية. 

السامعي وتحولات مضامينه
 منذ البداية، انحاز رشاد السامعي للعدوان وإلى صف ما يُسمى الحكومة "الشرعية"، العميلة لتحالف العدوان، فعلى عكس سامر لم يكن يوجد هناك موقف وطني مسبق ارتد عنه رشاد، فهو في اتساق في رسوماته مع موقفه السياسي الرجعي. ويمتاز رشاد -نسبياً- عن سامر بأنه منذ البداية وهوَ ينقد الأطراف التي يصطف معها، أي الحكومة "الشرعية" العميلة ودول "التحالف" العدوانية، فهذا الملمح الديمقراطي واضح في رسومات السامعي الناقدة للحكومة العميلة ودول التحالف العدوانية، إلا أنه نقد انفعالي يظهر بعد ظهور سلوكيات معينة من تحالف العدوان والحكومة العميلة، أشبه بالنقد الإصلاحي الوعظي في بلاط السلاطين، لا النقد الواقعي الملتزم بموقف سياسي مبدئي. فيما سامر لم يبدأ بنقد أنصار الله حين كان في صفهم إلا حين بدأت الخلافات مع المؤتمر كصدى لموقف صالح، دون استقلالية، أما المؤتمر وصالح فلم يقم بنقدهم لا سابقاً ولا اليوم. 
من الملاحظ في رسومات السامعي الموجهة ضد القوى الوطنية المواجهة للعدوان أنها تفقد الديناميكية والحركة، التي تمتاز بها رسوماته الاجتماعية، فالفن يصبح إبداعيا أكثر كلما كان حقيقياً أكثر، وكلما عبر بشكل أعمق عن النزعات الموضوعية في تطور الحياة، وهذا ما تعكسه لوحات رشاد الاجتماعية، إلا أن لوحاته الأخرى الموجهة ضد أنصار الله منفصلة عن الحياة، تشوه الصورة الحقيقية للوحة الوجود اليمني بالعموم.

بوق فني 
الاتجاه السيئ الذي دخل فيه رشاد السامعي هو في تحوله السياسي إلى بوق فني مباشر سطحي للدعاية الموجهة ضد البلد، ذي نتاج جامد ميكانيكي في نقله للإشاعات والاتهامات الكاذبة. وليس من واجب الفنان أن يعبر عن الفردي أو عن الظواهر والحوادث التي تحصل صدفة أو فردية، بل إن واجب الفن إعطاء تعميم صادق وفني عن الحياة.
في هذا الكاريكاتير عكس سلبي وميكانيكي للدعاية السياسية التي تصور المقاومين للعدوان كأفراد مُضللين تم التغرير والتضحية بهم من قبل أنصار الله والمؤتمر. هذا الكاريكاتير بالغ الرجعية، نقيض للواقع الموضوعي الذي يشهد في مجرياته بوجود عدوان استعماري توسعي أجنبي استدعى مقاومة الشَعب له، العدوان الذي يَشهد الرسام ذاته بوجوده في بعض رسوماته. 

صراع المرتزقة في تعز 
رسومات السامعي التي تتناول الصراعات فيما بين أطراف المرتزقة في تعز تتميز بالعمق وبالبراعة في عكس الواقع والتعبير عنه، وخاصة في الجانب المأساوي والهزلي فيه. فمعايشة الواقع في تعز، من قبل رشاد السامعي، والاهتمام العميق بتحولاته، تجعل السامعي يبدع، حيث تتحقق في رسوماته المصداقية، رغم أن هذه الصراعات تحدث بين الأطراف التي يعتقد السامعي بأنها صاحبة القضية "العادلة"، والتي يعطيها موقفه السياسي الرجعي.
 
الصورة السلبية لليمني لدى رشاد وسامر 
إن أشد السمات رجعية في رسومات السامعي هي الصورة التي يحضر خلالها الوطن والشعب عاجزاً، ضعيفاً، غير قادر على الوقوف، أو شخصية جامدة دون حراك ودون مشروع ودون إرادة، باعتباره ضحية لصراع طرفين خارجيين، وهذه التصورات لا تعكس الواقع، حيث إن اليمن دولة فاعلة في الصراع، يدافع شعبها عن حريته وسيادته ضد الاحتلال والهيمنة والأطماع الأجنبية، والشعب اليمني يقاوم هذه المشاريع في مختلف المحافظات ومن مختلف المواقف والمكونات، في صنعاء، وفي المهرة، وفي سقطرى... فاليمن والشَعب اليمني ليس لقمة سائغة ولا ضحية سهلة، فتصور اليمن بهذا الشكل غير الواقعي عيب فني وفلسفي كبير يغفل حتى اصطفاف بعض الضحايا لجانب العدوان والاحتلال، أي أن للضحية موقفاً على هذه الضفة أو نقيضها، وليست وجوداً مقطوعاً خارج سياق الصراع.
 في هذه الصورة ينفي الحركة الداخلية اليمنية التي دفعت إلى ثورة 21 أيلول 2014، ويُصور الثورة كفعل خارجي إيراني من خارج الواقع اليمني، فيما الشَعب مُجرد حطب سلبي يحترق دون حراك أو يتحرك منتحراً، وهذه تصورات رجعية ينقضها واقع صمود الشَعب وجيشه ولجانه في مواجهة العدوان. 
تتفق صورة اليمني السلبية في رسومات رشاد السامعي مع رسومات سامر الشميري، ودافعها تحميل أنصار الله واقع العدوان والأطماع الأجنبية وجرائم العدوان، وفي الوقت نفسه فهذه الصورة السلبية تغفل مواقف اليمنيين البطولية المقاومة ضد تحالف العدوان، فإذا كانت مقاومة اليمنيين بمختلف مشاربهم للأطماع الأجنبية تؤكد خطاب أن اليمن مقبرة الغزاة وأن السيادة والاستقلال حق الشعب اليمني وبأنه لن يتخلى عنها، إذا كانت المقاومة في المهرة وسقطرى تؤكد ما يقوله أنصار الله، فإن السامعي والشميري يريدان محو هذه الحقيقة، وإظهار الجانب المأساوي للحرب التي يشنها المعتدي حصارا وحربا نارية واقتصادية، فهما يحاولان عبر رسوماتهما أن يمحوا صورة اليمني البطولية وأن يحملا أنصار الله في الوقت ذاته مأساة اليمني الواقع في نيران الحرب العدوانية. 
إن المتابع لرسومات سامر الشميري يجد أن هناك تغيرات في هيئة اليمني في رسومات المرحلة الثانية عما كانت عليه في المرحلة الأولى، ففي المرحلة الأولى كان اليمني يظهر عملاقاً لا ترقى إليه طائرات العدوان وتتحطم على صدره، وتتحطم مدرعاته بعصى ضرب الذباب، ويبتلع التحشيدات العسكرية، يرتدي البندقية والجنبية، وملامح وجهه تظهر لا مبالاته بالعدوان، وتظهر اليمني ذا موقف فاعل... رسومات تشيع جواً من التفاؤل وتحفز على المقاومة والصمود والمواجهة. وفي لوحات المرحلة الثانية يظهر اليمني هزيلاً، خائفاً، انهزامياً، هلعاً، يكاد يموت، وذا موقف سلبي، غير فاعل، يمسك به أنصار الله ويستخدمونه كأي أداة. وهي رسومات تشيع السلبية، وتسعى لتكريس الروح الانهزامية السلبية والموقف العدمي من الواقع. 
   
منطق التماثل العدمي! 
 الموقف العدمي، ومنطق التماثل، هو أحد الموضوعات التي يلتقي فيها الرسامان. وهذا المنطق يَفترض أن مختلف الأطراف إنما هي جوهر واحد متماثل، ويفترض أنه لا يوجد فوارق بين أنصار الله وبين الحكومة العميلة وبين تحالف العدوان، لا فارق بين الجلاد والضحية، ولا بين المقاوم الوطني والعميل الانتهازي... وهذا المنطق غير علمي، لا تنفيه فقط المواقف السياسية المعلنة لمختلف هذه القوى، بل وتنفيه الحركة اليومية لمختلف هذه الأطراف، وتأثيرات حراكها على الشَعب والوطن اليمني، سلباً وإيجاباً. 
كما أن هذا المنطق يجعل من الشَعب فكرة مجردة غير موجودة في الواقع، لا تساند هذا الطرف ولا ذاك، فيما مجريات الواقع تنفي هذه التصورات العدمية المجردة، فالملموس التاريخي يَشهد بأن أوسع الجماهير اليمنية طوال 5 أعوام من العدوان تعبر عن موقفها السياسي الوطني بإحياء الفعاليات الوطنية والثورية والدينية، وفي مختلف هذه الفعاليات تحمل مضموناً واحداً، هو مواجهة العدوان، وتحمل علم دولة واحدة، هي الجمهورية اليمنية. كما برز دور الشَعب في القوافل الغذائية الداعمة لصمود أبطال الجيش واللجان الشعبية.

أترك تعليقاً

التعليقات