ترامب الأحمق
 

د. مهيوب الحسام

د. مهيوب الحسام / #لا_ميديا -

إن ترامب الذي يُحسن حساب الصفقات لا يمكنه أن يُحسن حسابات السياسات وفنها في العالم عموما ومنه المنطقة. فإذا أخذنا العراق كمثال نجده يتصرف كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فهو لا يحسن قراءة التاريخ، ويجهل فن سياسات التعامل مع الدول والشعوب التواقة للحرية والانعتاق من نير التبعية والعبودية والرافضة لكل أشكال الهيمنة، فقد تعامل بغباء وجهل فاق غباء وجهل أدواته، فهو يريد أن يُخضع العراق وفقا لأهوائه ورغباته ووفقا لمنظوره للكيانات من أدواته التنفيذية الطيعة في المنطقة ككياني بني سعود وعيال زايد وغيرهما، ويصر على أن يتعامل مع العراق كصفقة من صفقاته المربحة، ويرفض أن يتعامل معه كدولة وشعب حضاري ضارب جذوره في أعماق التاريخ، وشعب تواق للحرية والسيادة والاستقلال.
فأمريكا عندما أنتجت داعش في العراق وسوريا كما جاء في وثائق مذكرات هيلاري كلنتون كانت تحسب حسابات كيفية العودة للعراق بعد خروجها مذلة منه في عام 2013، فأتت بعناصر داعش من أوروبا ومن كافة أنحاء العالم مستخدمة أدواتها في المنطقة وأموالهم، فأعدت ودربت وهيأت كل الظروف لإنتاج داعش، التي احتلت بالفعل ثلاثة أرباع العراق ومساحة واسعة من سوريا، غير أن إرادة الشعبين السوري والعراقي، على وجه الخصوص، عصفت بكل حسابات الإدارة الاستعمارية الأمريكية، وأفشلت المخطط في سوريا بفضل الجيش العربي السوري والمقاومة، وفي العراق بفضل الحشد الشعبي.
ترامب ومنذ دخوله البيت الأبيض يواصل حماقاته، بداية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران مرورا بمشاركته الأساسية في العدوان على الشعب اليمني، وآخر هذه الحماقات أوامره باغتيال قادة المقاومة القائد الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، وهما من كان لهما الفضل في تطهير العراق من تنظيم داعش الإرهابي، وفوتا بذلك الفرصة على أمريكا للبقاء الآمن في العراق؛ ناهيك عن إخضاعه والسيطرة عليه ونهب ثرواته كما يشاء.
إن هذه العملية الإجرامية التي أقدم ترامب الأحمق على ارتكابها الهدف منها إخضاع إيران والعراق معا ومحور المقاومة، فكل التقارير التي كانت ترفع إليه تؤكد أن سليماني هو القائد الذي لا يمكن لمحور المقاومة تعويضه، فأقدم على ارتكاب جريمة اغتيالهما بحماقة دون إدراك عواقب فعلته.
هناك مثل شعبي شائع في الشام يقول: "حساب الحقل لا يمكن أن يطابق حساب البيدر"، أي أن ما يحصده الفلاح من سنابل القمح في الحقل بالتأكيد ليس هو صافي غلته بعد إتمام عملية درسه وتنقيته في البيدر، فالفلاح الخبير يعلم تماما أن صافي غلته هو ما يتبقى بعد تنقية القمح من بقايا القش وغيرها. وترامب بتنفيذه جريمة الاغتيال كان أشبه بفلاح غبي، إذ وجد نفسه عقب الجريمة أمام حقيقة واقعة، وهي أن حسابات بيدره تخالف تماما حسابات حقله، فارتدت سهامه إلى نحره، وقراره الأرعن ارتد وبالا عليه وعلى أمريكا برمتها وعلى تواجدها في العراق والمنطقة كلها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهل ترامب بحقائق التاريخ، وغبائه الفج، وعدم امتلاكه لأدنى معايير إدارة السياسات الدولية. لذلك فإن ترامب هو أفضل من يقود أمريكا نحو السقوط بما كسب رهينة.

أترك تعليقاً

التعليقات