ثورة السودان بين إرادتين
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / لا ميديا -

منذ انقلاب نظام جماعة التمكين في السودان على نفسه في 11 أبريل 2019م، وإزاحته لرأس النظام، دخلت ثورة الشعب السوداني منذ ذلك الحين في مرحلة جديدة، وهي مرحلة صراع بين إرادتين هما: إرادة الخارج الاستعماري (الصهيوأمريكي) بنفسه وبأدواته الإقليمية والمفجوع بنجاح الشعب في ثورته الشعبية السلمية الوطنية بدوافعها الذاتية الداخلية المحلية إلى حد كبير ضد نظام الحكم الذي نصبه لحكم السودان وجماعة التمكين التي حكمت البلد لـ30 عاماً، ونجحت إلى حد كبير في تنفيذ مشاريعه في السودان أولاً وفي المنطقة عموماً، وإرادة الشعب السوداني الثائر على سلطة تلك الجماعة، والذي خرج منادياً بالحرية والسلام والعدالة، ومطالباً باستعادة حقه في السلطة والثروة والسيادة والاستقرار والعيش الكريم، وقد نجحت إرادة الشعب المتمثلة في ثورته الشعبية التي تم تغييبها منذ انطلاقتها والتعتيم عليها وعلى القمع الشديد الذي مارسته السلطة ضد الشعب الثائر، إلا أنها عجزت عن إخمادها فأدت إلى ضغط كبير على النظام وبشكل غير مسبوق، ما اضطر النظام إلى الالتفاف على الثورة، وذلك باستجابته الشكلية للثورة وإزاحة وجه عمر البشير من واجهة النظام، ليبقى النظام كما هو دون تغيير فأسقط البشير ونصب نفسه من جديد حاكماً وشكل مجلساً عسكرياً خاصاً به أولاً بقيادة وزير الدفاع عوض بن عوف قريب البشير وصهره، فارتفعت هتافات الشعب الثائر ضده في نفس اليوم، وبعبارة "شالوا الكوز الما عائزينوه وجابوا الكوز الأوسخ منه" "شالوا حرامي وجابوا حرامي وزي ما سقطت تسقط ثاني"، فتم إسقاط بن عوض في اليوم الثاني ليحل محله على نفس المجلس عبدالفتاح برهان السيسي، وعين محمد حميد داقلو المعروف بـ"حميدتي نائباً مليشياوياً له، ونصب نفسه حاكماً على الشعب والثورة معاً كامتداد لنفس النظام الذي قامت عليه الثورة، وأعلن نفسه شريكاً للشعب في ثورته بسبب حمايته للشعب الثائر من نفسه ومليشياته أمام القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وكأن مهمة الجيش كانت قتل الشعب فقط، وليس له مهمة سواها، وبدأ يتصرف مع الشعب والخارج كحاكم شرعي، وبدأ التفاوض مع الثوار على تقاسم سلطة ما بعد الثورة التي لم يتم إنجازها بعد، وشيئاً فشيئاً بدأ واستجابة لإرادة الخارج الاستعماري العدو للشعب والثورة والذي كان ولايزال من أخلص أدواته، يطالب الشعب الثائر في حواراته الطويلة بثمن حمايته له، وأن يكون ثمن حمايته للثورة هو الثورة نفسها، رفضت قوى الثورة ذلك، ولكن بعد أن أصبحت الثورة محصورة بساحة اعتصام واحدة أمام القيادة، ولها حدود لا تتجاوزها، ومحمية بالجيش نفسه، عندها طاف رئيس المجلس ونائبه دول أدوات الخارج وعادوا بقرار بات ونهائي ضد الشعب وثورته، وهو قرار فض الاعتصام بالقوة العسكرية، وتم إنفاذ القرار وقتل الثوار في الساحة وارتكب بحقهم أبشع أنواع الجرائم، لكنهم أخفقوا في قتل الثورة، فتحولت الساحة إلى ساحات، وأعلنت العصيان المدني لثلاثة أيام ثم علقته أملاً في نجاح التفاوض مع مجلس الإجرام والقتل السريع ودون ضمانات بتسليم المجلس للسلطة إلى سلطة مدنية، وأصبحت الأمور والإرادات معلقة، ومع هذا كله فإن إرادة الشعب هي المنتصرة ما لم تتحول لثورة قوى سياسية، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا بعد؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.

أترك تعليقاً

التعليقات