الأزمة الجذرية للكيان الصهيوني بعد «طوفان الأقصى»
- أنس القاضي الجمعة , 23 فـبـرايـر , 2024 الساعة 6:46:07 PM
- 0 تعليقات
أنس القاضي / لا ميديا -
الكيان الصهيوني، ولادة ظروف دولية أعقبت الحربين العالميتين الأولى والثانية ثم الحرب الباردة، وبخلاف بقية دول المنطقة الحضارية والراسخة اجتماعيا وتاريخياً، فإن بقاء الكيان رهن بالسيادة الغربية في المنطقة وخضوع الدول العربية الإفريقية للهيمنة الاستعمارية الجديدة وهو جزء من هذه المنظومة الاستعمارية، وهذه الظروف ليست خالدة والعالم مقبل على تغيرات. وما نراه اليوم من دعم أمريكي وبريطاني وفرنسي غير محدود للدولة الصهيونية -مع خلافات نسبية مع حكومة نتنياهو- إنما هو تجل لحقيقة الأزمة الوجودية التي يعاني منها الكيان الصهيوني الذي يعجز عن الوقوف الذاتي بدون إسناد غربي، وبدورها تدعمه الدول الغربية باعتباره رأس حربتها الإمبريالية في المنطقة.
إن توصيف الكيان الصهيوني بكونه كياناً مؤقتاً رغم ما يحمله هذا التوصيف من جانب دعائي ويُشبع العاطفة العربية الإسلامية، إلا أن لهذا التوصيف جانبا واقعيا، فالكيان الصهيوني لا مستقبل له بالمعنى الاستراتيجي وكما كان يطمح، وعمره حتى اليوم 76 سنة يعتبر لمحة بصر في عمر التاريخ، مقارنة بالوجود الحضاري للدول المحيطة به.
قامت الاستراتيجية الصهيونية العسكرية التي أرساها الرئيس الأول للكيان «بن غوريون» (من 1948 حتى 1963) على أساس أن يكون جيش الاحتلال صاحب المفاجأة في الحرب، وأن يدخل في الحرب وهو واثق من الانتصار فيها، وأن تكون هذه المعارك خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أساس هذه الاستراتيجية تحرك الجيش الصهيوني في معظم الحروب التي خاضها ضد الجيوش الكلاسيكية العربية، صحيح أنه فقد عنصر المفاجأة في حرب أكتوبر 1973م إلا أنه في نهاية المطاف انتصر فيها.
مختلف الحروب التي خاضها العدو الصهيوني كانت في ظل استراتيجية «بن غوريون» وفي ظل الثنائية القطبية والتفوق الغربي في كثير من الأحيان، إلا أن هذا المسار بدأ في التراجع، وظهرت مؤشراته في سنوات 2000م، 2005م، 2006م، 2008م، 2014م وصولاً إلى «سيف القدس» 2021م وليس انتهاء بـ«طوفان الأقصى» أكتوبر 2023م المستمر حتى الآن (فبراير 2024م).
كان الانسحاب الصهيونية بدون مقابل من جنوب ولبنان وكذلك قطاع غزة محطات هامة في تاريخ الصراع ومؤشر تراجع السطوة الصهيونية، استمر هذا المسار وصولاً إلى معركة «طوفان الأقصى» التي تعد محطة نوعية في تاريخ الصراع، لكونها عمقت الأزمات العميقة التي يعاني منها الكيان الصهيوني، وجاءت في ظل أزمة المراكز الرأسمالية الغربية ذاتها الولايات المتحدة وأوروبا، وفي ظل حراك دولي ينزع نحو تجاوز الأحادية القطبية نحو التعدد القطبي عالمياً وصعود قوى جديدة إقليمية.
تبدلت الموازين العالمية وعدم إمكان استمرار النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية وصعود دول جديدة هذا الأمر كان سوف يؤثر على وضع الكيان الصهيوني بشكل موضوعي وبالتدريج، إلا أن الأثر بعد «طوفان الأقصى» سيكون أكبر، باعتبار أن الفعل العربي والإسلامي المقاوم سيسرع من هذه الحركة الموضوعية.
ويعاني الكيان الصهيوني في الوضع الراهن من أزمة مزدوجة على الصعيد الخارجي، أزمة الدور الوظيفي الذي كان يقوم به في المنطقة والمتمثل في محاربة حركات التحرر الوطنية العربية والإيرانية والإثيوبية والإفريقية ومحاربة نهوض هذه الدول والدفاع عن المصالح الاستعمارية الغربية، والأزمة الثانية متعلقة بالأزمة العامة في المراكز الرأسمالية الغربية الأمريكية الأوروبية -اليابان، التي تنعكس على الكيان الصهيوني باعتباره جزءا عضويا من المنظومة الغربية.
إلى جانب ذلك فإن الكيان الصهيوني يعاني من أزمات اجتماعية اقتصادية داخلية، ويواجه أزمة الهجرة المعاكسة عودة المستوطنين إلى بلدانهم الغربية وأزمة توقف هجرة اليهود من الدول الغربية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذه المسألة تحد من قوته وآفاقه المستقبلية، ويواجه أزمة دبلوماسية وسمعة أخلاقية من بعد «طوفان الأقصى» إذ بات منبوذا في الرأي العالم العالمي وفي موقع المتهم في محكمة دولية لأول مرة في تاريخه، بعد أن كان محمياً من النقد والاتهام بغطاء «معاداة السامية»، تتضافر هذه الأزمات لتضعف هذا الكيان وتحول مساره من الصعود نحو استراتيجية «إسرائيل العظمى» المتفوقة في المنطقة والقطب فيها، إلى الهبوط نحو السقوط وإن تطلب ذلك زمناً وبشكل تدريجي.
هذه الأزمة الاستراتيجية عمقتها معركة «طوفان الأقصى»، وهي باقية ومؤثرة على كيان الاحتلال الصهيوني بغض النظر عن الصورة التي سوف تنتهي بها الحرب الراهنة بين جيش العدو الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، ومما لا شك فيه أن معركة «طوفان الأقصى»، سوف تسرع من حركة الانهيار الداخلية، وما إن تتوقف الحرب حتى تبدأ أزمة دولة الاحتلال، وما عودة الحديث الغربي اليوم عن «حل الدولتين» الظالم في طبيعته للحق الفلسطيني، وحديث الدول الأوروبية عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية (حتى الآن اعترفت به 15 دولة غربية) هذا الحديث السياسي ورغم أنه لا يلبي الحق الفلسطيني، إلا أنه مؤشر لتراجع الحركة الصهيونية فحل الدولتين يرفضه اليمين السياسي والصهيوني في دولة الاحتلال ولطالما رفضته الولايات المتحدة وبريطانيا، إلا أن هذه الدول اليوم منفتحة على حل كهذا لأنها تدرك أن عدم تقديم مثل هذه التنازلات يمكن أن يؤدي إلى خسارة أكبر.
المصدر أنس القاضي
زيارة جميع مقالات: أنس القاضي