الحمار الأسير
 

عبد الحافظ معجب


أن يستخدم الحمار كوسيلة نقل للسلاح أو الغذاء في جبهات الحرب، فهذا أمر طبيعي في اليمن، لأن الحمار لا يزال من الوسائل العامة للمواصلات في أغلب مناطق الريف اليمني، واستخدامه في الحرب ليس حكراً على اليمنيين، فلقد جرى استخدامه من قبل في كولومبيا والهند وفلسطين وأفغانستان، ومؤخراً استخدمته الجماعات التكفيرية لتفخيخ واستهداف الجيوش النظامية في مصر وسوريا.
لكن أن يظهر الحمار على وسائل الإعلام، ويتصدر أخبارها العاجلة وتغطياتها الخاصة كإنجاز عسكري، (هاذي) لم يسبقنا إليها أحد، ولأول مرة في تاريخ الحروب يتم أسر حمار، ويعتقد منفذو هذه السخافات أنهم حققوا انتصاراً كبيراً للجبهة العسكرية، وتقدماً في سير المعارك.
12 دولة بجيوشها وكامل قدراتها العسكرية وسلاح الجو والقنابل العنقودية، وأكثر من 200 ألف مرتزق على الأرض، وبعد عامين من الحرب، أعلنوا تمكنهم من (أسر حمار) حوثي عفاشي في جبهة نهم، وكان لقناة (سهيل) السبق الصحفي، حيث سارع مراسلها للنزول الى ساحة القتال، وعرض نفسه للمخاطر بدخوله الى خطوط النار الأمامية، لإجراء حوار صحفي مع العميد ركن والقيادي الكبير في جيش العدو (الحمار الأسير).. ولأن الخبر ليس عادياً، ولا بالأمر الهين، أعلنت القناة حالة الطوارئ والاستنفار، وارتبطت بالبث المباشر مع مراسلها وهو يخاطب الحمار سائلاً: (أيش كنت تعمل في نهم؟)، والحمار يرد أنه من المغرر بهم، وشعر أن بقاءه مع الجيش واللجان الشعبية غلط كبير، وأصر على تسليم نفسه لإخوته من جيش التحالف، وما يسمى الشرعية، ويؤكد أنه حمار وليس مرتزقاً، ولم يقدم لطيران العدوان أية إحداثيات، فيما يسارع الجندي البطل قائد عملية الأسر للتعليق عن الموضوع قائلاً إن جيش الشرعية وبخبرات سعودية إماراتية أميركية، تمكن من فرمتة الحمار وإعادته الى ضبط المصنع، حتى شعروا أن الحمار واحد منهم.
أما القناة فواصلت تغطياتها واستضافت عدداً لا يستهان به من الخبراء الأمنيين والصحفيين والمحللين الاستراتيجيين ورؤساء مراكز الدراسات والأبحاث، وفتحت لهم الهواء من ستيديوهات الرياض والدوحة وإسطنبول، للتعليق على هذا الإنجاز ودلالاته في عملية التحرير الشاملة، وارتباط عملية الأسر باقتراب السيطرة على العاصمة صنعاء ودخولها، والتوغل برياً حتى صعدة الذي تعثر الدخول إليها عبر الحدود السعودية بالرغم من استخدام الآلاف من المرتزقة وأحدث الآليات والتقنيات العسكرية.
المهم أن العالم كله انشغل بقصة الحمار، ولم يلتفت الى إنجازات الجيش وللجان الشعبية، وتقدمهم في المواقع العسكرية لجيزان ونجران وعسير، وإسقاط الطائرات داخل المناطق السعودية، وتحولت أنظار العالم الى الإنجاز الضخم المتمثل بأسر الحمار، وصار الحديث عما سيفضي إليه هذا الإنجاز، وكيف سيعزز الموقف التفاوضي للتحالف السعودي ومرتزقته في الداخل، حتى المتحدث باسم قوات العدوان البغل الأسمر أحمد عسيري الذي ما عاد سمعنا له صوت من زماااااان، عقد مؤتمراً صحفياً بعد ساعات قليلة من عملية الأسر، وأكد أن ما بعد أسر الحمار ليس كما قبله.
أما والد الحمار المغبون فقد حمل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مسؤولية ما قد يتعرض له ابنه من تعذيب وعنف محتمل على يد قوات التحالف أثناء التحقيق، مناشداً الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على قوات التحالف للإفراج عن ولده، محذراً من نقله الى سجون الإمارات أو الرياض.
حتى مكتب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، كان له تصريح حول الأمر، وكشف أن صالح أرسل الحمار الى جبهة المرتزقة للتفاوض مع علي محسن والمقدشي. وعن سبب إرسال الحمار لهذه المهمة، أكد الزعيم أن المقدشي وعلي محسن لن يستطيعوا أن يفهموا إلا واحداً مثلهم.
وفي بادرة طيبة، دعا رئيس لجنة تبادل الأسرى، مرتزقة الرياض للإفراج عن الحمار الأسير مقابل استعداد الجيش واللجان الشعبية للإفراج عن كافة أسرى المرتزقة لديهم.
وتستعد قناة (الجزيرة) لتصوير فيلم وثائقي جديد بعنوان (حمار الجزيرة)، وستكشف فيه عن اتصالات خطيرة وتفاصيل مثيرة.

أترك تعليقاً

التعليقات

ابو اوس الشامي
  • الثلاثاء , 3 يـنـاير , 2017 الساعة 9:00:10 AM

جميل انت يا حافظ وجميلة كل اعملاك الرائعة