عُمرة وسط الركام
 

يسرية الشرقي

يسرية الشرقي / لا ميديا -

في ليلة الـ25 من شهر مارس عام 2015 في العاصمة صنعاء، بدا كل شيء على ما يرام. لم يتبق سوى سويعات على الرحلة. كانت السعادة تغمر بيتنا البسيط، ما زلت أتذكر جيداً ضحكة أبي وفرحته الغامرة في تلك الليلة، ظننت أنه لن يستطيع النوم من شدة السعادة التي رأيتها في عينيه الحنونتين. أمي تقف عند باب الغرفة وبيدها فنجان القهوة الخاص بأبي، بينما كنت أنا أتأمل تفاصيل حياتنا الجميلة بكل حب وتفاؤل. راجعت أمي كل التجهيزات، لتتأكد أنها لم تنسى شيئاً.
الحقائب بالقرب من الباب. تذاكر الطيران، ووسادة السفر أيضاً. جميعنا وبكل شوق ولهفة على أهبة الاستعداد للرحلة إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة. نام الجميع بسلام تلك الليلة، لم يتبق أحد.
حلمت في تلك الليلة أحلاماً بدت وكأنها في متناول الجميع. كنت أشعر بأني قريبة من الحجر الأسود ويغمرني نور مكة المكرمة. كان شوقي كبيراً لأزور مقام إبراهيم عليه السلام، وأشرب من ماء زمزم الذي طالما أخبرونا عن مذاقه الفريد، والبركات التي تصحب من يشرب منه.
حلمت ليلتها بشعاب مكة وأحجارها، ومدى الحنين الجارف الذي يهز كياني إلى الأماكن المقدسة، وكيف لا أحن إليها وهي موطن حبيبنا محمد (ص)؟!
منذ سنوات طوال ووالدي يحمل ذلك الحلم، الحلم بزيارة بيت الله وأداء الشعائر في بلد النبي الكريم، في بلد حمل السلام والرسالة الخالدة، كما كانوا يقولون لنا، فقطعت وعداً بأن أحقق لوالدي ما يحلم به... وبدا كل شيء على ما يرام وفي متناول أيدينا ولا يبعدنا عن هذا الحلم سوى ساعات السفر من صنعاء إلى مكة المكرمة.
وسط كل تلك الأحلام والآمال، فجأة سمعنا دوي انفجار قوي هز مدينة صنعاء بأكملها، وأيقظ ساكنيها... يا للهول! ما هذا؟!
استيقظ الجميع على أصوات الانفجارات المختلطة بأصوات المآذن والمسبحين في المساجد.
أسرع الجميع إلى غرفة الجلوس لمشاهدة الأخبار. كانت العيون محدقة في شاشة التلفزيون. وأنصت الجميع إلى مذيعة الأخبار وهي تقرأ: "قوات التحالف تضرب العاصمة اليمنية صنعاء"، فساد الوجوم والصمت المطبق.
لن أنسى هدوء عيني المذيعة والفرحة التي على شفتيها وهي تقرأ الخبر، وتلقي بكلماتها التي كانت أشد وقعاً علينا من صواريخهم التي عصفت بأحلامنا، وأزهقت أرواحاً بريئة، لا ذنب لها سوى أنها من بلد كان منذ قرون ولا يزال إلى يومنا هذا مطمعاً للغزاة، ومقبرة لهم أيضاً.
ها هي المذيعة الآن تحكي تفاصيل الحصار المفروض علينا من قبل الجلاد متجاهلاً حقنا في العيش. وها هي أيضاً تسرد أسماء المواقع المقصوفة، وكأن من فيها ليسوا آدميين لهم الحق في أن يعيشوا بحرية وكرامة.
تبدد حلم والدي البسيط بزيارة بيت الله، وتبددت معه كل الآمال بأداء الطقوس المقدسة والشعائر الدينية في الأماكن المقدسة! تلاشت وسط ركام المنازل المقصوفة وأصوات بكاء الأطفال الخائفين.
الحقيقة الوحيدة التي كانت بارزة وظاهرة هي أن حماة بيت الله الحرام - المفترضين- حرموا أحباب رسول الله من زيارة البيت الحرام، فقد أعلنوا في تلك الليلة إغلاق المطارات وفرض حصار شامل على اليمن، براً وجواً وبحراً. يا إلهي! ما الذي حدث بين ليلة وضحاها؟! بالأمس كنا نبكي حال السوريين والفلسطينيين، وها نحن اليوم نعيش الحال ذاتها!
إنها ليلة لن تنساها ذاكرة صنعاء وساكنيها.

أترك تعليقاً

التعليقات