وعد بلفور وإنجاز العرب
 

د. مهيوب الحسام

بلغ وعد بلفور من العمر 100 عام، ولم يبلغ بعد من العمر عتياً، ويبدو أن عمره مديد، وفعله بهم لايزال سارياً، وتأثيره مستمراً وأشد مما كان عليه بمقتبله أو طوال الـ60 عاماً من تنفيذه الفعلي، ووضع العرب لايزال يزداد سوءا،ً وينتقل من سيئ لأسوأ، فحال سوادهم أسوأ وضعاً، وأضعف قوة، وأكثر خضوعاً وذلاً، وخونتهم أعظم خيانة لبني جلدتهم، وأكثر عمالة للاستعمار من ذي قبل، وأكثر عطاءً، فيعطون له الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهم أرخص ثمناً لديه، وأسفل مكاناً عنده، ولو كانوا أمراء وسادة، أذناب الغرب من الأعراب لا يشفع لهم ذلك شيئاً، ولا يغني حتى عن العرب من أعرابهم شيئاً، ولولا محور المقاومة (عليه السلام) لباع الأعراب تابعيهم العرب بسوق نخاسة، وساموهم سوء العذاب، وكذلك يفعلون، ما بالك بسيد الأعراب الأصيل، وما الذي كان سيفعله بهم.
لقد مضى 100 عام من عمر وعد بلفور، و69 عاماً على تنفيذه، ولايزال الاستعمار هو الاستعمار، وأطماعه هي هي، بل أشد، ونظرته للعرب هي هي، بل أسوأ، شوف الأبلة تريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، وهي تحتفل اليوم بالذكرى المئوية الأولى لولادة الوعد، وتقول إنها تحس بالفخر بما تحقق من نتائجه باحتلال الأرض العربية (فلسطين)، وتهجير أصحابها الشرعيين وملاكها الحقيقيين منها، وتشريدهم من وطنهم، ونثرهم حول العالم، ومنذ الوعد وحتى الآن من قاوم التهجير قتل، هذه عدالة الاستعمار، وهذه حريته التي يريد تصديرها لنا، وديمقراطيته التي يزايد بها علينا ليلاً ونهاراً، يريد نشرها فينا، وهذه القيم التي ما انفك يغرسها فينا.
إن هذا هو الاستعمار ذاته قبل 100 عام، وسيبقى بعد 100 عام كذلك، فهو فكر وثقافة تتجسد بنظرة استعلائية يتبعها تصرفات تتجذر كسلوك وقناعات راسخة لديه، والفكر الاستعماري داء مزمن وحالة مرضية مستعصية لا شفاء لها بالعقاقير، وإنما بمواجهته وهزيمته كما يفعل محور المقاومة، فالاستعمار مرض متأصل مستمر وممتد، فلم تكن مارجريت تاتشر وجزر فوكلاند (الأرجنتين)، وتوني بلير وغزو العراق، حالة شاذة، وما الأبلة تريزا إلاّ امتداد لهم تخرج من الاتحاد الأوروبي لتدخل اتحاداً خليجياً، وتعاود من خلاله احتلال جنوب اليمن تحت غطاء الإمارات، وهي تحتفل اليوم بذكرى وعد إقامة دولة يهودية على أرض العرب، ومقدساتهم من بيت لحم، كنيسة القيامة مهد سيدنا المسيح، والأقصى مسرى سيدنا محمد وقبلته الأولى صلى الله عليهما وسلم.. إن بلفور لمن لا يعرف هو أرثر جيمس بلفور، وزير خارجية إمبراطورية (بريطانيا العظمى) الاستعمارية، أيام الانتداب البريطاني على فلسطين، والدول العربية التي كانت تحت احتلال الإمبراطورية العثمانية (التركية) قبل انهيارها، والذي قطع وعداً للصهاينة اليهود بتاريخ 2/11/1917م، بإعطائهم أرض فلسطين العربية يقيمون عليها وطناً قومياً لهم، وألزم كيان (بني سعود) التنفيذ، ليبدأ العمل على التنفيذ حتى تم إعلان ولادة كيان (بني صهيون) عام 1948م، بقرار تقسيم فلسطين بين أصحابها الأصليين العرب، وبين اليهود المحتلين.
عندما نورد الوقائع التي أوصلتنا كعرب إلى هذا الواقع المرير الذي نعيشه وتعيشه معنا فلسطين وكل الأمة تقريباً، فإننا لانلوم من وعد بقدر ما نلوم عرباً فرطوا بعروبة وأرض وعرض، وشاركوا بالتنفيذ، وفي مقدمتهم الأعراب أسر حكم كيانات النفط (أدوات المستعمر)، وتابعيهم من خونة العرب العملاء أذيال أذيال المستعمر، والذين لولا الخشية من الشعوب والخوف من تعاظم قوة المقاومة، لخرجوا للاحتفال بذكرى وعد بلفور رسمياً، ولجعلوها عيداً وطنياً لهم يحتفلون به كل عام، وعلى رؤوس الأشهاد، مع أن أسرة خدام الحرمين يفعلون، وإن خفية.
وعليه، فإذا كان بلفور قد أعطى وعداً، فإن الملك المؤسس التزم بإنجاز الوعد، وعمل لتحقيق ذلك، وكان أول من قام بالتنازل عن فلسطين لليهود المساكين، ممهوراً بتوقيعه، حتى جاء نجله سلمان وحفيده بن سلمان ليعملا جاهدين على التنازل عن الأرض العربية والعرب جميعاً لإسرائيل، بعدما هجَّرت اليهود العرب من الأقطار العربية، لتوطينهم بفلسطين. إن العقلية الاستعمارية لم تتغير، وإنما طورت من أساليب سوئها فقط.
التحية للجيش واللجان الشعبية، ومحور المقاومة جميعاً، الحاملين راية وعدنا بالتحرير.. الرحمة والخلود لشهدائنا وشهداء محور المقاومة في درب التحرير ومواجهة العدوان.. الشفاء للجرحى.. الحرية للأسرى.. الخزي والعار للخونة.. اللعنة على أنصاف الرجال.. النصر للشعب اليمني العظيم ومحور مقاومة العدوان والاستعمار والاستكبار.

أترك تعليقاً

التعليقات