الثورة خيار الشعب
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام

الثورات لا تصنع نفسها، بل تصنعها الشعوب الحية، لأن الثورة هي حياة متجددة، والشعوب غير الحية لا حياة فيها أصلاً، لذا تعجز عن الفعل، وكذلك فإن الثورات لا تولد من فراغ، والثورات الناقصة هي ثورات ميتة، وإن ولدت تولد ميتة، وعليه فإن الثورات لا تقبل أنصاف الحلول، فإما ثورة كاملة أو لا ثورة، لذا فإن الشعب السوداني كان موفقاً عندما رفع شعاره حرية -سلام- عدالة، والثورة خيار الشعب، وعندما حدد مطالبه بكلمة واحدة فقط هي: تسقط بس.
فالثورة خيار الشعب وحده لا سواه، لأنها عندما تكون كلياً أو جزئياً خياراً خارجياً فإنها لن تكون ثورة، بل عبارة عن غزو خارجي واحتلال، وعكس مفهوم الثورة تماماً، ولا تعبر عن إرادة الشعب، ولا تمت بصلة له، لذلك لا خوف على الشعب السوداني ولا خوف على ثورته من السرقة، فهو صانعها وحاميها بدمه، وحارسها بوعيه وإدراكه، وإن ثورة لا تحميها شعوب صنعتها فإنها شعوب لا تستحقها، وحينها لا عزاء على تلك الثورات، ولا بكاء على تلك الشعوب.
ولأن البعض قد ذهب بعيداً بصراخه وعويله بأن السودان في خطر، نعم وهي كلمة حق يراد بها باطل، لذا نقول له نعم إن السودان في خطر طالما بقيت فيه السلطة التي قسمته وفتتته وبعثرته وباعت جزءاً كبيراً منه للخارج، ومصرة على بيع ما أبقت منه كاملاً.. وبزوال هذه السلطة فإن السودان بألف خير، تسقط بس، والباقي على الشعب الذي قرر ويعرف ما له وما عليه.
إن الظلم والطغيان والقهر ككلمات عابرة لا تولد ثورة على الظالم، وإنما يولدها الإحساس بالظلم، فكم من سلطة ظلمت فئة أو جزءاً من شعبها وجارت عليه، ولم تتولد ثورة عليها، وكم من سلطة قسمت بلدها وفتتته، وهو ظلم عظيم، ومع ذلك لم تتولد ثورات شعبية عليها، لأنها تكون حينئذ قد نجحت بتقسيم الشعب وتفتيته وتمزيق نسيجه الاجتماعي أولاً، وجعلته يحارب بعضه بعضاً ويكره بعضه بعضاً كما فعلت سلطة الكيزان بالشعب السوداني الواحد، ولم تقم عليه ثورة بعد التقسيم رغم أنه من أكبر أنواع الظلم، ولكن عندما أحس الشعب السوداني بالظلم أفاق وأدرك ما حل به وبوطنه من قبل هذه السلطة الوصائية، لكنه عندما بلغ الإحساس بالظلم والقهر والاستبداد مداه لدى هذا الشعب، ثار على الظالم كغيره من الشعوب التي ذاقت طعم الظلم فثارت.
ومن حسن حظ ثورة الشعب السوداني أنها لم تتزامن مع ثورات الربيع العبري العابرة، ولم ترفع شعاراتها، وأنه لم تساندها قنوات الربيع من (الجزيرة والعربية والحدث وسكاي نيوز)... الخ، كما أنه لم تعلن حكومات الاستعمار تأييدها لثورته أو تضامنها معه في ثورته، لأن هذه الثورة قامت ضد أدوات الاستعمار وسلطة وصايته الكيزانية، لأن كل ثورات الربيع المشبوه أتت لتمكين الكيزان في كل البلدان التي حصلت فيها، وهذه الثورة إن جازت تسميتها ثورة ربيع، فهو ربيع سوداني خالص. وهي ثورة بكل مقاييس الثورات.. أما أن تطول أو تقصر، فخاضع للظروف، لكنها انطلقت ولن تعود أدراجها.

أترك تعليقاً

التعليقات