تعز وفقه المستعمر
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام

يدرك المستعمر (الصهيوأنجلوسكسوني) جيداً قيمة وأهمية اليمن، حضارة وجغرافياً وتاريخياً وموقعاً جيواستراتيجياً يتحكم بما مقداره 30% من طاقة وغذاء العالم، ويدرك قيمة وأهمية تعز التي هي كل ذلك وزد عليه الديموغرافيا كسمة إضافية لتغز، بل ويدرك أكثر بكثير من إدراك بعض أبنائها الخونة موالية ومرتزقة وعبيد ملوك وأمراء أدواته الوظيفية. ولذلك فهو يعلم جيداً أنه إذا ما توجه لاحتلال اليمن مباشرة، كأصيل أو عبر أدواته تلك، ولم يقم باستهداف تعز قبل ذلك، وإصابتها في مقتل وإشغالها بنفسها من خلال ضرب نسيجها الاجتماعي، وخلق الكراهية والبغضاء بغرض التفتيت والبعثرة، فإنه عندئذ سيكون إما مغفلاً أو مختلاً غير واعٍ بما يفعل وغير مدرك، وسيقدم على الانتحار، لأن تعز بمخزونها البشري وطاقتها  وبعمقها جنوباً حتى بحر العرب، وشمالاً يمنياً حتى الركن اليماني ثم شرقاً وغرباً، وموقعها كوسط الوسط، رافضة النزاع وموحدة الرقاع، وكاسرة للأطماع حاسمة الصراع مع المحتلين والغزاة. لكل هذا بدأ المستعمر باستهداف تعز منذ وقت مبكر 1945م، بـ(جماعة إخوانه) كرأس حربة، وبالمرشد/ عبده محمد المخلافي حاملاً دين وفقه المستعمر الدخيلين على الأرض والإنسان والبيئة، وما تلا ذلك من قبل فردته الأخرى الحاملة دينه الثاني (الوهابية)، وما أحدثه هذان الدينان من تشويه للقيم، ونسف للموروث الحضاري وهدم مقامات وأضرحة ونبش قبور، والأهم استهداف الوعي بإفراغ التعليم من محتواه، وضرب قيم الدين الحنيف. قال تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) [الأنعام: 161].
إن ذلك الفكر مستنداً لبعض التراث من ابن تيمية وتلاميذه ابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني... عمل على تزييف الحقائق للقضاء على الوعي لأجل محو الذاكرة وطمس الهوية، بعد محاولة تدمير القيم والأخلاق في المجتمع بدءاً من خطب المساجد بعد السطو عليها لإقامة المحاضرات والندوات فيها ومدارس تحفيظ أحاديث الاستشراق الإخواوهابي، مروراً بمدارسه الأهلية الخاصة بمناهج التكفير الإرهابية والمعاهد العلمية والمعلمين إلى المعاهد المتوسطة والجامعات الخاصة والمستشفيات والمؤسسات، بل والوزارات الخاصة. فالجمعيات الخيرية وغير الخيرية، وشركات الاستثمار وصولاً للالتحاق بالثورات الشعبية والاستيلاء عليها وتجييرها لها كثورة فبراير 2011م، وما ترتب على تلك الانتهازية عليهم قبل غيرهم.
إن تلك الجماعة، ومنذ النشأة من المخلافي الأول وصولاً إلى مخلافي اسطنبول الثاني حمود وما خلفه لتعز، هي التي أنفذت الحرب الناعمة التي استهدفت قيم ومفاهيم الإنسان في تعز، وحاولت تكريس فكر وفقه المستعمر الدخيل القائل: تعز لتعز، ذلك الفكر والفقه الاستعماري المشمول برعاية ريال النفط ودنانيره والدولار، بل وتصديره للمحافظات الأخرى، فمنها من تعافت منه بسرعة ودخلت بخط مواجهة العدوان بفاعلية، ومنها من تنتظر، وما حرب المفاهيم وخلطها وإبدالها واستبدالها إلا الحرب الناعمة التي سبقت العدوان المباشر وزرعت مفاهيم تحتمل الخلط، وبذرت كراهية للآخر دون وجود هذا الآخر أصلاً إلا في خيال المستعمر وجماعته.
تلك الحرب الناعمة بسلاح دين وفقه المستعمر هي التي جعلت الإنسان يوالي أعداءه على بنيه، ويتحالف مع الأجنبي على الوطني ويجلب المحتل لغزو بلده وقتل شعبه وانتهاك عرضه قبل الآخر كما حدث في المخا، وغيرها من المناطق المحتلة، وبسبب ذلك الفقه الذي استهدف تعز ولايزال بقصد تمويتها للأسف، ومنعها من القيام بدورها، ولا يدرك قادة الجماعة وأتباعهم أن تعز هي كل اليمن لكل اليمنيين وتلك قيمتها وبغير ذلك تموت تعز، وبضعفها يموتون فكيف بموتها. والمضحك المبكي أنهم لا يدركون أنهم هم المستهدفون باستهداف تعز وأن تعز ستبقى منتصرة لليمن وباليمن وسيهزمون ويموتون وتحيا تعز.
إن من يؤمن بدين وفقه المستعمر القائل تعز لتعز فإنه إما جاهل بتعز وقيمتها، فيذهب لقتل وإزهاق روح تعز كمغرر به، وما يميت إلا نفسه، وإما أنه خائن لها وعميل موالٍ للعدو المستعمر، وفي كلتا الحالتين فهو عدو لنفسه، ولتعز.
 إن الاستعمار بدينه وفقهه يحتضر اليوم في اليمن كلها، وتعز جزء منها، رغم جذوره الممتدة والمغروسة بأعمق أعماق آبار النفط والغاز، وكل أولئك الخونة العملاء سيسقطون معه، والشواهد واضحة، فهل هم مدركون؟ فهم مُدرَكوُن، وغداً مُترَكوُن، وليسوا مدركين.
التحية والإجلال للشعب اليمني العظيم شعباً صابراً صامداً وجيشاً ولجاناً شعبية مجاهدة وقيادة واعية مدركة. الرحمة والخلود للشهداء أكرم من في الأرض وأنبل بني البشر. الشفاء العاجل للجرحى. الحرية للأسرى. الخزي والعار للخونة العملاء. اللعنة على أنصاف الرجال. الهزيمة للعدوان (السعوصهيوأمريكي). النصر للشعب اليمني العظيم.

أترك تعليقاً

التعليقات