جزية لا استثمار
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا -
كانت مصر وإلى زمن قريب تقود الأمة في مواجهة أعدائها، وتقود مشروع التحرر في المنطقة وحركات التحرر من الاستعمار في أمتها، وتشارك في قيادتها على مستوى العالم، فاختار نظامها لا شعبها يوماً الانقلاب على نفسه وشعبه، فتوجه للتطبيع مع عدوها وعدو أمتها، فمات النظام الثوري التحرري مميتاً قوتها وإيجابية دورها مع فاعلية وتأثير موجه لا صلة له بإرادة شعبها، لتفقد معه قدرتها وحتى قرارها المستقل، وتحولت من قائدة إلى تابعة، ولم يُبقِ منها عدوها إلا ما سلب وخرجت من المعركة ولم يتعظ العرب.
وبدلاً من أن تأخذ بقية أنظمة العرب العبرة مما حل بمصر، التحقت بركب التطبيع تباعاً بمبادرات من أنظمة صنعها المستعمر على عينه كجزء من مشروعه ولها السبق في التطبيع، وبعضها كتب صكاً بفلسطين لـ»اليهود المساكين»، ويا ليتها بقيت على الحياد، وإن جاهرت بخزيها والعار؛ لكنها -وبدلاً من دفعها خفية أموال نفط شعوبها للتآمر على الشعب الفلسطيني وبقية شعوب الأمة- وصل بها الحال اليوم للمجاهرة بدفعها تريليونات الدولارات للصهيوأمريكي كجزية لحماية عروشها ومساهمة منها في القضاء على الشعوب المقاومة للاحتلال، وتدميراً للأنظمة والبلدان التي لا تدين بالولاء للصهيوأمريكي.
من المعلوم أن أنظمة التطبيع النفطية تودع أموال عائدات نفط شعوبها في بنوك الصهيوأمريكي يتصرف بها كما يشاء دون استشارتها، حتى جاء ترامب ورأى أن يضع تخريجة لهذه العملية والتصرف الأمريكي بتلك الأموال بطريقة تجارية، فسماها استثماراً، ليرفع من رصيده أمام شعبه كقائد قادر على جلب المصالح له، وليطمئن أحرار الشعوب المنهوبة كي لا تغضب على أنظمتها، ولن تغضب من أن أموالها مستثمرة في أمريكا؛ ولكن دون عقود استثمار ولا ضمانات عودة.
لا يوجد على وجه الأرض كلها أنظمة تشتري عبوديتها وتبعيتها لعدو شعوبها وعمالتها له بأموال شعوبها كأنظمة كيانات التطبيع في المنطقة، كلا، ولم نسمع بهذا في التاريخ، فقط تنفرد الأنظمة الأعرابية بمثل هذا؛ فكل شعوب العالم بأنظمتها تتوق إلى حريتها واستقلالها؛ إلا في منطقتنا؛ لأن أنظمة هذه الكيانات صنعها الاستعمار الانجلوصهيوغربي على عينه. والكثير يسأل ويشعر بالأسى والحسرة والإحباط من دفع هذه التريليونات من الدولارات من أموال شعوب الأمة لعدوها لاستثمارها في قتل شعوب الأمة واستعمارها والصد عن سبيل الله.
وربما تكون هذه بشارة من الله لشعوب الأمة بالمصير القاتم للأنظمة المحلوبة على يد العدو الصهيوأمريكي. يقول الله سبحانه وتعالى: «فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون».
هذا كلام الله الحق، فهذه الأنظمة قد دفعت بحدود أربعة تريليونات من الدولارات لترامب في أربعة أيام، دون أن تغيث أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذين تقتلهم أمريكا مع كيان العدو الصهيوني بالصواريخ وبالجوع، ولو بدولار واحد أو برغيف خبز واحد.
إن دم أسرة واحدة أبيدت في غزة كفيل بجرف عروش أمراء هذه الأنظمة جميعاً. والله غالب على أمره.

أترك تعليقاً

التعليقات