بين الثورة والأنا
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا -

تأخرت ثورة الشعب السوداني في تشكيل وإبراز قيادة ثورية موحدة من رحم الثورة تلتف حولها جماهير الشعب الثائر وبمشروع ثوري وطني جامع لقيادة مرحلة ما بعد سقوط نظام التمكين تمتلك خطاباً ورؤية وبرنامجاً، لذا لا نخطئ إن قلنا بأن ذلك كان أمراً ضرورياً لنجاح الثورة بالشكل المأمول والحد من التدخلات الخارجية في مسار الثورة.
ولكن هذا حال الثورات الشعبية وظروفها، خصوصاً عندما تثور على أنظمة وحكومات ديكتاتورية إقصائية لا تسمح بمساحة من الحرية وتنمية الوعي ولو بحده الأدنى. لذا فإنه وفي هذه اللحظة المفصلية من تاريخ السودان والظرف العصيب الذي تمر به ثورته المستهدفة من الخارج بأدواته في الداخل، فإن تشكيل القيادة الثورية ووضع ملامح المشروع الثوري الوطني الجامع أصبح ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لاستمرار الثورة ومضيها نحو تحقيق أهدافها، وإن وجود ما يسمى بالتنسيقيات الثورية وبقاءها في هذه المرحة وبعد ارتكاب المجلس العسكري القائد لمليشيات القتل السريع الإجرامية تلك المجزرة المروعة بحق أبناء الشعب السوداني الثائر سلمياً فإن بقاء التنسيقيات بعد دخول الشعب مرحلة العصيان وما بعده أمر معيب للثورة، لأنها لا تعبر عن شيء سوى الأنا، وثورات الشعوب لا تتسع للأنا ولا مكان فيها للأنا بالمطلق. وستبقى تلك التنسيقيات هي المانع الرئيس لخلق قيادة ثورية موحدة تعبر عن ثورة الشعب وتحقق إرادته في الحرية والسلام والعدالة، بل سوف تورث ضعفاً وشرذمة للثورة وتضعفها وتجعلها فريسة سهلة للثورة المضادة الساعية لتحقيق أطماع الخارج العدو للشعب والثورة معاً. وإن صراع القوى الثورة في هذه اللحظة على كعكة غير موجودة أصلاً هو ليس نقصاً في الوعي الثوري والإدراك الوطني فقط، بل نقص في العقل أساساً، لأن النظام الذي قامت عليه الثورة لايزال باقياً بكل أركانه بل بأسوئها، ولم يسقط بعد، ولا يزال يتحكم بالثروة والسلطة والقرار الخاضع للأجنبي الطامع بالسودان وضد مصلحة الشعب السوداني وإرادته. والثورة عندما انطلقت شعبية سلمية لم تنطلق لتحقيق مصلحة شخصية فردية، وإنما لتحقيق مصلحة الشعب كل الشعب، لذلك فإن تغليب مصلحة الكل تحقق مصلحة الجزء بالتأكيد، والعكس غير صحيح فمصلحة الجزء مضمونة التحقق من خلال مصلحة الكل، بينما مصلحة الكل غير مضمونة التحقق في مصلحة الجزء، بل مستحيلة التحقق، لذا فإن بقاء الثورة دون قيادة ومشروع يحمل آمال الشعب وطموحاته يعرض الثورة للخطر، فيعطي المبررات لسلب الثورة، فإذا لم تكن الثورة هي عامل توحيد للصف وجمع للكلمة فليست ثورة، وإذا لم يجتمع الناس حول الثورة فحول ماذا وعلى ماذا سوف يجتمعون؟!
إن وجود قيادة جامعة ولو نسبياً وبمشروع ثوري وطني يحل محل النظام القائم يعطي الثورة قوتها ويحقق منعتها وضمانة لتحقيق أهدافها.
إن الأحزاب لا تصنع الثورات، وإنما تتنافس انتخابياً وتخسر أو تفوز. وأما الثورات الشعبية فتصنعها الشعوب. والكعكة الوهمية ستضيع على كل المتهافتين عليها. إن التنسيقيات هي سنة ثورات الربيع العبري أعدت للتمزيق وليست لجمع الكلمة، هدفها تمزيق الشعوب الثائرة وإضعافها، "تفتيت المفتت وتقسيم المقسم"، وفي الأخير الكل سوف يؤكل يوم يؤكل الثور الأبيض.

أترك تعليقاً

التعليقات